تبصرة الفقهاء - ج ١

الشيخ محمد تقي الرازي النجفي الاصفهاني

تبصرة الفقهاء - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمد تقي الرازي النجفي الاصفهاني


المحقق: السيد صادق الحسيني الإشكوري
الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الذخائر الإسلامية
المطبعة: مطبعة الكوثر
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-988-000-6
ISBN الدورة:
978-964-988-003-7

الصفحات: ٥٢٨

تبصرة

[ في النوم الغالب ]

من أسباب الوضوء النوم الغالب على حاسّتي السمع والبصر ، وهو الذي يسمّى نوما في العرف ، إذ ما دونه يسمّى نعاسا ونحوه.

ولذا أطلق تارة في الصحاح (١) الحكم بنقضه من غير تقييد ، وقيّد اخرى بغلبته على العقل والسمع ، أو على الأخير وعلى البصر ، أو عليهما وعلى القلب. والمقصود من الجميع واحد.

ونقضه الوضوء مطلقا هو المعروف من المذهب. والظاهر انعقاد الإجماع عليه. والخلاف فيه إن ثبت منقوض (٢) والأصل فيه بعد الإجماع ـ محصّلا أو منقولا في لسان جماعة من الأجلّة كما في الانتصار والناصريات والتهذيب والخلاف وغيرها ـ النصوص المستفيضة المتكثّرة المشتملة على الصحاح وغيرها.

وفي آية الوضوء دلالة ظاهرة عليه بمعونة تفسيرها في الموثق بالقيام من النوم. وفيه : قلت : ينقض النوم الوضوء؟ قال : « نعم إذا كان يغلب على السمع » (٣).

وفي مرسلة بكير أيضا تفسيرها بذلك ، بل حكى الشيخ والعلّامة إجماع المفسرين عليه.

وفي الصحيح : « من وجد طعم النوم فإنّما وجب عليه الوضوء » (٤).

__________________

(١) الصحاح ٥ / ٢٠٤٧ ( نوم ) ، وانظر : لسان العرب ١٢ / ٥٩٨ ( نوم ).

(٢) في ( ألف ) : « منقرض ».

(٣) الإستبصار ١ / ٨٠ ، ابواب ما ينقض الوضوء باب النوم ، ح ٩.

(٤) الإستبصار ١ / ٨١ ، ابواب ما ينقض الوضوء باب النوم ، ح ١٠ وفيه : فإنما أوجب عليه.

٣٦١

وفي أخرى : « من نام وهو راكع أو ساجد أو ماش على أيّ الحالات فعليه الوضوء » (١).

وما يعارضها ممّا دلّ على « عدم نقض النوم جالسا مع عدم تعمّده » كما في رواية عمير بن حمران أو النوم جالسا مجتمعا » كما في رواية أبي بكر الحضرمي أو (٢) « عدم نقضه قاعدا ما لم ينفرج » (٣) كما في مرسلة الفقيه أو « أنّ الخفقة في الصلاة قائما أو راكعا » (٤) لا ينقضه كما في موثقة سماعة لا يقاوم ما ذكر من الأدلّة مع كثرتها ، ووضوح إسنادها ، وصراحة دلالتها ، وبعدها عن مذهب العامة ، وموافقتها للكتاب ، واعتضادها بعمل الأصحاب.

ويمكن حملها على التقيّة على أنّها ضعيفة الإسناد سوى الموثقة ، وهي غير ظاهرة الدلالة ، أو على ما إذا لم يغلب على الحاسّتين جمعا بين الأخبار.

وعن (٥) الصدوق في المقنع ووالده : أنّها لم يذكر [ ا ] النوم في النواقض مع حصرهما للنواقض في غيره.

وروى في الفقيه موثقة سماعة ، والمرسلة المذكورة تنسب إليه جماعة من الأصحاب منهم المحقّق والعلامة القول بعدم نقضه قاعدا ما لم ينفرج بناء على ما ذكره في أوّل كتابه من ذكره الروايات التي يفتى بمضمونها.

وأنت خبير بأنّه لا يثبت بمجرد ذلك الخلاف في المسألة ؛ إذ عدم الذكر أعمّ منه ، ومجرّد ذكر الحصر مع وروده في الخبر وما علم من طريقتهم من الاقتصار على ذكر متون الأخبار ليس واضح الدلالة عليه مع ما استفيض في الأخبار من الحكم بنقضه ، وما هو معلوم من مذهبهم في الاعتماد على الأخبار.

ومجرد رواية الحديث في الفقيه لا يدلّ على حمله على إطلاقه ؛ لاحتمال البناء مع تقييدها

__________________

(١) الإستبصار ١ / ٧٩ ، ابواب ما ينقص الوضوء ، باب النوم ، ح ٥.

(٢) في ( د ) : « إذ ».

(٣) من لا يحضره الفقيه ١ / ٣٨.

(٤) من لا يحضره الفقيه ١ / ٦٣ نقلا بالمعنى.

(٥) في ( ألف ) : « من ».

٣٦٢

بما إذا لم يغلب على العقل كما هو الوجه في حمله.

وقد ذكر في (١) صحيحة زرارة الدالّة على نقضه إذا ذهب العقل ، والتعارض بينهما من العموم من وجه ، فكيف يستفاد بناؤه على ذلك الإطلاق.

هذا ، ثمّ إنّ الظاهر من أخبار الباب كون النوم بنفسه من الأحداث ، وقد صرّح به في بعضها كالصحيح : « لا ينقض الوضوء الّا حدث والنوم حدث » (٢).

