تبصرة الفقهاء - ج ١

الشيخ محمد تقي الرازي النجفي الاصفهاني

تبصرة الفقهاء - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمد تقي الرازي النجفي الاصفهاني


المحقق: السيد صادق الحسيني الإشكوري
الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الذخائر الإسلامية
المطبعة: مطبعة الكوثر
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-988-000-6
ISBN الدورة:
978-964-988-003-7

الصفحات: ٥٢٨

ومفاد الرواية بعد وقوع السؤال عمّا يطهّرها بعد وقوع المذكورات أنّ نزح الدلاء مطهّر لها وأنّه لا يحل استعماله قبله ، فيدلّ على نجاستها بملاقاتها.

وكون الرواية بالمكاتبة مع جهالة الواسطة لا يقضي بضعفها بعد قطع الثقة (١) بتوقيع الإمام وخطّه عليه‌السلام حسبما أخبر به.

ومنها : صحيحة علي بن يقطين عن الكاظم عليه‌السلام عن البئر يقع فيها الحمامة أو الدجاجة أو الفارة أو الكلب أو الهرة؟ فقال : « يجزيك أن تنزح منها دلاء فإنّ ذلك يطهّرها إن شاء الله تعالى » (٢).

فإن حكمه بتطهيرها بنزح الدلاء حكم منه عليه‌السلام بنجاستها بملاقاة أيّ واحد من تلك النجاسات ؛ مضافا إلى ما في لفظ « الإجزاء » من الإشارة إلى عدم الاجتزاء بما سوى ذلك ، وأنّه المجزي دون ما دونه.

ومنها : صحيحة ابن أبي يعفور عن الصادق عليه‌السلام قال : « إذا أتيت البئر وأنت جنب ولم تجد دلوا ولا شيئا تغرف به ، فتيمّم بالصعيد فإنّ ربّ الماء وربّ الصعيد واحد ولا تقع على البئر ولا تفسد على القوم ماءهم » (٣).

فإنّ قضيّة قوله « لا تفسد على القوم ماءهم » أنه لو وقع في الماء أفسد. والظاهر من الإفساد التنجيس أو زوال الطهوريّة.

وأيضا أمره بالتيمّم مع وجود الماء وتمكّنه من الوصول إليه ليس الّا من جهة عدم تمكّنه من استعماله لتنجّس الماء بنزوله أو خروجه عن الطهوريّة باستعماله : إذ لو لا ذلك تعيّن عليه الغسل.

والجواب أمّا عن الاجماعات المنقولة بوجود الخلاف فيه من جماعة من المتقدمين

__________________

(١) في ( د ) : « البعد » بدل « الثقة ».

(٢) الإستبصار ١ / ٣٧ ، ح (١٠١) ٥ ؛ تهذيب الأحكام ١ / ٢٣١ ، ح ١٧.

(٣) الكافي ٣ / ٦٥ ، ح ٩ ؛ الإستبصار ١ / ١٢٧ ، ح (٤٣٥) ١ ؛ تهذيب الأحكام ١ / ١٤٩ ، ح ١١٧ ؛ وسائل الشيعة ١ / ١٧٧ ، ح ٢٢.

٢٠١

واشتهار خلافه بين المتأخرين حتى أنّه استقر المذهب عليه.

مضافا إلى معارضتها بالأخبار الصحيحة الدالّة على خلافها الراجحة عليها من وجوه شتّى.

وأمّا عن أخبار النزح فبعدم وضوح دلالتها على النجاسة بل عدم ظهورها بل وظهورها في خلافها كما لا يخفى على المتأمّل فيها حسب ما مرّت الإشارة إليه. كيف وقد حكم في بعضها بعدم لزوم غسل ما لاقاه قبل العلم بوقوع النجاسة فيها ، وورود جملة منها في ورود جملة من غير النجاسات عليها كوقوع العقرب والوزغ ونحوهما مع الاختلاف الفاحش في مقدار النزح مع اعتبار أسانيد عدّة منها.

إلى غير ذلك ممّا يظهر للمتأمّل فيها.

وفهم الجماعة منها ذلك إنّما يتمّ به قصورها في الدلالة لو لا ما يعارضه من شواهد خلافه.

مضافا إلى معارضته فهم المتقدمين بما فهمه المتأخّرون ، والشهرة من القدماء بالشهرة المتأخرة ، فيتساقطان بل لا يبعد ترجيح الثاني في المقام لدقّة أنظارهم وملاحظتهم لمعظم الوجوه المرجّحة واجتماع الآثار المرويّة عندهم.

والظاهر أنّ مستند القدماء في الفهم المذكور هو ما أشرنا إليه دون أن يكون هناك أمر آخر دعاهم إلى الحمل عليه ، وإلّا لأشير إليه ولو في كلام البعض ، ولما تنبّه المتأخرون لضعف الحمل المذكور نظرا إلى الوجوه الموهونة له عدلوا عن ذلك حتى استقرّ المذهب على خلافه.

وأمّا عن الأخبار الخاصّة (١) فبأنّها لا تكافئ الصحاح الدالّة على الطهارة المعتضدة بغيرها من الأخبار المعتبرة ؛ إذ هي أوضح استنادا وأصرح دلالة وأكثر عددا منها مع (٢) اعتضادها بالأصول المتعدّدة وسائر الوجوه المؤيّدة لها جدّا حتّى كاد (٣) أن يبلغ بها إلى درجة القطع ، وقد عرفت الحال في الشهرة المعاضدة لها.

