تبصرة الفقهاء - ج ١

الشيخ محمد تقي الرازي النجفي الاصفهاني

تبصرة الفقهاء - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمد تقي الرازي النجفي الاصفهاني


المحقق: السيد صادق الحسيني الإشكوري
الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الذخائر الإسلامية
المطبعة: مطبعة الكوثر
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-988-000-6
ISBN الدورة:
978-964-988-003-7

الصفحات: ٥٢٨

أخرى : بال أبو عبد الله عليه‌السلام وأنا قائم على رأسه (١) ، فلمّا انقطع خشب (٢) البول قال بيده إليّ هكذا فناولته [ بالماء ] فتوضّأ مكانه » (٣).

ثم إنّ كلام الأصحاب وظواهر الأخبار اختلاف في كيفيّة الاستبراء ، فذهب المفيد (٤) إلى الاكتفاء فيه بأربع مسحات حيث اعتبر المسح باصبعه الوسطى تحت أنثييه إلى أصل القضيب مرّتين أو ثلاثا ووضع مسحته تحت القضيب وإبهامه فوقه وإمرارها عليه باعتماد قوي من أصله إلى رأس الحشفة مرّتين أو ثلاثا.

وعن السيد (٥) أنّه نتر الذكر من أصله إلى طرفه ثلاث مرّات. وحكى ذلك عن الاسكافي أيضا.

وعن الصدوق في الهداية (٦) والغنية (٧) أنّه المسح باصبعه من عند مقعده إلى الأنثيين ونتر ذكره ثلاثا.

ونحوه ما في الوسيلة (٨) إلّا أنّه اعتبر النتر بكونه بين الإبهام والسبابة.

وعن الشيخ في المبسوط (٩) والنهاية (١٠) أنه مسح ما بين المقعدة والأنثيين ثلاثا ، ومسح القضيب ونتره ثلاثا.

وهو يرجع إلى كلام الصدوق إن جعل قوله « ونتره ثلاثا » بيانا للمسح وإلّا رجع إلى

__________________

(١) في الكافي هنا زيادة : « ومعي إداوة أو قال كوز ».

(٢) في النسخ المخطوطة : « سحت » ، وما أدرجناه من الكافي المطبوع.

(٣) الكافي ٣ / ٢١ ، باب الاستبراء من البول وغسله ، ح ٨.

(٤) المقنعة : ٤٠.

(٥) نقله عنه في منتهى المطلب ١ / ٢٥٥.

(٦) الهداية : ٧٦.

(٧) غنية النزوع : ٣٧.

(٨) الوسيلة ٤٧.

(٩) المبسوط ١ / ١٧.

(١٠) النهاية ١ / ١٠.

٤٢١

اعتبار التسع كما في الشرائع (١) والمنتهى (٢) والقواعد (٣) والروض (٤) وغيرها حيث اعتبر فيها المسح من المقعدة إلى أصل القضيب ، ثمّ مسح القضيب ثلاثا ثمّ نتره ثلاثا.

وقال في السرائر (٥) انّه المسح باصبعه من عند مخرج النجو إلى أصل القضيب ثلاثا ثمّ يمرّ إصبعه على القضيب ويخرطه ثلاثا.

ويجزي فيه الوجهان المذكوران ، والأظهر فيه الأوّل وجرى (٦) إليه القول بكونه نتر القضيب من أصله إلى رأسه من غير اعتبار عدد ولا شي‌ء زائد.

وفي الدروس (٧) : أنه المسح من المقعدة إلى أصل القضيب ثمّ إلى رأسه ثمّ عصر الحشفة ثلاثا.

وفي البيان (٨) والروضة (٩) : أنّه مسح ما بين المقعدة وأصل القضيب ثلاثا ثمّ عصر الحشفة ثلاثا.

فهذه أقوال ستّة أو سبعة.

وأمّا الأخبار الواردة في بيانه :

فمنها : صحيحة حفص بن البختري : « ينتره ثلاثا ثمّ إن سال حتّى يبلغ الساق فلا يبالي » (١٠).

__________________

(١) شرائع الإسلام ١ / ٢٣.

(٢) منتهى المطلب ١ / ٤٢.

(٣) قواعد الأحكام ١ / ١٨٠.

(٤) روض الجنان : ٢٥.

(٥) السرائر ١ / ٩٦.

(٦) في ( د ) : « عزى ».

(٧) الدروس ١ / ٨٩.

(٨) البيان : ٦.

(٩) الروضة البهية ١ / ٣٤١.

(١٠) الإستبصار ١ / ٤٩ ، باب وجوب الاستبراء قبل الاستنجاء من البول ، ح (١٣٦) ١.

٤٢٢

ومنها : صحيحة ابن مسلم : « يعصر أصل ذكره إلى طرفه » (١) كما في الكافي (٢).

و « إلى ذكره » كما في التهذيب (٣) وإلى رأس ذكره كما في الاستبصار (٤) : « ثلاث عصرات ونتر طرفه فإن خرج بعد ذلك شي‌ء فليس من البول ». ورواه الحلي في مستطرفات السرائر (٥) عن كتاب حريز ، عن الصادق عليه‌السلام.

ومنها : حسنة عبد الملك بن عمرو : « إذا بال فخرط ما بين المقعدة والأنثيين ثلاث مرّات وغمز ما بينهما ثمّ استنجى ، فإن سال حتّى يبلغ الساق فلا يبال » (٦).

ومنها : ما رواه الراوندي بإسناده عن موسى بن إسماعيل بن موسى عليه‌السلام ، عن أبيه ، عن جده عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « من بال فليضع إصبعه الوسطى في أصل العجان ثمّ يسلّها ثلاثا » (٧).