وهو ظاهر الأصحاب ، ويعزى إلى بعضهم البناء على ناقضيّته من جهة احتمال طروّ الحدث. وقد يحمل عليه ترك الصدوقين بعدها في الأحداث.

ويستدل عليه بالقوي في بيان العلّة لنقضه أنّ النائم إذا غلب عليه النوم يفتح عليه كل شي‌ء واسترخى ، فكان أغلب الاشياء ممّا يخرج منه الريح موجب عليه الوضوء لهذه العلّة.

وروايتي (٣) الكناني في الخفقة في الصلاة أنّه « إن لم يحفظ حدثا فعليه الوضوء (٤) وإن استيقن عدمه فلا وضوء عليه ».

وفيه : أنّ الرواية الأولى إنّما اشتملت على بيان الحكمة في ذلك وليس بيانا للعلّة المطردة كما يظهر من ملاحظة باقى العلل المذكورة فيها ، والأخيرة ضعيفة متروكة بين الأصحاب.

ويمكن حملها على الاستحباب بعد حمل الخفقة على غير النوم الغالب كما يشعر به الرواية.

وبالجملة ، لا يقاوم ظاهر هذين الخبرين ما مرّ من الأخبار الظاهرة فيما ذكرناه مع تأيّدها بظاهر المذهب.

__________________

(١) في ( د ) : « فيه ».

(٢) الإستبصار ١ / ٧٩ ، باب النوم ، ح ٤.

(٣) في ( د ) : « رواية ».

(٤) الإستبصار ١ / ٨٠ ، باب النوم ، ح ٨.

٣٦٣

تبصرة

[ في إلحاق ما يزيل العقل بالنوم ]

المعروف من المذهب إلحاق الإغماء والسكر والجنون وغيرها ممّا يزيل العقل بالنوم مع إبطاله الإحساس كما في الأوّل أو عدمه كما في الأخيرين.

وفي المنتهى (١) : لا نعرف فيه خلافا بين أهل العلم.

وفي المدارك (٢) : أنّه مجمع عليه بين الأصحاب.

واستدلّ عليه في المشارق بالإجماع.

وفي البحار (٣) : أنّ اكثر الأصحاب نقلوا الإجماع على كون الإغماء وما في حكمه ناقضا.

وحكى الشيخ في التهذيب (٤) إجماع المسلمين على نقض المرض المانع من الذكر.

والظاهر أنّه أراد به الإغماء ونحوه الحاصل بسبب المرض.

ويدلّ عليه مضافا إلى الإجماعات المنقولة ما رواه في الدعائم مرسلا عن الصادق عليه‌السلام عن آبائه عليهم‌السلام « أنّ المرء إذا توضّأ صلّى بوضوئه ذلك ما شاء من الصلاة ما لم يحدث أو ينم أو يجامع أو يغم عليه » (٥).

وضعفها منجبر بعمل الأصحاب لكن لا يثبت بها سوى حكم الإغماء الذي هو أخو النوم في إبطال الإحساس.

__________________

(١) منتهى المطلب ١ / ٣١.

(٢) مدارك الأحكام ١ / ١٤٩.

(٣) بحار الأنوار ٧٧ / ٢١٥.

(٤) تهذيب الأحكام ١ / ٥.

(٥) دعائم الإسلام ١ / ١٠١.

٣٦٤

وربّما يفهم حكمه من أخبار النوم أيضا ؛ إذ هو بحكمه.

وفي القيود المذكورة فيه من الغلبة على العقل أو السمع أو البصر إشارة إليه.

وقد يستدل عليه بصحيحة معمر بن خلاد الوارد (١) (٢) في العليل الذي « لا يقدر على الاضطجاع والوضوء يشدّ (٣) عليه فربّما اعتفى (٤) وهو قاعد أنّه إذا أخفى عليه (٥) الصوت فقد وجب عليه الوضوء » (٦) بحمل الاعتفاء (٧) على الاغماء.

وقد وجّه ذلك بعض الأفاضل بوجوه ضعيفة لا يمرّ بنا في (٨) صرف اللفظ إليه ، فهي كما ترى صريحة في إرادة النوم.

نعم ، يمكن أن يستدل بتعليق الحكم فيه على خفاء الصوت دوران الحكم معه لإشعاره بالعلّية ، فيجرى إذن في الإغماء ونحوه.

ويستفاد ذلك أيضا من التعليل المذكور في نقض النوم في القوي المتقدم ، فبملاحظة جميع ما ذكرنا لا تأمل في حكم الإغماء وما في حكمه ممّا يبطل به الشعور بالمرة.

وأمّا السكر والجنون ونحوهما ممّا يخفى معه الشعور فلا مستند له من الأخبار ، والدليل عليه منحصر في الإجماع المنقول والمحصّل إن ثبت.

وقد يظهر من المقنعة والتهذيب وغيرهما اختصاص الحكم بما يزيل الشعور.

وما ادّعاه من الإجماع في التهذيب مخصوص به ، ولذا تأمّل فيه بعض المتأخرين.

__________________

(١) كذا ، والأظهر : « الواردة ».

(٢) في ( د ) : « الواردة ».

(٣) في ( د ) : « يشتدّ ».

(٤) في ( د ) : « أغفى ».

(٥) في ( د ) : « خفى عنه » بدل « أخفى عليه ».

(٦) تهذيب الأحكام ١ / ٩ ، باب الاحداث الموجبة للطهارة ، ح ١٤ ، نقلا بالمعنى.