__________________

(١) في ( ب ) لم ترد : « الخاصّة فبأنّها .. من الأخبار ».

(٢) الزيادة من ( د ).

(٣) في ( ج ) : « كان ».

٢٠٢

على أنّ شيئا (١) من الروايات المذكورة ليست بتلك المكانة من الظهور.

وأمّا صحيحة ابن بزيع فلاحتمال أن يراد بالطهارة النظافة الحاصلة بارتفاع الكراهة ، فالمراد بقوله « حتى يحل » الحل الذي لا كراهة فيه.

على أنّ الرواية غير معمول بها عند الجماعة ؛ إذ لا يقولون بالاكتفاء بنزح الدلاء الصادقة على الثلاث أو الأربع في شي‌ء من النجاسات المذكورة في السؤال.

ويجري نحو ما ذكرناه في صحيحة علي بن يقطين أيضا.

وأمّا صحيحة ابن أبي يعفور فالظاهر أنّه لا ظهور لها فيما ادّعوه ؛ إذ (٢) إفساد الماء على القوم أعمّ من تنجيسه لاحتمال أن يراد به اختباط الماء بالطين وتغيّر ريحه وطعمه.

وقد يومي إلى ذلك تعبيره عليه‌السلام بقوله « لا تقع على البئر » الظاهر في إلقاء نفسه في الماء دون دخوله فيه بالتدريج.

كيف ولو قضى ذلك بنجاسة الماء من جهة نجاسة بدنه لم يطهر به ، ولم يرتفع حدثه ، وكان ذلك حينئذ أولى بالذكر في المقام من إفساد الماء على غيره لفساده إذن بالنسبة إليه أيضا ، وعدم ترتّب الغاية المطلوب عليه.

وظاهر التعليل المذكور يومي إلى إفساد (٣) الماء على القوم دون نفسه بالنظر إلى ما هو بصدده حتّى لا يترتّب عليه ما يريده.

والظاهر أن البئر المذكور لإضراره (٤) من (٥) موارد القوم الموقوفة لأجل الشرب ونحوه أو الجارية مجرى الأوقاف فينافيه التصرف المذكور لإضراره بهم ، ولذا لزمه الانتقال إلى التيمّم ، وبمعرفة صحّة ما في الأقوال من التأمل فيما قررنا فلا حاجة إلى إبطاله (٦).

__________________

(١) في ( د ) : « سائر » بدل « شيئا من ».

(٢) في ( ج ) : « أو ».

(٣) في ( د ) : « إفساده ».

(٤) لم ترد في ( د ) : « لإضراره ».

(٥) في ( ب ) لم ترد : « من ».

(٦) في ( د ) : « إطالة القول فيها » بدل : « إبطاله ».

٢٠٣

تبصرة

[ في تطهير المياه النجسة ]

تطهر المياه كلّها بملاقاتها للماء المعصوم من الجاري بل مطلق النابع أو الواقف ، الكر أو الغيث ، فيكفي مجرّد اتصالها به إذا كانت قابلة للتطهير ، فلو كانت متغيّرة لم (١) يطهر قبل زواله فيطهر الجاري بمجرّد زوال التغيير ؛ لاتصاله (٢) بالمادّة المعتصمة ولا يحتاج إذن إلى تكاثر الماء من المادة وتدافعه إليه عليه (٣).

وما يوجد في كلام الفاضلين وغيرهما من اعتبار التكاثر أو التدافع في تطهير الجاري لا ينافي ما ذكرناه ؛ إذ المفروض هناك تغيّر الماء ، وهو ممّا لا يرتفع في مثله غالبا إلا به ، فالمطهر إذن بعد رفعه بالتكاثر هو الاتصال لتنجّس الممازج (٤) أيضا بسبب التغير ، فتأمل.

ويطهر الراكد المتنجس بالملاقاة أو التغيير بعد زواله قليلا كان أو كثيرا بالاتصال بالنابع أو الغيث أو الكر من غير حاجة إلى الامتزاج واستيلاء المطهر عليه.

ويدلّ على ما قلناه عموم ما دلّ على (٥) طهوريّة المياه لاقتضائه تطهير كلّ ما يلاقيه إلّا أن يدل دليل على اعتبار أمر زائد عليه كالتثنية (٦) في البول والتعفير في آنية الولوغ.

والتشكيك الواقع من غير واحد من المتأخرين في عموم الأدلّة الدالّة عليه إن كان في العموم المصطلح ففي محلّه ، ولا يمنع من الحجيّة ، وإلّا فلا وجه له ؛ لوضوح الإطلاق.

__________________

(١) في ( ب ) لم ترد : « لم ».

(٢) في ( ب ) : « لاتصالها ».

(٣) في ( ب ) : « إليه ولا » ، بدل « عليه وما » في ( ج ) : « إليه وما ».

(٤) في ( د ) : « الخارج ».

(٥) ليس في ( د ) : « على ».

(٦) في ( د ) : « كاعتبار التثنية » بدل : « كالتثنية ».

٢٠٤

وقوله عليه‌السلام « الماء يطهّر ولا يطهر » بعد الغضّ عن سنده إنما يراد به عدم تطهيره بغيره لقيام الإجماع على خلافه.