ومنها : ما رواه أيضا بإسناده المذكور (٨) عنه عليه‌السلام قال : « كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا بال نتر ذكره ثلاث مرّات » (٩).

فهذه الأخبار كما ترى مختلفة ، ولا يوافق ظاهر شي‌ء منها شيئا من الأحوال المذكورة سوى الصحيحة الأولى والرواية الأخيرة ، فإنّهما منطبقان على مذهب السيد. وبهما يتقوّى القول المذكور كما قوّاه جماعة من المتأخرين مع اعتضاده بما دفعه للأصل.

وقد يستدلّ على اعتبار (١٠) التسع بالجمع بين الأخبار المذكورة.

__________________

(١) الكافي ٣ / ١٩ ، باب الاستبراء من البول وغسله ، ح ١.

(٢) في ( ب ) : « المدارك ».

(٣) تهذيب الأحكام ١ / ٢٨ ، باب آداب الأحداث الموجبة للطهارات ، ح ١٠.

(٤) الإستبصار ١ / ٤٩ ، باب وجوب الاستبراء ، قبل الاستنجاء من البول ، ح (١٣٧) ٢.

(٥) السرائر ٣ / ٥٨٧.

(٦) الإستبصار ١ / ٩٤ ، باب حكم المذي والوذي ، ح ١٣ مع اختلاف.

(٧) كتاب النوادر : ١٨٩.

(٨) لم ترد في ( ب ) : « عنه عليه‌السلام .. المذكورة ».

(٩) كتاب النوادر : ٢٣٠.

(١٠) في ( ألف ) : « اعتباره ».

٤٢٣

ولا يخفى ضعفه.

نعم ، لا ريب في كونه أحوط وأبلغ في الاستظهار ، ولا يبعد القول بجواز كلّ من الوجوه المذكورة في الأخبار المعتبرة ، بل يمكن أن يقال : إنّ المستفاد من اختلاف الأخبار هو أنّ المناط حصول الاطمئنان بعدم بقاء شي‌ء (١) في الممرّ ، فبأيّ نحو حصل من الوجوه المذكورة كفى.

وعلى هذا فيحتمل الاكتفاء بغير ذلك ممّا يوجب الطمأنينة بذلك ككثرة المشي ونحوها ، فيجري عليها حكم الاستبراء.

ثمّ إنّ الظاهر على القول باعتبار المسحات فيه استيعاب المسح بالنسبة إلى مجرى البول ، فلا يعتبر فيه مسح جميع ظاهر الجلد في وجه قويّ.

هذا ، والمعروف ثبوت حكم الاستبراء في خصوص الرجل.

وعن العلامة : أنّها تستبرئ عرضا ، وهو خروج عن مدلول النصّ ، فإن سلّم استحبابه لما فيه من مراعاة الاحتياط ، فلا تأمّل في عدم جريان حكمها من بعض الطهارة بالبلل المشتبه الخارج به أو قبله.

وهل يجري ذلك في الخنثى؟ وجهان يجريان في غير المشكل أيضا. والأقوى فيه العدم.

__________________

(١) زيادة في ( د ) : « من البول ».

٤٢٤

تبصرة

[ في مكروهات التخلّي ]

يكره للمتخلّي أمور :

منها : استقبال جرمي الشمس والقمر بالقبل والدبر حال البول والغائط ؛ لقوله عليه‌السلام في الحسن : « لا يبولنّ أحدكم وفرجه باد للقمر يستقبل به » (١).

وقوله عليه‌السلام في الخبر : « نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يستقبل الرجل الشمس والقمر بفرجه وهو يبول » (٢).

وفي حديث المناهي : « نهى أن يبول الرجل وفرجه باد للشمس أو للقمر » (٣).

وهذه الأخبار الثلاثة دالّة على حكم خصوص الاستقبال في البول ، وكأنّه لذا اقتصر الشيخ في جملة من كتبه وغيره على ذلك. وفي مرسلة الفقيه في حدّ الغائط : « لا يستقبل الهلال ولا يستدبره » (٤).

وفي مرسلة الكافي المذكورة في حدّ الغائط أيضا : « لا يستقبل الشمس ولا القمر » (٥).

وهاتان تدلّان على حكم الغائط إلّا أنّهما لا تدلّان على حكم الاستدبار سوى استدبار الهلال. وقد يراد بالاستقبال فيها الاستدبار ، فيكون المتروك حكم الاستقبال في الغائط.

وكيف كان ، فالأظهر شمول الحكم للصورتين كما يجي‌ء بيانه.

__________________

(١) تهذيب الأحكام ١ / ٣٥ ، باب آداب الأحداث الموجبة للطهارات ، ح ٣١.

(٢) تهذيب الأحكام ١ / ٣٤ ، باب آداب الأحداث الموجبة للطهارات ، ح ٣٠.

(٣) من لا يحضره الفقيه ٤ / ٤ ، باب ذكر جهل من مناهي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ح ٤٩٦٨.

(٤) من لا يحضره الفقيه ١ / ٢٦ ، باب المياه وطهرها ونجاستها ، ح ٤٨.

(٥) الكافي ٣ / ١٥ ، باب الموضع الذي يكره أن يتغوط فيه أو يبال ، ح ٣.

٤٢٥

ثمّ إنّ قضيّة الأخبار المذكورة هو التحريم ؛ لظاهر النهي إلّا أنّه محمول على الكراهة ؛ لفهم جمهور الأصحاب منها ذلك (١) ، ولخلوّ الأخبار المذكورة في حدّ الغائط عنه الظاهرة في عدم حرمته ، ولضعف كثير منها ، فلا تنهض حجّة على الحرمة.