(٧) في ( د ) : « الإغفاء ».

(٨) في ( د ) : « ينافي » ، بدل « بنافي ».

٣٦٥

تبصرة

[ في الاستحاضة القليلة ]

من أسباب الوضوء الاستحاضة (١) القليلة ، وهي التي لا يثقب الكرسف على المشهور من (٢) الأصحاب.

وعن الناصريات والخلاف حكاية الإجماع عليه.

وفي التذكرة : ذهب إليه علماؤنا سوى ابن (٣) عقيل.

وحكاية الشهرة عليه مستفيضة في كلماتهم ، ذكره في المنتهى والذخيرة والحدائق وغيرها.

وأسنده في كشف اللثام إلى المعظم.

وعن العماني القول بعدم كونه سببا ولا ناقضا.

وعن الإسكافي القول بسببيته للغسل في اليوم والليلة مرّة.

وقضية ذلك نقضه الوضوء في الجملة وعدم سببيّته له مطلقا بناء على مذهبه في الغسل من سقوط الوضوء معه.

لنا (٤) بعد الإجماع : الصحاح المستفيضة المؤيّدة بعمل الأصحاب :

منها : « تصلّى كلّ صلاة بوضوء ما لم ينفذ الدم » (٥).

__________________

(١) في ( ألف ) : « استحاضة ».

(٢) في ( د ) : « بين ».

(٣) زيادة في ( د ) : « أبي ».

(٤) في ( ألف ) : « لما ».

(٥) تهذيب الأحكام ١ / ١٦٩ ، باب حكم الحيض والاستحاضة ، ح ٥٥.

٣٦٦

ومنها : « إن كان الدم لا يثقب الكرسف توضّأت ودخلت المسجد وصلّت كلّ صلاة بوضوء » (١).

وفي رواية عليّ جعفر ، عن أخيه عليه‌السلام : « فإن رأت صفرة بعد غسلها فلا غسل عليها ، يجزيها الوضوء عند كلّ صلاة » (٢).

واحتجّ للعماني في المختلف بصحيحة عبد الله بن سنان الحاكمة بوجوب الثلاثة للمستحاضة من دون ذكر للوضوء ، فدلّت على عدم وجوبه.

وهي كما ترى إن دلّت (٣) على ذلك ، فإنّما تدلّ على عدم وجوبه مع الأغسال ، وهي مسألة أخرى فلا ربط لها بالمدّعى.

ويمكن أن يستدل له بالأصل والعمومات الحاصرة لأسباب الوضوء في أمور ليست منها ، ورواية اسماعيل الجعفي الواردة في الحائض التي استمر بها الدم بعد أيام الاستظهار أنها : « تغتسل وتحتشي فلا تزال تصلي بذلك الغسل حتى يظهر الدم على الكرسف ، فإذا ظهر أعادت الغسل .. » (٤) الخبر.

فترك ذكر الوضوء في شأنها في مقام بيان حكمها شاهد على عدم وجوبه عليها.

ويدفعه أنّ الأصل والعمومات لا تعارض ( الأدلّة الخاصّة. والرواية المذكورة إن سلّم ظهورها فيما ادّعي فلا تعارض ) (٥) النصوص الدالّة عليه.

وحجة الإسكافي فيما حكي (٦) إطلاق موثقة سماعة : « إن لم يجز الدم الكرسف فعليها الغسل كلّ يوم مرّة » (٧).

__________________

(١) الكافي ٣١ / ٨٩ ، باب جامع في الحائض والمستحاضة ، ح ٢.

(٢) وسائل الشيعة ٢ / ٢٨٠ ، باب ان الصفرة والكدرة في أيام الحيض حيض ، ح ٧.

(٣) كرّرت لفظة « دلّت » في النسخ.

(٤) تهذيب الأحكام ١ / ١٧١ ، باب حكم الحيض والاستحاضة ، ح ٦٠ ، مع إختلاف يسير.

(٥) ما بين الهلالين زيدت من ( د ).

(٦) في ( ألف ) و ( د ) : « حكي من ».

(٧) تهذيب الأحكام ١ / ١٧٠ ، باب حكم الحيض والاستحاضة ، ح ٥٧.

٣٦٧

وفيه : أن إطلاقه مقيّد بما مرّ من الصحاح. مضافا إلى اشتماله على وجوب الوضوء معه لكلّ صلاة ، ولا يقول به بل في آخرها ما يدلّ على إرادة المثقبة حيث قال : « هذا إذا كان (١) عبيطا وإن كان صفرة فعليها الوضوء » فالاحتجاج (٢) بها على المشهور أولى.

قلت : الأولى أن يحتج له بصحيحة زرارة : « إن لم يجز الدم الكرسف صلّت بغسل واحد » (٣).

وقد يستدل أيضا بصحيحة عبد الرحمن ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « واستدخلت (٤) كرسفا فإن ظهر عن الكرسف فلتغتسل » (٥).

ورواية إسماعيل الجعفي الماضية.

وفيه : أنّها مقيّدة بما عرفت. على أن ظاهر الخبرين الأخيرين الظهور من الجانب الآخر ، فلا يوافق المدّعى.

ثمّ إنّه يجري حكم القليلة في المتوسطة والكثيرة بالنسبة إلى غير الصلاة الّتي يغتسل لها ، أمّا الأولى فلم نقف على مخالف فيه ، ويدلّ عليه موثقة سماعة الماضية وهي كالصريحة في ذلك.