مضافا إلى ما فيه من التدافع بين ظاهر الصدر والعجز ، فلا بدّ من التقييد في أحد الطرفين فلا يصلح سندا للنفي.

والإجماع المذكور يرجّح الأخير مع أنه قد يقال بترجيح التجوّز في العجز عليه في الصدر.

وحينئذ يكون بإطلاقه من الشواهد على المطلوب أيضا.

فإن قلت : المفهوم من الاطلاقات اعتبار الملاقاة في التطهير ، ولانعقاد الإجماع عليه فلا يثبت منها إلّا تطهيرها لخصوص ما يلاقيها من أجزاء الماء دون غيرها من الأجزاء ، فلا يتّجه الحكم بالسراية إلى الجميع.

نعم ، ذلك إنّما يصحّ مع الامتزاج لحصول الملاقاة بالنسبة إلى الجميع.

قلت : مجرّد اتصال المائين قاض بطهر الجزء الملاقي ، فيطهر الجزء الذي يلاقيه ممّا بدا به (١) لكونه طاهرا مطلقا. وهكذا الحال في الذي يليه بالنسبة إلى ما يلاقيه إلى تمام أجزاء الماء ، فيطهر الجميع.

وبذلك يظهر الفرق بين المطلق والمضاف ؛ لعدم ثبوت الطهورية له ، فلا يسري الطهارة من الجزء الملاقي إلى ما بعده ، فلا يمكن تطهيره بمجرّد الاتصال ، ولا بالامتزاج مع عدم استهلاكه في الماء ؛ لعدم إمكان إيصال المطهّر إلى جميع أجزائه حينئذ.

ولذا ذهب الجمهور إلى عدم قبوله للطهارة ما دام على الإضافة ، فلا مدخليّة لاعتبار الامتزاج في تطهير شي‌ء من المياه لما عرفت من عدم حصول ملاقاة المطهّر لجميع الاجزاء إن قصد (٢) ذلك ، وعدم الحاجة إليه من جهة صدق ملاقاة الماء الطهور بالنسبة إلى جميع الأجزاء ؛ لحصوله بمجرّد الاتصال حسبما قرّرنا.

__________________

(١) في ( د ) : « يليه » بدل : « بدا به ».

(٢) لم ترد في ( ب ) : « إن قصد .. إلى جميع الأجزاء ».

٢٠٥

كيف ولو غضّ عمّا قلناه لزم اعتبار استهلاك الماء النجس في المعصوم على نحو المياه المضافة ليحصل التطهير ، وهو على الظاهر خلاف الإجماع ؛ إذ لا خلاف بينهم في تطهير الكرّ من الماء إذا ألقي في مثله أو ضعفه من الماء النجس مع زوال التغيير ، ولا استهلاك فيه قطعا.

ويدلّ على ما قلناه أيضا أنّه لا خلاف ظاهر في كون إلقاء الكر دفعة على الماء النجس متطهّرا (١) له ، ولو كان النجس أضعاف أضعاف الكر كما هو مقتضى إطلاقاتهم.

وقد نصّ على عدم الخلاف بينهم في ذلك في كشف اللثام.

ومن الظاهر إذن عدم حصول الممازجة بالنسبة إلى الجميع ، فيطهر بعضه بالامتزاج والباقي بالاتصال وأمّا إذا كان الاتصال مطهرا في البعض فلا مفرّ من القول به في الكلّ.

وممّا يدلّ على ذلك أيضا في خصوص الجاري وماء الحمّام إطلاق قوله عليه‌السلام في مرسلة ابن أبي يعفور : « ماء الحمّام كماء النهر ، يطهّر بعضه بعضا » من غير إشارة إلى اعتبار الامتزاج.

وبتنقيح المناط يمكن تسرية الحكم إلى سائر المياه المتّصلة بالمعصوم.

مضافا إلى أنّ الماء المتّصل بالمعصوم من الجاري والكر وغيرهما (٢) يدفع عن نفسه النجاسة لاعتصامه بها ، فيكون أيضا رافعا لاتّحاد السبب فيهما.

فاعتبار الامتزاج (٣) مطلقا كما يظهر من التذكره أو اعتباره في الكر دون الجاري كما يظهر من بعض أجلّة المتأخّرين أو مع علوّ المطهّر دون ما إذا تساوى الماء ان كما يظهر من الموجز ويقتضيه (٤) الجمع بين عبارات المنتهى والنهاية كما عرفت في بحث ماء الحمّام ؛ ضعيف لا مستند له.

إذ اعتباره إمّا لأجل ملاقاة المطهّر للنجس فقد عرفت أنّه (٥) حاصل بالنسبة إلى جميع

__________________

(١) في ( د ) : « مطهّرا ».

(٢) زيادة في ( د ) : « ممّا ».

(٣) زيادة في ( د ) : « فيهما ».

(٤) في ( د ) : « بعضه ».

(٥) زيادة في ( د ) : « غير ».

٢٠٦

الأجزاء ـ لا حقيقة ولا عرفا ـ لعدم إمكان الأوّل ، وعدم اعتبارهم للثاني ظاهر.

وإمّا لرفع الاثنينيّة بين المائين واتحادهما ففيه أنّه لا يتوقّف على الامتزاج.