فظهر بذلك ضعف ما عزي إلى المفيد من تحريم استقبال النيّرين بالفرج حال البول والغائط ، وما حكي عن الديلمي من النهي عن استقبال النيّرين في البول إن حمل على الحرمة ، وما ذكره محمّد بن ابراهيم بن هاشم من قدماء الأصحاب من عدم جواز استقبالها (٢) « بقبل ولا دبر » (٣) معلّلا بأنّهما آيتان من آيات الله تعالى.

وما عزي إلى الصدوق من تحريم الجلوس للبول والغائط مستقبل الهلال أو مستدبره (٤) يحتمل ذلك تحريم كلّ من الأمرين على كلّ من الحالين وتحريم الاستقبال حال البول والاستدبار عند الغائط.

وينبغي أمور :

أحدها : المدار في الاستقبال على نفس الفرج دون البدن ؛ لظاهر جملة من الأخبار المذكورة.

وهو ظاهر الشرائع (٥) والمنتهى (٦) والقواعد (٧) وغيرها ممّا قيّد فيه الاستقبال بكونه بالفرج.

__________________

(١) زيادة في ( ب ) : « ضعف ما عزا إلى المفيد من تحريم استقبال المفسرين بالفرج » ، والعبارة مرتبطة لما بعدها كما يستجي‌ء.

(٢) في ( د ) : « استقبالهما ».

(٣) بحار الأنوار ٧٧ / ١٩٤ ، باب آداب الخلاء ح ٥٣.

(٤) في ( ألف ) : « واستدبره ».

(٥) شرائع الإسلام ١ / ١٥.

(٦) منتهى المطلب ١ / ٢٤٢.

(٧) قواعد الأحكام ١ / ١٨٠.

٤٢٦

وفي كشف اللثام (١) : اقتصر الأكثر على ذكر الاستقبال بالفرج.

وأطلق الاستقبال في الإرشاد (٢) والدروس (٣) والبيان (٤) واللمعة (٥).

وظاهره يعطي أنّه كالقبلة يراعى فيه البدن ، ويمكن حمله على الأوّل.

وفي كلام بعض المتأخرين نفي البعد عن كراهته (٦) أيضا.

وكأنه لإطلاق الروايتين الأخيرتين مع ادّعاء عدم دلالة الأخبار الاخر على نفي الكراهة عن الاستقبال بغير الفرج.

وفيه ما لا يخفى.

والّذي يتقوّى في النظر اختصاص الحكم في البول بالاستقبال بخصوص الفرج ؛ لنصّ الأخبار المذكورة ، وأمّا في الغائط فظاهر الخبرين اعتبار استقبال الشخص ، مضافا إلى أنّ الغالب عدم حصول استقبال الفرج هناك فيقيّد الإطلاق به في غاية البعد.

ثانيها : ظاهر جماعة من الأصحاب منهم المحقّق في الشرائع (٧) والعلّامة (٨) في غير واحد من كتبه والشهيد في الدروس (٩) واللمعة (١٠) اختصاص الكراهة بالاستقبال حال البول والاستدبار حال الغائط ، فلا يمكن (١١) عكسه.

__________________

(١) كشف اللثام ١ / ٢٣.

(٢) إرشاد الأذهان ١ / ٢٢١.

(٣) الدروس ١ / ٨٨.

(٤) البيان : ٦.

(٥) اللمعة الدمشقية : ١٧.

(٦) في ( ألف ) : « كراهة ».

(٧) شرائع الإسلام ١٠ / ١٤.

(٨) تحرير الأحكام ١ / ٦٢ ، وتذكرة الفقهاء ١ / ١١٩.

(٩) الدروس : ٨٩.

(١٠) اللمعة الدمشقية : ١٧.

(١١) في ( د ) : « يكره ».

٤٢٧

وبه نصّ في نهاية الإحكام (١) والمدارك (٢). ولا يبعد القول بعموم الكراهة للحالين حال [ البول و ] الغائط ؛ لعدم التفاوت في النسبة ظاهر [ ا ].

ولظاهر مرسلة الصدوق المتقدمة ، وثبوتها بالنسبة إلى الهلال قاض بثبوتها في القمر.

ويستفاد منه الحكم في الشمس أيضا.

وأمّا في البول فالظاهر اختصاص الكراهة فيه بالاستعمال ؛ لظاهر النصوص المذكورة وعدم قيام شاهد بالتعميم.

وربّما يستدلّ عليه بمساواته الاستقبال في الاحترام. وفيه منع ظاهر.

ثالثها : المراد بالاستقبال هنا ظهوره مقابل أحد النيّرين ؛ لظاهر الأخبار المذكورة ، فلا عبرة هنا بالجهة ، فلو حصل بينهما حاجب من غيم أو جدار أو يد أو ثوب أو غير ذلك ارتفعت الكراهية.

وبه نصّ في المنتهى (٣) والروض (٤) والمدارك (٥) وغيرها. وكأنّه الظاهر من الباقين ؛ لظهور الاستقبال فيه في المقام.

رابعها : لا فرق في الحكم بين ظهور تمام القرص وبعضه كما عند طلوعه أو غروبه وكمال وضوحه وعدمه كما عند الغيم الخفيف أو الحاجب الغير الساتر بعينه وإضاءته وعدمها كما في القمر نهارا.

والأظهر اعتبار رؤيته ، فلو استقبل الشمس والقمر في المحاق لم يلزم منه استقباله.

وكذا لا فرق بين أمارته وكسوفه كلّا أو بعضا إلّا أنّه عند كسوف الشمس يكون الاستقبال للقمر ، كذا في الروض.

__________________

(١) نهاية الإحكام ١ / ٨٢.

(٢) مدارك الأحكام ١ / ١٧٨.