وأمّا الثانية فكذلك أيضا عند جماعة من الأصحاب منهم الشيخ في الجمل والحلي والعلّامة والشهيدان وأكثر المتأخرين.

وفي المختلف : أنه المشهور.

وعزاه في المدارك إلى عامة المتأخرين.

وفي التذكرة (٦) : لا يجمع المستحاضة بين صلاتين بوضوء واحد عند علمائنا.

وعن جماعة من القدماء منهم ابنا بابويه والمفيد والشيخ عدم ثبوت الوضوء كذلك.

__________________

(١) زيادة في ( د ) : « دما ».

(٢) في ( ألف ) : « بالاحتجاج ».

(٣) الكافي ٣ / ٩٩ ، باب النفساء ، ح ٤.

(٤) في ( د ) : « ولتستدخل ».

(٥) تهذيب الأحكام ٥ / ٤٠٠ ، باب من الزيادت في فقه الحج ، ح ٣٦.

(٦) تذكرة الفقهاء ١ / ٢٨٥.

٣٦٨

وقد بالغ المحقق في المعتبر وتلميذه الآبي في نفي هذا القول حتّى أنّهما ذكرا أنّه لم يذهب إليه أحد من طائفتنا ، واستثنى منه الآبي ظاهر عبارة الجمل.

ويدلّ على الأوّل ما رواه في الدعائم (١) عنهم عليهم‌السلام من أنّها « تحشّى (٢) بخرقة أو قطن ، وتتوضأ لكلّ صلاة ، ويحل لزوجها ، وعليها أن تغتسل لكلّ صلاتين ».

وضعفه منجبر بالشهرة بين المتأخرين مع الاعتضاد بالاحتياط ، وتحصيل اليقين بالفراغ.

وعدم ذكر الوضوء في أكثر أخبار الباب ليس بتلك المكانة من الظهور في عدم الوجوب لينهض حجة في مقابلة ما ذكرناه.

كيف ، وقد ترك فيها ذكر الوضوء من رأس مع أنّه لا ينبغي التأمّل في ثبوت الوضوء مع الغسل كما سيجي‌ء إن شاء الله.

__________________

(١) دعائم الإسلام ١ / ١٢٨ مع اختلاف.

(٢) في ( د ) : « تحتشى ».

٣٦٩

تبصرة

[ في حصر النواقض بما ذكر ]

المعروف بين الأصحاب عدم وجوب الوضوء لشي‌ء غير المذكورات.

وفي التذكرة والنهاية : أنه مذهب علمائنا أجمع.

ويدلّ عليه عدّة من الأخبار المصرّحة بحصر النواقض.

وهناك أمور وقع الخلاف فيها سنشير إليها.

ثمّ إنّه لا يحكم ( بنقض شي‌ء من الأمور المذكورة إلّا مع اليقين بحصوله فلو شك في النوم أو خروجه أحد المذكورات أو ظنّ به لم يحكم ) (١) بالنقض بلا خلاف بين الأصحاب.

ويدل عليه النصوص المستفيضة.

وفي الموثق التحذير عن إعادة الوضوء مع عدم اليقين بالحدث ، ولو شك في تسمية الخارج بأحد الاسمين لم ينقض ما لم يعلم (٢) أنّه بول أو غائط ، ولو خرج المأكول بحاله لم ينقض ما لم يسمّ غائطا أو يستصحب معه.

وكذا لو خرج منه الدود أو الحصاة أو حب القرع أو نحو ذلك. ولو شك في استصحاب الغائط فيها بنى على الأصل.

وعن الإسكافي أنّ الخارج من السبيلين لذلك (٣) في خلوّه من النجاسة أوجب الطهارة. وهو ضعيف.

وكأنّه لعموم « إلّا ما خرج من طرفيك ».

__________________

(١) ما بين الهلالين زيدت من ( د ).

(٢) لم ترد في ( ب ) : « يعلم أنّه .. لم ينقض ما لم ».

(٣) كذا ، والظاهر : « كذلك ».

٣٧٠

ولو تخايل له شي‌ء ولم يعلم أنّه ينام أو حديث (١) لم يحكم بالنقض. وكذا لو تحقق أنّه رؤيا على الأقوى.

وحكم في التذكرة إذن بالنقض. وكأنّه لدعوى الملازمة بين الرؤيا والنوم الغالب.

وفيه منع ظاهر كما يحكم به الوجدان.

وقد استثني من القاعدة المذكورة البلل المشتبه الخارج من الرجل بعد البول قبل الاستبراء على المعروف من المذهب. ونفى عنه الخلاف في السرائر.

وفي كشف اللثام (٢) : أنّه اتفاقي.

وفي الذخيرة (٣) : الظاهر أنّه لا خلاف فيه بين الأصحاب.

ويدلّ عليه بعد ذلك المعتبرة المستفيضة منطوقا والمستفيضة الأخرى مفهوما منها الصحيح : « إن كان بال ثمّ اغتسل ثمّ وجد بللا فليس ينقض غسله ، ولكن عليه الوضوء » (٤).

ونحوه صحيحة أخرى.

وفي الموثق : « وإن كان بال بعد جماعه قبل الغسل فليتوضّأ » (٥).

وفي الصحيح بعد ذكر الاستبراء : « فإن خرج بعد ذلك شي‌ء فليس من البول ، ولكنه من الحبائل » (٦).

وفي صحيحة أخرى : « ينتره ثلاثا ثمّ إن سال حتى يبلغ الساق فلا يبالي » (٧).