وإمّا لرفع الامتياز بينهما والمغايرة في الإشارة الحسيّة ففيه أنّه لا دليل عليه ولا شاهد من نظائره يرشد إليه.

وقد يستدلّ عليه بأصالة بقاء النجاسة إلى أن يعلم المزيل ، ولا يتحقق إلّا مع الامتزاج لقيام الإجماع عليه حينئذ.

وفيه أنّ الإطلاق أيضا حجّة وهو كاف في نقض الأصل.

مضافا إلى ما عرفت. ويعزى إلى بعض الأصحاب أنّه على القول بالاكتفاء بالاتّصال في الواقف لا مفرّ أيضا من اعتبار الامتزاج في الجاري مستدلّا بحصول علوّ المطهّر أو امتزاجه هناك بخلاف الجاري ؛ لكون المنبع فيه تحت الأرض.

ولا يخفى ضعف الدليل في نفسه وأخصيّته عن الدعوى إن تمّ ؛ إذ قد يكون المنبع من مكان مرتفع أو مساو للماء ، وقد يكون التغيير في المنحدر عن المنبع بكثير وكان ذلك شاهد على تخصيص الدعوى بصورة علوّ النجس على المادّة كما حكي عن بعض المتأخرين.

وقد يظهر من الروض أيضا ؛ لاعتباره علوّ المطهّر ففيه كما سيأتي من عدم الدليل على اعتبار ذلك.

وهل يعتبر فيه علوّ المطهّر أو مساواته مطلقا أو في غير النابع أو لا يعتبر ذلك مطلقا؟

وجوه ؛ أقواها عدم الاشتراط لما عرفت من عموم (١) الدليل بالنسبة إلى جميع الأقسام.

واعتبار الورود في المطهّر على ما اعتبر في تطهير غير الماء فانّما هو في غير المعتصم وإلّا فلا فرق بين الورودين في غيره قطعا.

وظاهر الروض اعتبار علوّ المطهّر خاصّة فلا طهر مع المساواة أو علو النجس ، وظاهر ما ذهب إليه مخالف لما اتفقوا عليه.

__________________

(١) في ( د ) : « عدم ».

٢٠٧

وقد اعترف باتفاقهم في صورة مساواة السطوح قال (١) : « ويمكن حمله بأنّ جماعة (٢) من الأصحاب منهم المصنّف في التذكرة والشهيد في الذكرى (٣) اشترطوا في طهر النجس إذن امتزاج الطاهر به ».

قال (٤) : « وهذا الشرط راجع إلى علو الجاري إذ لا يتحقق الامتزاج بدونه ».

ولا يخفى عليك أنّ الامتزاج لا يستلزم علو المطهر على جميع أجزاء النجس (٥) ، ولو سلّم فاشتراطهم له ليس من تلك الجهة فاعتباره له مخالف لظاهر ما اتفقوا عليه.

مضافا إلى ما عرفت من عدم قيام دليل عليه ، مع مخالفته لظاهر الأدلّة.

وقطع في القواعد بعدم الاكتفاء بنبع الماء من تحت الراكد المتنجس.

وفي المعتبر (٦) أنّه أشبه بالمذهب.

وهذا بظاهره قد يوهم اشتراط علوّ المطهّر أو مساواته لكن حمله على بناء النبع على اعتبار الدفعة ممكن.

ويؤيّده أنه نصّ في المعتبر بعد ذلك بطهارة الماء إذا وصل المطهّر إليه من تحت.

وقريب منه ما في نهاية الإحكام.

ولا يذهب عليك أنّ المقصود بالنبع في المقام غير النبع من الأرض ؛ إذ لا تأمّل في الاكتفاء به في الجملة.

هذا ، وأمّا (٧) عدم علوّ النجس على المطهّر متدافعا عليه من الأعلى إلى الأسفل فلا شكّ في اعتباره لعدم سراية النجاسة كذلك كما عرفت ، فلا تسري الطهارة أيضا.

__________________

(١) روض الجنان : ١٣٦.

(٢) في ( د ) : « جملة ».

(٣) في ( ب ) زيادة : « و ».

(٤) روض الجنان : ١٣٦.

(٥) في ( د ) : « المتنجّس ».

(٦) المعتبر ١ / ٥١.

(٧) زيادة في ( د ) : « مع ».

٢٠٨

مضافا إلى استصحاب النجاسة مع الشك في شمول إطلاقات التطهير لمثله. والظاهر اتفاقهم على ذلك وعليه يحمل ما حكي عن ظاهرهم من الاتّفاق على اعتبار علوّ المطهّر هنا أو مساواته ، ولو أريد به ما يشمل المعنى الأوّل فقد عرفت ضعفه ، وتصريح غير واحد من الأصحاب بخلافه.

والظاهر عدم الفرق فيما ذكر بين علوّ النجس عليه على سبيل التسنيم أو الانحدار الظاهر ، وكذا الحال مع حصول مسمّى الانحدار.

وأمّا مع تساوي المكان عرفا إذا تدافع النجس على المطهّر ففي حصول التطهير به إشكال ونحوه ما إذا جرى عليه (١) النجس من الأسفل كالفوّارة.

وقضيّة الأصل بقاء النجاسة وإن كان حصول التطهير به لا يخلو عن قوّة.