(٣) منتهى المطلب ١ / ٢٤٢.

(٤) روض الجنان : ٢٦.

(٥) مدارك الأحكام ١ / ١٧٨.

٤٢٨

وفيه تأمّل لا يخفى.

وعليه فيكون الاستقبال لهما مع كون الكسوف جزئيا. ويظهر الثمرة في ذلك أيضا في النذر ونحوه.

خامسها : في أكثر الأخبار والفتاوى إناطة الحكم باستقبال الفرج ، ففي انسحاب الحكم إلى كلّ مخرج للبول والغائط ولو كان عارضيا وجه.

ولا يبعد اعتبار الاعتياد في الحاصل بالعارض ، أمّا المجبوب فالظاهر أنّ حكمه حكم غيره.

سادسها : لا فرق في الحكم المذكور بين الرجل والمرأة. وهو ظاهر الأصحاب وإن كان مورد الأخبار خصوص الرجل.

وفي جريان الحكم في الصبيّ والصبيّة وجه قويّ ، فيكره لغيرهما استقباله بهما كذلك حال أحد الأمرين ، والله العالم.

ومنها : استقبال الريح واستدبارها حال البول والغائط ؛ لقوله عليه‌السلام في رواية الخصال (١) : « ولا يستقبل ببوله الريح ».

وقول الحسن عليه‌السلام في مرفوعة عبد الحميد بعد السؤال عن حدّ الغائط : « لا تستقبل الريح ولا تستدبرها » (٢).

ونحوه مرفوعة محمّد بن يحيى العطّار ، عن أبي الحسن عليه‌السلام (٣).

ورواه في المقنع (٤) مرسلا عن الرضا عليه‌السلام.

وكأنّ المراد بالغائط هنا ما يعمّ البول على نحو ما ذكروا في الآية ، فالمقصود بيان حال التخلّي أو خصّ بالذكر من جهة ملازمته للبول ، والأكثر اقتصروا على ذكر استقبال الريح ، فلم

__________________

(١) الخصال : ٦١٤.

(٢) الإستبصار ١ / ٤٧ ، باب استقبال القبلة واستدبارها عند البول والغائط ، ح (١٣١) ٢.

(٣) الكافي ٣ / ١٥ ، باب الموضع الذي يكره أيتغوط فيه أو يبال ، ح ٣.

(٤) المقنع : ٢٠.

٤٢٩

يذكروا الاستدبار.

وإما لجمود الحكم بالغائط. وكأنّهم نظروا إلى رواية الخصال أو إلى ما علّلوه به من خوف الترشّش مع ما ورد من الحثّ على التوقّي من البول.

وأطلق الشهيد في الدروس واللمعة كراهة استقبالها حال التخلّي ، فيعمّ كلا الحالتين.

ونصّ في الأخير على كراهة الاستدبار أيضا.

ونصّ في الروض على عدم الفرق بينهما. وصرّح في الروضة بكلا التعميمين.

وهو الأقوى ؛ لما عرفت.

ورواية الخصال والعلّة المذكوران لا تدلّان على انتفاء الكراهة في غير الصورة المفروضة ، مع أنّه يحتمل أن يكون العلّة احترام الريح من جهة الملك المصاحب لها كما ذكره بعض القدماء (١) ؛ تعليلا للحكم المذكور.

ومن العجب غفلة صاحب الحدائق عن الرواية المذكورة ، فتعجب من الجماعة حيث خصّوا الكراهة بالبول معلّلين بخوف الردّ والاستقبال مع اختصاص الرواية بالغائط من دون التعليل واشتمالها على الاستدبار.

ومنها : الجلوس في الشوارع ، وهي الطرق النافذة والمشارع ، وهي موارد المياه كشطوط الأنهار ، ونحوها رءوس الآبار وظل النزّال.

والمراد به الظلّ المعدّ لنزول القوافل كظلالة الجدران والأشجار المعدّة لذلك ومواضع اللعن. وفسّرت في الصحيح بأبواب الدور (٢). ولعلّه محمول على المثال ، فيعم المذكورات وغيرها ممّا يوجب إيذاء الناس كالمواضع المتّسعة أمام المساجد.

وأطلق لفظ « الأفنية » في القواعد (٣) والدروس (٤) ، وصرّح بالتعميم لأفنية المساجد ؛

__________________

(١) في ( د ) : « قدماء الأصحاب » بدل : « القدماء ».

(٢) الكافي ٣ / ١٥ ، باب مواضع الذي يكره أن يتغوط فيه أو يبال ح ٢.

(٣) قواعد الأحكام ١ / ١٨١.

(٤) الدروس ١ / ٨٩.

٤٣٠

( والدور والبساتين. وفي كشف اللثام (١) : وكأنّه للدخول في مواضع اللعن وإلّا فالموجود في الرواية هو أفنية المساجد ) (٢) كلّ ذلك للروايات.

ولا يبعد اختصاص الكراهة بما إذا كانت الأماكن المذكورة على الإباحة ، وأمّا إذا كانت وقفا فلا تأمّل في الحرمة إذا استضرّ به الموقوف عليهم كما في الأغلب. ولو كانت ملكا حرم التصرف فيه من دون إذن المالك.

وهل يكره ذلك للمالك؟ وجهان ؛ أقواهما ذلك مع جعلها موردا للوارد ، فلو كان النّهر في ملكه المحصور قوي انتفاء الكراهة.

وعن النهاية (٣) : أنّه لا يجوز التغوّط على شطوط الأنهار والطرق النافذة وأبواب الدور وفي‌ء النزّال.

وعن المقنعة (٤) : عدم جوازه على المشارع والشوارع والأفنية ومنازل النزّال.