وأمّا ما في الصحيح عن رجل بال ثمّ توضّأ وقام إلى الصلاة فوجد بللا ، قال : « فلا

__________________

(١) زيادة في ( د ) : « للنفس ».

(٢) كشف اللثام ١ / ٢٢٠.

(٣) ذخيرة المعاد ١ / ٢٠.

(٤) الإستبصار ١ / ١١٩ ، باب وجوب الاستبراء من الجنابة بالبول قبل الغسل ، ح (٤٠٢) ٤.

(٥) تهذيب الأحكام ١ / ١٤٤ ، باب حكم الجماعة وصفه الطهارة منها ح ٩٩.

(٦) تهذيب الأحكام ١ / ٢٨ ، باب آداب الأحداث الموجبة للطهارت ، ح ١٠ ولفظه « الحبائل » من المصدر ، والموجود في النسخ : « التأمل ».

(٧) تهذيب الأحكام ١ / ٢٧ ، باب آداب الاحداث الموجبة للطهارت ، ح ٩.

٣٧١

يتوضأ إنّما ذلك من الحبائل » (١).

وفي الأخرى : « كلّ شي‌ء خرج منك بعد الوضوء فإنّه من الحبائل » (٢) فمحمولتان على ما إذا كان بعد الاستبراء ؛ جمعا بين الأخبار المفصّلة كما عرفت. مضافا إلى اعتضاد ذلك بالشهرة العظيمة القريبة من الإجماع.

وذهب بعض المحقّقين من فضلاء البحرين إلى عدم انتقاض (٣) الطهارة به ، وهو ظاهر المشارق.

وفي البحار : (٤) : لا يبعد القول بالاستحباب من حيث الجمع بين الأخبار. وأنت خبير بأنّ حمل تلك الأخبار على المذي حمل بلا جامع ، وما ذكرناه هو الأولى من حيث الجمع أيضا.

هذا والحكم بالانتفاض بما ذكر ظاهري من جهة الحكم بكونه بولا ، فليس المشتبه ناقضا مستقلا ليعارضه ما دلّ على حصر النواقض كما ظنّ.

فلو تيقّن عدم كونه بولا بعد سبكه فيه لم يقض بالنقض على ظاهر ما نسب إلى الأصحاب كما ستعرف ، وإن جرى عليه حكم الحدث قبله.

ولا فرق بين الشكّ في كون الخارج بولا أو الظنّ بخلافه ، فما لم يتبيّن عدم كونه بولا لا (٥) يحكم بالنقض ، ولا فرق بين (٦) ما إذا كان الاشتباه بعد الاستعلام أو قبله مع امتناعه أو امكانه على تأمّل في الأخير. ويحمل القول بوجوبه حينئذ إذا انتقل حكمه إلى التيمّم.

ثمّ إن الأخبار الواردة في نقض الخارج قبل الاستبراء مطلقة تعمّ صورة الاشتباه والعلم بالحال ، وحكي عن الأصحاب تقييده بما إذا لم يعلم عدم بوليّته ، فقد نفى الخلاف عنه إذن في المشارق وحكى الإجماع عليه أيضا.

__________________

(١) الكافي ٣ / ١٩ ، باب الاستبراء من البول وغسله ، ح ٢.

(٢) علل الشرائع ١ / ٢٩٦.

(٣) في ( ألف ) : « انتقاض ».

(٤) بحار الأنوار ٧٨ / ٧٠.

(٥) لم ترد في ( د ) : « لا ».

(٦) لم ترد في ( ب ) زيادة : « الشكّ في كون ... ولا فرق بين ».

٣٧٢

وقد نصّ في المدارك والذخيرة والبحار بالإجماع على عدم وجوب الغسل إذا علم كون الخارج بعده بولا. ومن الظاهر اتحاد المسألتين وورود الأخبار فيهما على نحو سواء.

وكأنّ الوجه فيه ما هو ظاهر من أن الحكم بنقضه إنّما هو من جهة بوليّته أو منويّته ، فلا يتعقل الحكم في صورة العلم بخلافه ، فلا بدّ من تقييد الأخبار به.

قلت : ويحتمل أن يكون المبنى في إطلاق الأخبار على احتمال ممازجة شي‌ء منهما للخارج قبل الاستبراء ، وهو ممّا لا يمكن العلم بخلافه في العادات ، فلذا أطلق الحكم بالنقض فيها.

وحينئذ فلا وجه لتقييد الإطلاقات إلّا أن يحمل كلامهم على فرض حصول العلم.

وهو كما ترى فرض محض لا يليق بالذكر ، فالظاهر أنّهم لم يعتنوا بالاحتمال المذكور أو بنوا على عدم ترتّب حكمه عليه من جهة استهلاكه لغيره.

وكلا الوجهين محلّ بحث إلّا أن يقال : إنّ المنساق من البلل في المقام هو المشتبه أو المعلوم مضافا إلى الإجماعات المنقولة الكاشفة عن فهمهم ذلك ، وتقييده بالمشتبه في جملة من العبارات ، فيكون الثابت خروجه من الأصل المذكور ما كان نفس البلل مشتبها لا ما احتمل من وجود جزء مستهلك فيه ، فيكون ذلك مندرجا تحت القاعدة الحاكمة بعدم نقض اليقين بالشك. والمقام لا يخلو من إبهام ، والعمل فيه بالاحتياط أولى وإن كان الحكم بعدم النقض (١) فيه أقوى.

وهل يحكم إذن بنجاسة المشتبه الخارج أو يبنى فيه على اصالة الطهارة وجهان ؛ ظاهرهم البناء على الأوّل.