[ تنبيهات ]

وينبغي التنبيه لأمور :

الأوّل : ذهب الشيخ في الخلاف إلى (٢) اعتبار الدفعة في إلقاء الكر على الماء النجس. وتبعه في ذلك جماعة ممّن تأخر عنه.

وعزاه المحقّق الكركي (٣) إلى صريح الأصحاب مؤذنا (٤) باتفاقهم عليه.

وفي المسالك (٥) أنه المشهور.

والظاهر أنّه لا خلاف في عدم اعتبارها في التطهير بما عدا الكر من المياه المعتصمة كالجاري والغيث. ولا يبعد اختصاصه أيضا بما إذا كان التطهير بمقدار الكرّ (٦).

__________________

(١) في ( ب ) : « إليه ».

(٢) زيادة اللفظه من ( د ).

(٣) جامع المقاصد ١ / ١٣٣.

(٤) في ( ب ) : « مؤذن ».

(٥) مسالك الإفهام ١ / ١٤.

(٦) الزيادة من نسخة ( ب ).

٢٠٩

أمّا لو زاد عليه بمقدار ما يحصل به الاتصال بالماء النجس ـ بناء على الاكتفاء به ـ أو الامتزاج أيضا ـ بناء على اعتباره ـ فلا وجه لاعتبار الدفعة فيه ؛ لما عرفت من اعتصام المنحدر إذن بما فوقه من الكر على ظاهر مذهبهم.

وقد صرّح جمع من معتبري الدفعة بتسرية حكم الحمّام به (١) إلى غيره وقد عزا في المعالم إلى الذاهبين إلى اعتبار المساواة في سطح الكر أنّهم مصرّحون بعدم انفعال القليل المتصل بالكثير ، ولذا اعتبرت الدفعة في عباراتهم في خصوص الكر. وظاهر الشرائع اعتبارها في الزائد على الكر أيضا ، وقد يرجع إلى الأوّل.

وكيف كان ، فاعتبار الدفعة مبني على اعتبار تساوي السطوح في الكر وعدم تقوّي الأسفل منه بالأعلى ؛ إذ مع القول بعدمه لا يخرج المنحدر بسبب اتصال الماء عن حكم الكرّ ، فلا فائدة في اعتبار الدفعة.

وحيث إنّ الأقوى عدم اعتبار استواء السطوح (٢) كذلك فالوجه عدم اعتبارها في المقام ؛ وفاقا لجماعة من الأعلام بعدم ظهور الفرق بين الدفعة وغيرها حينئذ في إفادة التطهير لاقتضاء الإطلاقات بخصوص التطهير على الوجهين.

والقول بعدم ورود كيفيّة تطهير (٣) المياه في الروايات ـ فينبغي الأخذ بمقتضى استصحاب النجاسة في غير مورد الإجماع ـ فيبتني على بقاء النجاسة مع عدم إلقاء الكر دفعة لشهرة الخلاف فيه حينئذ ، مدفوع بما مرّت الإشارة إليه من الاكتفاء في الحكم بالتطهير بالاطلاقات الواردة ؛ إذ هي مع عدم ظهور التقييد حجة وافية (٤) في إفادة الحكم.

وما ذكر من الاستصحاب مدفوع باستصحاب بقاء الكرّ الوارد على غير وجه الدفعة على الطهارة ؛ إذ مع القول بعدم إفادته التطهير يحكم بنجاسته حسبما نصّ عليه ، فكيف يصحّ

__________________

(١) لم ترد في ( ب ) و ( ج ) : « به ».

(٢) في ( ب ) : « السطح ».

(٣) لفظه ـ « تطهير » لم ترد في ( د ).

(٤) في ( ج ) : « وأثبته ».

٢١٠

القول ببقائه على الطهارة وبقاء الآخر بالنجاسة مع امتزاج المائين وانتفاء المائز بينهما.

ويظهر من المحقق الكركي (١) ورود النصّ به باعتبار الدفعة.

ولم نعثر عليه.

وما حكاه من تصريح الأصحاب به لا حجّة فيه مع تصريح جماعة بخلافه.

مضافا إلى عدم وضوح ما ذكره في دعوى الإجماع.

وقد ظهر ممّا قلنا عدم الحاجة إلى اعتبارها مع تساوي سطحي المائين لحصول (٢) الاعتصام معه قطعا.

ولذا اعتبروها في إلقاء الكرّ نظرا إلى علوّه على النجس ، فتفطن.

وقد يحمل اعتبار الدفعة في كلام جماعة منهم على إرادة المواصلة بين أجزاء (٣) الكر بأن لا يلقى فيه دفعات متفرقة ، وهو بهذا المعنى ممّا لا شك فيه.

الثاني : أنّه لو كان الماء متغيرا بالنجاسة فألقي عليه كرّ فإن تغيّر به الكرّ الوارد نجس وليس ذلك من التغيير بالمتنجّس كما مرّ بيانه.

ولا بدّ حينئذ من إلقاء كرّ آخر إلى أن يزول التغيير.

وكذا الحال لو تغيّر به بعض الكرّ الوارد لتنجسه بذلك ، ونقصان الباقي عن الكر فينجس الجميع.

ومن ذلك ما لو تغير بعضه في أول آنات اللقاء ثمّ زال التغيير عن الجميع باستيلاء الماء الوارد.