فإن حملت على ظاهرها من المنع فمستندها بعض النواهي الدالّة على المنع ، وهي محمولة على الكراهة كما يرشد به سياقها ، مضافا إلى فهم الأصحاب.

ولو اختصّ نزول القوافل فيها بوقت مخصوص ففي ثبوت الكراهة في غيره وجهان ؛ من عدم إضرارهم ، ومن الإطلاق وتضرّرهم بتنجّس المحلّ إن علموا بالحال أو لم يعلموا به في وجه.

ثمّ في ثبوت الكراهة في ذلك كلّه في المواضع الّتي لا يتردّد فيها المسلمون وجهان.

ومنها : التخلّي على القبور ـ وبينها ؛ للصحيح : « من تخلّى على قبر .. » إلى أن قال : « فأصابه شي‌ء من الشيطان لم يدعه إلّا أن يشاء الله وأسرع ما يكون الشيطان إلى الانسان

__________________

(١) كشف اللثام ١ / ٢٣٢.

(٢) ما بين الهلالين لم ترد إلّا في ( ب ).

(٣) النهاية : ١٠.

(٤) المقنعة : ٤١.

٤٣١

وهو على بعض هذه الحالات » (١).

والخبرين : « ثلاثة يتخوف منها الجنون .. » وعدّ منها التغوّط بين القبور.

وفي استفادة كراهة البول من ذلك إشكال.

هذا إذا كان في محلّ مباح ، وأمّا إذا كان في المملوك فلا تأمّل في المنع.

والظاهر ثبوت الكراهة إذن للمالك أو لمن أذن له.

ولو كان في التخلّي فيها هتك للمذهب حرم قطعا ، بل ربّما أوجب كفر الفاعل كقبور من يجب احترام قبورهم من الشهداء والعلماء والزهّاد وأهل الفضل والصلاح ممّن له مزيد اعتناء عند أهل الإسلام.

والظاهر ثبوت الكراهة بالنسبة إلى قبور الكفّار أيضا ، لإطلاق الروايات وإنّ الحكمة فيه عدم عود الضرر إلى الفاعل كما هو ظاهر الأخبار لا مراعاة حال الميّت.

ولو تخلّى على القبر في أبنية ، ففي ثبوت الكراهة وجهان : أقواهما العدم لخروجه عن مدلول الأخبار.

وهل يسقط الكراهة مع اندراس الميّت وجهان ؛ أقواهما بقاء الكراهة إلّا إذا خرج عن اسم القبر.

ولا فرق بين قبور البالغين والأطفال إلّا في نحو السقط ؛ للشك في شمول الإطلاق سيّما إذا لم تلجه الروح ، وإذا كان مدفنا لبعض الإنسان أو عظامه تبع لصدق اسم القبر.

ومنها : التخلّي تحت النخيل والأشجار المثمرة ؛ للأخبار المستفيضة ، وهي محمولة على الكراهة كما يظهر من سياقها ، ولخلوّ الأخبار الواردة في حدّ الغائط عنه.

وعن الصدوق (٢) والمفيد (٣) الحكم بعدم الجواز.

وهو ضعيف.

__________________

(١) الكافي ٦ / ٥٣٣ ، باب كراية أن يبيت الإنسان وحدة والخصال المنهي ح ٢.

(٢) المقنع : ٨.

(٣) المقنعة : ٤١.

٤٣٢

والمدار في الأثمار مسمّاه.

وفي جريان الحكم لكلّ ذوات الأحمال ممّا يؤكل حملها ممّا لم يعد ثمرة كالسمّاق وجهان.

ثمّ إنّ الموجود في عدة أخبار إطلاق الشجرة المثمرة ، وذكر في بعضها مساقط الثمار ، وعن جماعة من الأصحاب حمله على ما شأنه الإثمار وإن لم تكن مثمرة بالفعل ؛ معلّلا بعدم اشتراط بقاء المبدأ في صدق المشتقّ.

وفيه : أنّ ذلك لو سلّم فهو أخصّ من المطلوب ؛ إذ بناء المسألة على ذلك يقتضي اعتبار حصول لفظ الثمرة الإثمار منه ولو مرّة ، واعتبار الثانية أعمّ منه ، فلا يتمّ التعليل إلّا أن يختصّ المدّعى بذلك أيضا.

وقد يعلّل بأنّ المتبادر من لفظ الثمرة عرفا هو ذلك ، فلا يبتني المسألة على صدق المشتقّ مع زوال المبدأ إلّا أنّ ما ذكر محلّ منع.

مضافا إلى دلالة غير واحد من الأخبار على اعتبار وجود الثمرة فيها كرواية الخصال : « وكره أن يحدث الرجل تحت شجرة قد أينعت أو نخلة قد أينعت أي أثمرت » (١).

ورواية العلل : « إنّما نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يضرب أحد من المسلمين خلاءه تحت شجرة أو نخلة قد اثمرت لمكان الملائكة الموكّلين بها ، قال : ولذلك يكون الشجر والنخل انسا إذا كان فيها حمله لأنّ الملائكة تحضره » (٢).

وفيه أيضا في وصيّة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي عليه‌السلام : « وكره أن يحدث الإنسان تحت شجرة أو نخلة قد أثمرت » (٣).

ففي هذه الأخبار شهادة على أنّ ذلك هو المقصود من الإطلاقات ، ولذا اختاره جماعة من المتأخرين ، ومال إليه في المدارك (٤) والذخيرة (٥).

__________________

(١) الخصال : ٥٢١ ، وليس فيه : « قد أينعت أو نخلة ».

(٢) علل الشرائع ١ / ٢٧٨.

(٣) من لا يحضره الفقيه ٤ / ٣٥٧ ، باب النوادر ح ٥٧٦٢.