وفي الحدائق (٢) : الظاهر من كلامهم أنّه لا خلاف في وجوب غسله ، وهذا هو الأقوى لموثقة سماعة : « إن كان بال قبل أن يغتسل فلا يعيد غسله ، ولكن يتوضّى ويستنجى » (٣).

__________________

(١) في ( ب ) : « نقض اليقين » ، بدل « النقض ».

(٢) الحدائق الناضرة ٢ / ٦٢.

(٣) الكافي ٣ / ٤٩ ، باب الرجل والمرأة يغتسلان من الجنابة ، ح ٤.

٣٧٣

ومن الغريب ما أورد في الحدائق (١) على ذلك من أن مقتضى ما قرّروه في مسألة الإناءين عدم التنجس هنا أيضا مع اندراج هذا البلل في كلّية « كلّ شي‌ء طاهر حتى تعلم أنّه قذر » مع عدم المخصّص ، وعدم ملازمة الحكم بالنقض للنجاسة ، فحكمهم بوجوب غسل الملاقى هنا مناف لما ذكروه هناك.

وبنى وجوب الاجتناب هنا على ما قرّره هناك من إعطاء الشارع للمشتبه (٢) بالحرام أو النجس مع الانحصار حكمها.

وأنت خبير بما بين المقامين من البون البعيد ، وليس حكمهم بالنجاسة هنا من جهة الاشتباه بل لفهمهم ذلك من الروايات ؛ إذ قد عرفت دلالة النصّ عليه ، فاستناده إلى حكاية الاشتباه المحصور في المقام مع فساده من أصله لا وجه له ؛ لدوران الأمر في المقام بين كون الخارج من فرد النجس أو الطاهر من غير دوران الأمر بين الفردين الخارجين.

وحينئذ فلا خلاف لأحد في البناء على الطهارة لو لا قيام الدليل على خلافها.

ثمّ إنّ الحكم المذكور يختص بالرجال ؛ لاختصاص الأدلّة فيهم ، فالبلل المشتبه الخارج منهنّ لا حكم له ؛ إذ لا دليل على اشتراكهم للرجال في ذلك.

وفي جريان الحكم في الخنثى المشكل أو المحكوم بأنوثيّته خصوصا مع اعتياد خروج البول من ذكره وجهان.

وقضية الأصل البناء على عدم الانتقاض إلّا أنّ الحال في المشكل لا يخلو عن إشكال.

ولو خرج البول من منفذ آخر لم يجر فيه الحكم المذكور قطعا سواء كان مع اعتياده أو لا ، ولو قطع بعض ذكره جرى في الباقي حكم الاستبراء.

ولو قطع من أصله فإن قلنا بالبدء في الاستبراء من المقعدة جرى الحكم المذكور ، وإلّا ففيه وجهان.

__________________

(١) الحدائق الناضرة ٢ / ٦٢.

(٢) في ( ب ) زيادة : « الخارج ».

٣٧٤

تبصرة

[ في النواقض المحتملة ]

قد وقع خلاف من شاذّ من الأصحاب في نقض أمور لا بدّ من التنبيه عليها :

منها : المذي ، وهو ما يخرج من الذكر عند الملاعبة أو التقبيل. كذا حكي عن جماعة من أهل اللغة ، ويساعده العرف أيضا.

وفي رواية أنّه « ما يخرج من ملاعبة المرأة » ، والظاهر أنّ ذكر الملاعبة والتقبيل من قبيل المثال ، والمقصود أنّه الخارج بسبب الشهوة سواء كانت من أحدهما أو من النظر أو التخيّل أو غيرهما.

وفي مرسلة ابن رباط : « أنّه يخرج من الشهوة » (١).

والمعروف من المذهب عدم انتقاض الوضوء بل الظاهر انعقاد الإجماع عليه سوى ما يعزى إلى الإسكافي من القول بنقضه إذا كان عقيب الشهوة ، فتوضّأ (٢) للصحيح : « إن كان من شهوة نقض » (٣).

وفي القوي : « ما كانت لشهوة فتوضأ منه ».

وفي الخبر : « أحد لك حدّا فقال : إن خرج منك على شهوة فتوضأ وإن خرج منك على غير ذلك فليس عليك فيه وضوء » (٤).

__________________

(١) الإستبصار ١ / ٩٣ ، باب حكم المذي والوذي ، ح ١١.

(٢) لم ترد في ( د ) : « فتوضّأ ».

(٣) الإستبصار ١ / ٩٣ ، باب حكم المذى والوذي ، ح ٨.

(٤) الإستبصار ١ / ٩٣ ، باب حكم المذي والوذي ، ح ٧.

٣٧٥

وربّما يعزى إلى الشيخ في التهذيب القول بنقضه إذا خرج عن الشهوة (١) كان كثيرا خارجا عن المعتاد ، لكن كلامه هناك ليس صريحا في قوله به ، وفيما ذكره احتمالا في الجمع بين الأخبار.

ويدفعه الأخبار الحاصرة للنواقض في غيره ، والمعتبرة المستفيضة المشتملة على الصحاح وغيرها الصريحة في عدم ثبوت الوضوء في مذي (٢) المعتضدة بعمل الأصحاب ، والشهرة العظيمة القريبة من الإجماع.

مضافا إلى مخالفتها للجمهور ؛ لاطباقهم ـ على ما حكي ـ على النقض ، فحمل تلك الأخبار كما دلّ على ثبوت الوضوء فيه مطلقا ولو من غير شهوة على التقية أو الاستحباب معيّن (٣).