وما يتراءى من اقتضاء إطلاق الأصحاب بحصول التطهير في الصورة المفروضة لصدق (٤) زوال التغيير بالقاء الكر عليه ، بيّن الفساد ؛ لظهور خروج الصورة المفروضة عمّا

__________________

(١) جامع المقاصد ١ / ١٣٣.

(٢) في ( ج ) : « بحصول ».

(٣) في ( ج ) : « اجراء ».

(٤) لم ترد في ( ج ) : « لصدق .. المفروضة ».

٢١١

ذكروه.

كيف ومن الواضح تنجّس القدر المتغير في تلك الحال وخروج الباقي عن الكرية ، فلا يبقى هناك كر طاهر حتّى يصحّ التطهير به ، ويندرج في إطلاق ما ذكروه.

ولو شكّ في تغيير بعضه في أوّل الملاقاة بنى على أصالة عدمه وبقائه على طهارته ، فيحكم بطهارة الجميع بعد زوال التغيير ( عن الماء بعد حصول الاستيلاء.

ولو شكّ في زوال التغيير ) (١) بعد امتزاج المائين ظاهر القاعدة الحكم بالطهارة بعد تعارض الأصلين ، ولو أمكن استعلام حاله فهل يجب عليه ذلك عند إرادة استعماله؟ وجهان.

ولو كان الماء نجسا متغيرا وشكّ في كون تغيّره بالنجاسة ففي طهره مع بقاء التغيير وجهان ؛ من استصحاب النجاسة وأصالة عدم كون التغيير بالنجاسة.

الثالث : أنّه لو كان مقدار الكر في روايات عديدة مثلا فأهريق الجميع دفعة على الماء النجس بعد اتصال بعضها بالبعض في محلّ الانصباب ، فالظاهر الاكتفاء به في المقام بناء على ما اخترناه من عدم اعتبار استواء السطوح في الكر وتقوّي الأسفل بالأعلى.

والظاهر أن ذلك هو مقصود الجماعة من فضلاء البحرين حيث حكموا بالتطهير مع تفرّق ماء الكر في أواني عديدة حسبما حكاه عنهم في الحدائق.

والوجه فيه ما قرّرناه ، فما (٢) ذكره من أنّه لا يعلم بالوجه فيه عندهم كما ترى.

الرابع : أنّه كما يطهر الماء النجس بإلقاء الكرّ عليه كذا يطهر بإلقائه في الكر ، ولا مجال حينئذ لاعتبار الدفعة.

[ مسائل ]

وهاهنا مسائل :

__________________

(١) ما بين الهلالين من نسخة ( د ).

(٢) في ( ب ) : « لما ».

٢١٢

أحدها : أن المشهور (١) بين المتأخرين عدم طهر القليل باتمامه كرّا سواء تمّم بطاهر أو نجس ، وهو (٢) محكيّ (٣) عن الإسكافي والشيخ رحمه‌الله في الخلاف. واختاره الفاضلان والشهيدان وغيرهم.

وعزاه في شرح اللمعة (٤) إلى معظم الأصحاب. وفي شرح القواعد إلى المتأخرين.

وعزاه جماعة إلى الأكثر.

ويظهر من المعتبر ندور القول بخلافه.

وذهب جماعة من القدماء منهم السيد ، والديلمي ، والقاضي (٥) ، وابن أبي المجد الحلبي ، والحلّي ، وابن سعيد إلى طهره بذلك.

وإليه ذهب من المتأخرين المحقّق الكركي (٦) ، وعزاه إلى أكثر المحققين.

وظاهر (٧) إطلاق بعضهم وصريح آخرين عدم الفرق بين إتمامه بالطاهر أو النجس ، بل ربّما يظهر من بعض أدلّتهم عدم الفرق بين كون الإتمام بالماء أو غيره حتّى من نجس العين إلّا أنّ الشيخ رحمه‌الله في المبسوط (٨) ـ مع احتمال ذهابه إليه حيث قوىّ القول بالطهارة مع إتمامه بالطاهر أو النجس ـ نفى الشك عن عدم حصول الطهر بإتمامه بالنجاسة.

والمقصود مع استهلاكه فيه وإلّا كان خارجا عن محلّ الكلام.

وفصّل الطوسي بين إتمامه بالماء الطاهر والنجس ، وحكاه الشيخ رحمه‌الله عن البعض.

__________________

(١) مفتاح الكرامة ١ / ٤٠٩ ـ ٤١٠.

(٢) لم ترد في ( ج ) : « وهو محكيّ .. القول بخلافه ».

(٣) في ( ب ) : « العقربة ».

(٤) في ( د ) : « الجعفريّة ».

(٥) جواهر الفقه : ٥.

(٦) جامع المقاصد ١ / ١٣٣.

(٧) زيادة في ( ج ) : « هو محكيّ عن الاسكافي والشيخ في الخلاف. واختاره الفاضلان والشهيدان وغيرهم.

وعزاه في شرح الجعفريّة إلى معظم الأصحاب. وفي شرح القواعد إلى المتأخّرين وعزاه جماعة إلى الأكثر.

ويظهر من المعتبر شذوذ القول بخلافه ». وهذه الزيادة قد مضى متنا.

(٨) المبسوط ١ / ٧.