(٤) مدارك الأحكام ١ / ١٧٧.

(٥) ذخيرة المعاد ١ / ٢١.

٤٣٣

ثمّ بناء على ما اخترناه لا يتوقّف الحكم على اتباع الثمرة كما قد يومي الرواية المتقدمة لإطلاق غيرها ، مضافا إلى تفسير الإتباع فيها بالإثمار ؛ إذ لا أقلّ من كون التفسير من الراوي وهو كاف فيه.

وهل يتوقّف على صدق اسم الثمرة عليه أو يكفي فيه مجرّد البروز وجهان.

ولا يبعد صدق اسم الإثمار بمجرّد ذلك وإن لم يصدق اسم الثمرة على الحمل ، أمّا مجرّد ظهور الطلع فليست إثمارا قطعا ، ولو يبست الثمرة عليها بحيث خرجت عن اسمها كأن صار الرطب تمرا والعنب زبيبا ففي بقاء الكراهة وجهان ، كان أظهرهما ذلك.

ولو تخلّى تحت الشجرة في أفنية ونحوها مما يخرجها عمّا تحتها من دون تنجيس المحلّ ففي ثبوت الكراهة وجهان ؛ أقواهما ذلك نظرا إلى العلّة المذكورة ، ولظاهر سائر الإطلاقات.

نعم ، لو علّل الحكم بعدم تنجيس الأثمار الواقعة تحت الشي‌ء أمكن القول بارتفاع الكراهة حينئذ ، لكن لا شاهد عليه.

ولو كان حاجب بين الشجرة وبينه لخباء ونحوه قوي ارتفاع الكراهة.

ومنها : البول في الماء جاريا كان أو واقفا. وفي كلام بعض الأصحاب أنّ الأوّل تورث السلس ، والثاني الحصر. وعلّل الأخير في رواية بأنّه « يورث النسيان » (٦).

وفي أخرى بأنّه « منه يكون ذهاب العقل » (٧).

والثاني أشدّ كراهة ، وهو الوجه في الجمع بين الأخبار ممّا يدلّ على إطلاق الكراهة وما يدلّ على الكراهة في خصوص الراكد ، وعلى ثبوته في خصوص الجاري وعلى عدمها فيه ، وعلى التفصيل بين القسمين كالصحيح : « لا بأس أن يبول الرجل في الماء الجاري وكره أن يبول في الراكد » (٨).

__________________

(٦) من لا يحضره الفقيه ١ / ٢٢ ، باب المياه وطهرها ونجاستها ، ح ٣٥.

(٧) من لا يحضره الفقيه ٤ / ٤ ، باب ذكر من جمل من مناهي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ح ٤٩٦٨.

(٨) تهذيب الأحكام ١ / ٣١ ، باب آداب الأحداث الموجبة للطهارات ح ٢٠.

٤٣٤

وقد ذهب الصدوقان (١) ـ في ظاهر كلامهما ـ إلى التفصيل إلّا أنّ ظاهرهما المنع في الراكد ، وهو ظاهر المفيد في المقنعة (٢) إلّا أنّه وافق الأكثر في كراهته في الجارى.

وقد يرجع قولهم بالمنع في الراكد إلى المشهور.

وظاهر البحار (٣) توقّفه في الكراهة بالنسبة إلى الجاري ، بل ربّما يظهر منه الميل إلى نفيها ، قال : وظاهر كثير من الأخبار عدم الكراهة.

ويضعفه دلالة غير واحد من النصوص على كراهيته بالخصوص كرواية الخصال عن أمير المؤمنين عليه‌السلام : « ولا يبولنّ في ماء جار ، فإن فعل ذلك فأصابه شي‌ء فلا يلومنّ إلّا نفسه فإنّ للماء أهلا » (٤).

ومرسلة مسمع : « نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يبول الرجل في الماء الجاري إلّا من ضرورة » (٥).

مضافا إلى تأيّدها بالإطلاقات وإطلاق كثير من الأصحاب ، فيحمل ما عارضهما على إرادة خفّة الكراهة ، بل كثير ممّا عارضهما ليس بصريح في انتفاء الكراهة.

والمراد بالجاري هنا هو الجاري من المادّة أو مطلق النابع على الخلاف أو المقصود مطلق الجريان ، أقواهما الأخير.

فالنابع الواقف ملحق بالراكد ؛ لظواهر الأخبار في المقام.

ولو بال خارجا عن الماء فجرى إليه ففي ثبوت الكراهة وجهان ؛ أقواهما ذلك لظاهر التعليل.

ومنه يجي‌ء احتمال ثبوت الكراهة في صبّ البول في الماء.

__________________

(١) الهداية : ٧٤.

(٢) المقنعة : ٤١.

(٣) بحار الأنوار ٧٧ / ١٦٩.

(٤) الخصال : ٦١٣.

(٥) الإستبصار ١ / ١٣ ، باب البول في الماء الجاري ، ح ٥٢٥.

٤٣٥

وقضية التعليل إن بني عليه كراهة صبّه على البول أيضا.

ومنه ينقدح احتمال كراهة في اجراء المياه إلى الميضات ؛ لإخراج ما فيها من القذارات كما هو المعتاد في بعض البلاد إلّا أنّ الحكم بالكراهة في ذلك كلّه لا يخلو عن إشكال.

وكيف كان ، فلا تأمّل في عدم الكراهة في الاستنجاء في الميضات بل وصبّ الماء فيها للتطهير ، وأمّا البول فيها مع اجتماع الغسالات فيها فالظاهر أنّه لا مانع منه أيضا ؛ لجريان السيرة عليه ، ولأن الغرض (١) عدم تلويث الماء بتلك القذارة ، وهي حاصلة فيه.