ويدلّ على الأخير صحيحة ابن بزيع : سألته عن المذي ، فأمرني بالوضوء ثمّ أعدت عليه سنة أخرى فأمرني بالوضوء ، ثمّ (٤) أعدته منه .. إلى أن قال : قلت : فإن لم أتوضّأ » ، قال : « لا بأس » (٥) لظهوره في إرادة الاستحباب.

والقول بأنّ الأخبار الأوّلة مطلقة وهذه مقيّدة فليحمل عليها كما في كلام بعض الأجلاء ، ولذا جعل المسألة محلّا للتردّد ليس على ما ينبغي ؛ لما عرفت.

وإخراجه تلك الأخبار في الإطلاق مضافا إلى أن الغالب في المذي ما يكون الشهوة بل هو المعين (٦) فيه كما عرفت من تحديده ، فكيف حمل (٧) الإطلاقات على الفرد النادر إن ثبت التعميم ، مضافا إلى القوي الناصّ على عدم وجوب الوضوء للمذي من الشهوة.

__________________

(١) زيادة في ( د ) : « و ».

(٢) كذا ، والظاهر : « المذى ».

(٣) في ( د ) : « متعيّن ».

(٤) لم يرد في ( د ) : « ثمّ أعدته ».

(٥) الإستبصار ١ / ٩٢ ، باب حكم المذي والوذي ، ح ٥.

(٦) في ( د ) : « المتعيّن ».

(٧) في ( د ) : « يحمل ».

٣٧٦

وفي مرسلة ابن رباط بعد تفسيره بما مرّ أنّه « لا شي‌ء فيه ».

واستشكل بعض الأفاضل في التفصيل الوارد في تلك الأخبار حيث إنّها صريحة في أنّ المذي نوعان ، مع أنّ الذي يعطيه كلام أهل اللغة وغيرهم وظاهر المرسلة الماضية خلافه.

قلت : الظاهر أن مقصود أهل اللغة أنّ الشهوة هي المحرّكة لخروج المذي سواء كان خروجه عقيبها أو بعد مدة ، فيمكن أن يحمل التفصيل على خروجه عقيب الشهوة بلا فاصلة طويلة أو معها ، ولذا عبّر عنه الإسكافي بالخروج عقيب الشهوة أو أنّ كلامهم مبنيّ على الغالب ، وهذه الروايات مسوقة لبيان حكم الغالب وغيره.

والأوّل أظهر ؛ إذ خروج المذي مع عدم تحريك الشهوة إن كان ففي غاية الندرة ، ويبعد معها ورود حكمه في الأخبار خصوصا مع عدم سبق السؤال عن خصوصه.

ومن الغريب ما أورده في البحار (١) على الإسكافي من أنّ تفصيله لا معنى له ، ولا يطابق كلام اللغويين ولا صريح الخبر ، وكأنّه غفل عن الأخبار المذكورة ، فكلّما يوجّه به تلك الأخبار يتوجّه به في كلامه أيضا.

ومنها : التقبيل عن الشهوة إذا كان محرّما ؛ فعن الإسكافي : من قبّل بشهوة الجماع ولده في المحرّم نقض الطهارة ؛ والاحتياط إذا كان في محلّ إعادة الوضوء لرواية أبي بصير : « إذا قبّل الرجل المرأة من شهوة أو لمس فرجها أعاد الوضوء » (٢).

وهي محمولة على الاستحباب والتقيّة للصحاح المستفيضة الدالّة على عدم نقض القبلة.

ومنها : مسّ باطن الفرجين ففي الفقيه : إن مسّ الرجل باطن دبره أو باطن إحليله فعليه أن يعيد الوضوء. وقال الإسكافي : في المسّ باطن الفرجين من الغير ناقض للطهارة من المحلّل والمحرّم.

وعنه أيضا : من مسّ ما انضمّ عليه الثقبتان نقض وضوءه (٣).

__________________

(١) بحار الأنوار ٧٧ / ٢١٨.

(٢) تهذيب الأحكام ١ / ٢٢ ؛ الإستبصار ١ / ٨٨.

(٣) من لا يحضره الفقيه ١ / ٦٥.

٣٧٧

حجة الصدوق موثقة عمّار : عن الرجل يتوضّأ ثمّ يمسّ باطن دبره ، قال : « ينقض وضوءه وإن مسّ باطن إحليله فعليه أن يعيد الوضوء ، وإن كان في الصلاة قطع الصلاة ويتوضأ ويعيد الصلاة » (١).

وهي لا تقاوم ما مرّ من الأدلّة ، فلتحمل على التقيّة أو على الاستحباب فيما عدا الفقرة الأخيرة. وحجة الإسكافي إطلاق الرواية (٢) المقدمة ، وهي مردودة من وجوه شتّى.

وفي المعتبرة المستفيضة دلالة على بطلان ما ذكراه.

ومنها : مسّ ظهر الفرج من المحرّم إذا كان عن شهوة ؛ فعن الإسكافي أيضا نقض الطهارة (٣).

ولم نعرف مستنده سوى إطلاق مسّ الفرج في الرواية السابقة.

ومنها : فتح الإحليل ، فعن الصدوق (٤) : إن فتح احليله أعاد الوضوء والصلاة ؛ لما في آخر الموثقة المذكورة : « إن فتح احليله أعاد الوضوء والصلاة ».