٢١٣

حجة المشهور أصالة بقاء النجاسة حتّى يعلم المزيل ولم يعلم حصوله بذلك ؛ لعدم نهوض دليل عليه.

وما احتجّ به للطهارة موهون كما سنبيّن ، وإنّ قضية ما دلّ على انفعال القليل ثبوت النجاسة حتّى يعلم المزيل ولا دليل هنا.

مضافا إلى إطلاق المنع من غسالة الحمّام ؛ معلّلا بأنّ فيه غسالة اليهودي وولد الزنا والناصب ، فيعم ما لو بلغ المجموع حدّ الكر أو كان دونه.

وفيها أنّ استصحاب النجاسة إنّما يتمّ إذا لم يكن تتميمه بالماء الطاهر ، وأمّا معه فيتعارض (١) الاستصحابان. وقضية الأصل طهارة الماء حتّى يعلم انفعاله.

والقول باقتضاء أدلّة القليل بقاء الانفعال إلى أن يتحقق المزيل ـ لو سلّم ـ كان مفادها مفاد الاستصحاب ، فيتعارض (٢) حينئذ ما دلّ على طهارة الطاهر حتّى يعلم زواله مع خصوصيته في ذلك. وما دل على المنع من غسالة الحمّام محمول على المتعارف في تلك الأزمنة.

وبلوغ المجموع حد الكر غير معلوم ، فلا دلالة فيها على المطلوب.

حجة القائلين بطهره بذلك بعد العمومات الدالّة على طهارة الماء من الآيات والروايات الإجماع عليه. حكاه في السرائر (٣) ، وقوله عليه‌السلام : « إذا بلغ الماء كرا « لم يحمل خبثا » ، وجعله في السرائر من قول الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله المجمع عليه عند المخالف والمؤالف.

وفي المهذب (٤) من قولهم صلوات الله عليهم.

و (٥) ظاهر ذلك روايته عن الأئمّة عليهم‌السلام ، والمراد بقوله « لم يحمل خبثا » : لم يظهره ، من قولهم : فلان يحمل غضبه أي يظهره.

__________________

(١) في ( د ) : « فيعارض ».

(٢) في ( د ) : « فيعارض ».

(٣) السرائر ١ / ٦٣.

(٤) المهذب ١ / ٢٣.

(٥) في ( ب ) لم ترد : « وظاهر ذلك .. لم يطهّره ».

٢١٤

ومجي‌ء « حمل » بهذا المعنى مذكور في جملة من كتب اللغة ، فيعمّ صورتي دفع النجاسة عن نفسه ورفعها. كذا ذكره جماعة في وجه الدلالة.

ولا يخفى أنّه لا حاجة إلى حمله على ذلك مع بعده عن ظاهر الاستعمالات بل يمكن الاستناد إليه مع حمله على ظاهر العرف ؛ فإنّ عدم حمل الخبث يعمّ الصورتين ، فلو كان الخبث حاصلا قبل الكرّيّة كان عدم حمله رفعه عن نفسه ، وإلّا اقتضى دفعه عنها ، والإجماع على طهارة الماء الكثير إذا وجدت فيه نجاسة عينيّة ولم يعلم هل كان وقوعها قبل بلوغ الكر أو بعده ، فلولا تساوي الحالين لما حكم فيه بالطهارة مطلقا ، وإن بلوغ الماء حدّ الكر يوجب استهلاكه للنجاسة ، فلا فرق بين وقوعها قبل بلوغه وبعده.

ويرد عليه أنّ العمومات مخصوصة بما دلّ على تنجّس الماء ، وأمّا الإجماع فموهون بمصير الأكثر إلى خلافه.

قال المحقق (١) : « إنّا لم نقف على شي‌ء في شي‌ء من كتب الأصحاب ، ولو وجد كان نادرا ، بل ذكره المرتضى في مسائل منفردة وبعده اثنان أو ثلاثة ممّن تابعه. ودعوى مثل هذا إجماعا غلط ». انتهى.

والرواية على فرض كونها من روايات أصحابنا مرسلة لا تعويل عليها. ونقله الإجماع على الرواية إن عني به الإجماع على الحكم المستفاد منها فقد عرفت ما فيه وإن عني مجرد الاتّفاق على الرواية ـ إذ لا معنى لدعوى الإجماع المصطلح عليه ـ فهو أيضا ضعيف ؛ لعدم ذكرها في شي‌ء من كتب الحديث ، وإنّما وجدت مرسلة في بعض كتب الفقه قال المحقق (٢) : ونحن قد طالعنا كتب الأخبار المنسوبة إليهم فلم نر هذا اللفظ وإنّما رأينا ما ذكرناه ، وهو قول الصادق عليه‌السلام : « إذا كان الماء .. الخبر. ولعلّه غلط من غلط في هذه المسألة لتوهمه أنّ معنى اللفظين واحد. انتهى.

على أنّها على فرض صحّتها قد يناقش في دلالتها ؛ نظرا إلى ظهور قوله عليه‌السلام « لم يحمل »

__________________

(١) المعتبر ١ / ٥٣.

(٢) المعتبر ١ / ٥٣.

٢١٥

في عدم حمل النجاسة الطارئة ، فلا يشمل غير صورة الدفع كالصحاح الخاصة. والإجماع على طهارة الماء الكثير المفروض ليس مبنيّا على ذلك بل على أصالة الطهارة.