ومنه ينقدح احتمال زوال الكراهة بالنسبة إلى المياه والقذرة المصاحبة للنجاسات إلّا أنّ البناء على الإطلاق فيها أولى.

ولو امتزج البول بالدم بحيث خرج عن اسم البول ففي ثبوت الكراهة فيه أيضا وجهان : أقواهما ذلك نظرا إلى العلّة المذكورة.

ثمّ إنّه ذكر في نهاية الإحكام (٢) أنّ البول في الماء في الليل أشدّ ؛ لما قيل من أنّ الماء في الليل للجنّ فلا يبال فيه ولا يغتسل ؛ حذرا من أصابتهم ، فإن عني به شدّة الكراهة فلم نعثر عليه في الأخبار وكراهة الاغتسال فيه إن بني على إطلاقه فهو مخالف لسائر إطلاقاتهم ، بل لم نعثر على قائل به.

هذا ، وفي جريان الحكم إلى الغائط وجهان ؛ من اختصاص النصوص بالبول ، ومن استفادته من التعليل أو من طريق الاولويّة كما قيل.

وهو الأظهر ، وعزي إلى الشيخين والأكثر.

ويدلّ عليه ـ بعد ما ذكر ـ مرسلة الدعائم عنهم عليهم‌السلام : « إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : البول في الماء القائم من الجفاء ونهى عنه وعن الغائط فيه وفي النهر » (٣).

__________________

(١) قد تقرأ في ( ألف ) : « الفرض ».

(٢) نهاية الإحكام ١ / ٨٣.

(٣) دعائم الإسلام ١ / ١٠٤.

٤٣٦

وعن المفيد (١) المنع منه في الجاري والراكد.

وعن الديلمي نهيه عن ذلك فيها. ويشهد لهما المرسلة المذكورة.

ومنها : البول قائماً ، وفي البحار (٢) أنّه لا خلاف في كراهته.

ويدلّ عليه عدّة أخبار كالقوي : « البول قائما من غير علّة من الجفاء » (٣).

والصحيح العادلة من الأحوال الّتي إذا « أصاب صاحبه شي‌ء من الشيطان لم يدعه إلّا أن يشاء الله ، قال عليه‌السلام : وأسرع ما يكون الشيطان إلى الإنسان وهو على بعض هذه الأحوال » (٤).

وكذا الحال في التغوّط ؛ لرواية الخصال في وصية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي عليه‌السلام : « وكره أن يحدث الرجل وهو قائم » (٥).

ولا فرق بين ما إذا خاف من ترشّش البول عليه وعدمه وما إذا كان على حالة يفضي إلى الاحتراز عنه أو لا.

وفي نهاية الإحكام (٦) : إنّ الأقرب أنّ العلّة هي التوقّي من البول ، فلو كان في (٧) حال لم يقتصر إلى الاحتراز عنه كالحمّام زالت الكراهة.

وهو بعيد ؛ إذ ما ذكره استنباط محض لا شاهد عليه ، بل نصّ الرواية المذكورة دافعة له.

وفي مرسلة ابن أبي عمير (٨) نفي البأس فيه حال النورة ، فقد يؤذن بتخصيص الحكم به.

ونحوه حسنة أخرى.

__________________

(١) المقنعة : ٤١ ، قال في ماء الجاري : واجتنابه أفضل.

(٢) بحار الأنوار ٧٧ / ١٧٤.

(٣) الخصال : ٥٤.

(٤) الكافي ٦ / ٥٣٣ ، باب كراهية أن يبيت الإنسان وحده والخصال المنهي ، ح ٢ مع اختلاف.

(٥) لم نجده في الخصال ، انظر : من لا يحضره الفقيه ٤ / ٣٥٧ ، باب النوادر ، ح ٥٧٦٢ ، والذي في الخصال : ٥٢١ أنه : « كره البول على شط نهر جاري ، وكره أن يحدث الرجل تحت شجرة قد أينعت يعني أثمرت ، وكره أن يتنعّل الرجل وهو قائم .. ».

(٦) نهاية الإحكام ١ / ٨٣.

(٧) زيادة « في » من ( د ).

(٨) زيادة في ( د ) : « الصحيحة ».

٤٣٧

وكأنّه لتضرّره حينئذ بالجلوس كما في مرسلة الفقيه من أن « من جلس وهو متنوّر خيف عليه من الفتق » (١) ، فلا يبعد تقييد الإطلاقات بهما.

وقد يحملان على الرخصة وتخفيف الكراهة حينئذ ، وكأنّه لذا (٢) اطلقت الكراهة في كلام أكثر الأصحاب.

ومنها : تطميح البول في الهواء إمّا بالكون على مرتفع أو غيره ؛ للأخبار المستفيضة.

وفي بعضها التعليل بأنّ للهواء أهلا.

ولا ينافيه ما مرّ من استحباب (٣) أو [ ... ] (٤) المكان للبول كالكون على مرتفع ؛ إذ المقصود هناك التحرّز من ترشّش البول ، وهو حاصل بما دون ذلك.

وظاهر جملة من النصوص كراهة التطميح بمعنى رميه من المكان المرتفع ، والمستفاد من كلام جماعة من أهل اللغة أنّه عبارة عن رميه في الهواء.

وقد نصّ عليه في الصحاح (٥) والقاموس (٦) ، وهو أعمّ من الأوّل.

وهو المراد بناء على الأظهر ؛ لإطلاق بعض ما دلّ على كراهة التطميح ، ولا دلالة في تلك الأخبار على التخصيص. وهو الظاهر من جماعة من الأصحاب ، بل عزي إلى الأكثر.

وبه نصّ في كشف اللثام (٧).