ومنها : القهقهة في الصلاة متعمّدا ؛ فعن الإسكافي : من قهقه في الصلاة متعمّدا لنظر أو سماع ما أضحكه قطع صلاته وأعاد وضوءه لتعمد الضحك في الصلاة.

وفي موثقة سماعة : من نواقض الوضوء.

ويدفعه مضافا إلى ما مرّ الصحيح : « القهقهة لا تنقض الوضوء وتنقض الصلاة » (٥).

ومنها : الحقنة ؛ وذهب الاسكافي أيضا إلى نقضها ، ولم نعرف مستنده.

وفي الصحيح ، عن الرجل : هل يصلح له أن يستدخل الدواء ثمّ يصلّي وهو معه ، أينقض الوضوء؟ قال : « لا ينقض الوضوء ولا يصلّي حتّى يطرحه » (٦).

__________________

(١) تهذيب الأحكام ١ / ٤٥ ، باب آداب الأحداث الموجبة للطهارة ، ح ٦٦.

(٢) في نسخة ( ب ) : « الروايات ».

(٣) زيادة في ( د ) : « به ».

(٤) من لا يحضره الفقيه ١ / ٦٥.

(٥) الكافي ٣ / ٣٦٤ ، باب ما يقطع الصلاة من الضحك والحدث ، ح ٦.

(٦) قرب الإسناد : ١٨٩.

٣٧٨

تبصرة

[ في الأسباب النادبة للوضوء ]

الأسباب النادبة للوضوء أمور :

منها : المذي لما عرفت.

ولا يبعد القول بالبناء على الاستحباب في جميع الأمور المذكورة خروجا عن الخلاف ، ولورود النصّ في كثير منها.

ومنها : الودي بالمهملة ؛ للصحيح : « والودي فيه الوضوء لأنّه يخرج من بعد البول » (١).

ومنها : القرقرة في البطن إلا شي‌ء تصبر عليه (٢) ؛ لرواية سماعة.

ومنها : الرعاف والقي‌ء والتخليل يسيل ( به الدم مع حصول الاستكراه فيها ؛

لموثقة الحذّاء : « الرعاف والقي‌ء والتخليل يسيل ) (٣) الدم إن استكرهت شيئا ينقض الوضوء وإن لم تستكرهه لم ينقض » (٤).

وفي الحسن : « رأيت أبي صلوات الله وسلامه عليه وقد رعف بعد ما توضّأ دما سائلا فتوضّأ (٥).

وربّما يحمل على حصول الاستكراه.

ومنها : الظلم والكذب وإكثار الشعر الباطل ؛ لموثقة سماعة ، وقد سأله عن نشيد الشعر

__________________

(١) الإستبصار ١ / ٩٤ ، باب حكم الوذي والمذي ، ح ١٢ وفيه : يخرج من دريرة البول.

(٢) الإستبصار ١ / ٨٣ ، باب القي‌ء ، ح ٤.

(٣) ما بين الهلالين لم ترد إلا في ( د ).

(٤) الإستبصار ١ / ٨٣ باب القي‌ء ح ٥.

(٥) الإستبصار ١ / ٨٥ باب الرعاف ح ٥.

٣٧٩

الباطل ، هل ينقض الوضوء أو ظلم الرجل صاحبه أو الكذب؟ فقال : « نعم لا أن يكون شعرا يصدق فيه أو يكون يسيرا من الشعر الأبيات الثلاثة أو الأربعة ، فأمّا أن يكثر الشعر الباطل فهو ينقض الوضوء » (١).

ويستفاد من استثناء الصدق من الشعر عدم جريان الحكم في الأشعار المشتملة على التواريخ والحكايات ونحوها إذا لم يكن كذبا. وقد يستفاد من مقابلة الباطل لما يصدق فيه تخصيصه بما فيه الكذب إلّا أنّ الأظهر تعميمه لسائر الأباطيل كهجو المؤمن والتشبيب بالمؤمنة المعروفة ونحوهما.

ومنها : البلل المشتبه الخارج بعد الاستبراء ؛ للمكاتبة : هل يجب الوضوء ممّا خرج من الذكر بعد الاستبراء؟ فكتب : « نعم » (٢).

ومنها : الغضب ؛ لقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله « إذا غضب أحدكم فليتوضّأ » (٣).

وفي تعميم الحكم لما كان منه لله تعالى وجهان.

ومنها : مصافحة المجوسي ؛ للخبر : أيتوضأ إذا صافحه؟ قال : « نعم إن مصافحتهم تنقض الوضوء » (٤).

وحمله على إرادة غسل اليد بعيد.

ومنها : نسيان الاستنجاء من البول قبل الوضوء ؛ للمعتبرة المستفيضة. وفي بعضها إعادة الصلاة أيضا.

وقد ورد في المعتبرة المستفيضة أيضا المنع عن إعادة الوضوء حينئذ. فربّما يظهر منها انتفاء الاستحباب أيضا إلّا أنّ الأظهر خلافه ؛ لورودها في مقام توهّم الوجوب فلا يفيد سوى رفعه.

__________________

(١) الإستبصار ١ / ٨٧ ، باب انشاد الشعر ، ح ٢ ، وفيه : « عن نشد الشعر ».

(٢) الإستبصار ١ / ٤٩ ، باب وجوب الاستبراء قبل الاستنجاء من البول ح ١٣٨.

(٣) الدعوات : ٥٢.

(٤) تهذيب الأحكام ١ / ٣٤٧ ، باب الأحداث الموجبة للطهارة ، ح ١٢ ، وفيه : « إذا صافحهم قال ».

٣٨٠