ونصّ في البحار (٨) على إرادة الأوّل.

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه ١ / ١١٩.

(٢) في ( ألف ) : « إذا ».

(٣) كذا في ( ب ) ، ولعلّها في ألف : « انسحاب » ، قد تقرأ في ( د ) : « استنحاب » غير منقوطة إلّا في الحرف الأخير.

(٤) هنا بياض بمقدار كلمة في النسخ المخطوطة.

(٥) الصحاح ١ / ٣٨٨ ( طمح ) وفيه : « وطمح ببوله ، إذا رماه في الهواء ».

(٦) القاموس المحيط ١ / ٢٣٨ ( طمح ).

(٧) كشف اللثام ١ / ٢٢٩.

(٨) بحار الأنوار ٧٧ / ١٨٩.

٤٣٨

وقد عرفت ما فيه.

وفي جريان الحكم في البول في البلاليع العتيقة ونحوها وجهان ؛ أقواهما العدم للشكّ في دخوله في التطميح.

وفي البحار (١) أنه محلّ إشكال.

وعدم الكراهة لا يخلو من قوّة.

وفي تسرية الحكم إلى الغائط وجه ؛ نظرا إلى ظاهر العلّة المذكورة. وكأنّ الأقوى خلافه.

ومنها : البول في الصلبة كما نصّ عليه جماعة. وعزاه في البحار (٢) إلى الأصحاب.

ويدلّ عليه ما مرّ من استحباب (٣) أو [ ... ] (٤) المكان ما دلّ على التأكيد في التوقّي من البول.

ولا يذهب عليك أنّ ذلك إنّما يقتضي الكراهة مع خوف الترشّش خاصّة ، بل إذا كان على حالة يرجّح له التوقّي من النجاسة كما مرّ ؛ فإن حمل إطلاقهم عليه وإلّا فلا وجه له.

ثمّ إنّه لا مدخل في الحكم لخصوص الصلبة ، لعدم وروده في الاخبار ، وإنّما المناط ما ذكرناه من استحباب الماء والمحافظة عن البول (٥).

ومنها : البول في الحمّام ، فعن أمير المؤمنين عليه‌السلام « أنّه يورث الفقر » (٦).

ومنها : البول في جحر الحيوانات. وعلّل بعدم الأمن من جراح حيوان (٧) يلسعه ، حكي

__________________

(١) بحار الأنوار ٧٧ / ١٨٩.

(٢) بحار الأنوار ٧٧ / ١٦٨.

(٣) كذا في ( ألف ) و ( ب ) ، وفي ( د ) : « استنحاب » غير منقوطة إلّا في الحرف الأخير. وهنا سقط بعد هذه اللفظة إلى قوله : « الماء والمحافظة عن البول » في ( ب ).

(٤) هنا في النسخ المخطوطة بياض بمقدار كلمة.

(٥) في ( ب ) : « والمحافظة على عن البول »!

(٦) الخصال : ٥٠٤.

(٧) في مخطوطات الأصل : « حسران ».

٤٣٩

أنّ سعد بن قتادة (١) بال في جحر فاستلقى ميّتا فسمعت الجنّ تنوح عليه بالمدينة وتقول :

نحن قتلنا سيّد الخزرج سعد بن قتادة (٢)

ورميناه بسهمين فلم تخط فؤاده (٣)

ومنها : طول الجلوس على الخلاء ، فعن عليّ والباقر عليهما‌السلام : « انّه يورث الباسور » (٤).

وعن لقمان : « أن مولاه أطال الجلوس على الخلاء فناداه أنّ طول الجلوس على الحاجة تفجع الكبد ويورث منه الباسور ويصعد الحرارة إلى الرأس ، فاجلس هونا وقم هونا ، فكتب حكمته على باب الحش » (٥).

وكأن الكراهة مخصوصة بالجلوس على النحو المعروف كما هو ظاهر التعليل المذكور ، فلو لم يكن التقيّة من محلّ الجلوس لم يبعد ارتفاع الكراهة.

ومنها : مسّ الذكر باليمين بعد البول ؛ لمرسلة الصدوق : « إذا بال الرجل فلا يمسّ ذكره بيمينه » (٦).

ومنها : الاستنجاء باليمين ؛ للقوي نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله « أن يستنجى الرجل بيمينه » (٧).

وفي قويّة أخرى : « إنّ الاستنجاء باليمين (٨) من الجفاء » (٩).

وللفرق بين ما إذا أوجبت تلوّث اليد بالنجاسة أو لا.

ولا بين الاستنجاء بالماء أو غيره.

__________________

(١) في المصادر : « عبادة ».

(٢) في المصادر : « عبادة ».

(٣) نقل البيتين في الاستيعاب ٢ / ٥٩٩ ، تاريخ مدينة دمشق ٢٠ / ٢٦٩.

(٤) الخصال : ١٨ ، في القاموس المحيط ١ / ٢٧٢ ( بسر ) ؛ والباسور : علة معروف ، جمع : البواسير.

(٥) وسائل الشيعة ١ / ٣٣٧ ، باب كراهة طول الجلوس على الخلاء ح ٥ ، وفي المخطوطات : « الحشر » ، وما أدرجناه من الوسائل.

(٦) من لا يحضره الفقيه ١ / ٢٨ ، باب المياه وطهرها ونجاستها ، ح ٥٥.

(٧) الكافي ٣ / ١٧ ، باب القول عند دخول الخلاء وعند الخروج وعند الاستنجاء ، ح ٥.

(٨) لم ترد في ( ب ) : « باليمين .. ولا بين ».

(٩) الكافي ٣ / ١٧ ، باب القول عند دخول الخلاء وعند الخروج والاستنجاء ، ح ٧.

٤٤٠