والوجه الأخير قياس فيه.

حجة المفصّل في الحكم بالطهارة الرواية المذكورة. وفي اشتراط طهر المتمّم اعتبار سبب الطهارة ؛ إذ لا يعقل حصول الطهارة من غير مطهّر.

ويضعّفه ما عرفت مضافا إلى أنّ قضية إطلاقها حصول الطهر بمجرّد البلوغ إلى حد الكرّ ، فنفس الكرّية رافعة للنجاسة من غير حاجة إلى طهارة البعض.

قلت : وقد عرفت من حكاية تعارض الأصلين وجها وجيها للتفصيل. وما قد يتراءى لدفعه من إطلاقات المفهوم في روايات الكر مدفوع بأنّ المناط في الكرية وعدمها هو حال الملاقاة ، والمفروض إذن بلوغه حدّ الكر.

فان قلت : المتبادر من روايات الكر اشتراط عدم الانفعال ببلوغ الماء الطاهر حدّ الكر ، وقضية ذلك تنجّسه إذا لم يكن الطاهر منه كرّا كما هو المفروض في المقام.

قلت : القائل بطهره في الإكمال يقول بطهر الجميع ، فليس الطاهر عنده خصوص ما فرض طهارته بما دون الكر ، فيقتضي (١) الإطلاق تنجّسه ، فلا مقتضى لاختصاص الطهر به سوى استصحاب النجاسة في الآخر.

وقد عرفت أنه معارض باستصحاب الطهارة ، فقضيّة العمومات طهارة الجميع للإجماع على تغليب أحد الحكمين مع الملاقاة. هذا غاية ما يقال في توجيه القول المذكور.

ولا يذهب عليك أنّ البناء على توارد الأصلين إنّما يتم إذا ورد الطاهر على النجس أو تواردهما ، أمّا مع ورود النجس عليه فينفي الحكم بالنجاسة ؛ إذ لا مطهّر لما علا من النجس على ما يلاقيه.

ثمّ إنّ قضيّة روايات الكر تنجّس ما دون الكر من الماء الطاهر بملاقاة النجاسة والملاقاة

__________________

(١) في ( د ) : « ليقتضي ».

٢١٦

حاصلة في المقام ، فيقتضي ذلك تنجّسه ، ولو فرض ثبوت طهره كان ذلك في الحقيقة تقييدا للإطلاق.

وممّا يؤيد ذلك إطباق الأصحاب ـ ظاهرا ـ على البناء على خروج الحكم بالطهارة بذلك عن القاعدة ، فلذا لم يتمسّك أحد فيها بالأصل ، وإنّما استندوا إلى الأدلّة الخاصّة.

قال المحقق (١) بعد ردّ ما استدلّ به الحلي من الأخبار : وإن لم يثبت طهارته فالاجماع على المنع منه.

مضافا إلى أنّ السبب في اعتصام الكر تقوّي بعض أجزائه بالبعض ، ومع تنجّس بعضه لا يحصل التقوية العاصمة.

وأيضا بعد تعارض الأصلين يبقى استصحاب انفعال القليل بالملاقاة الثابت قبل الوصول إلى النجس سليما من المعارض.

فظهر بجميع ما ذكرنا ضعف القول المذكور.

ثانيها : أنّ المعروف بين الأصحاب عدم طهارة الكثير المتنجّس بالتغيير بمجرّد زواله.

وفي المنتهى (٢) حكاية الشهرة عليه.

بل لا نعرف مخالفا فيه سوى ما حكي عن ابن سعيد من حكمه بالتطهير.

واحتمله العلّامة (٣) في النهاية فيما إذا زال التغيير بنفسه.

ولا يخفى ضعفه لاستصحاب النجاسة الثابتة من دون حصول ما يوجب العلم بنقضه ، ولظاهر الإطلاقات الدالّة على وجوب الاجتناب عنه في الاستعمال بعد حصول التغيير.

والوجه في الطهارة عموم قوله عليه‌السلام : « إذا بلغ الماء كرا لم يحمل خبثا » خرج عنه حال التغيير بالإجماع ، فبقي الباقي ، وإنّ التغيير هو السبب في النجاسة فتزول بزواله ؛ ضرورة انتفاء المسبّب عند انتفاء السبب.

__________________

(١) المعتبر ١ / ٥٣.

(٢) منتهى المطلب ١ / ٦٥.

(٣) نهاية الإحكام ١ / ٢٥٧.

٢١٧

ولا يخفى وهن التعليلين ؛ لاقتضاء الرواية عدم حمله شيئا من الأخباث مطلقا ، فمع ثبوته يستصحب بعدم دلالتها على رفعه بعد الثبوت.

ومن هنا ظهر أنّه لا يلزم القائل بالطهارة بالإتمام قوله بها هنا ، وإن استدلّ هناك بالخبر المذكور فما (١) في المعتبر والدروس من إلزامه إذن بذلك ليس بوجه (٢).

ولذا نصّ جماعة منهم بعدمها في المقام. ولو سلّم العموم فيها بالنسبة إلى الأوقات فقد عرفت ما فيها من الضعف في السند والدلالة. والمسبب عن التغيير إنّما هو حصول النجاسة لا بقاؤها ليرتفع بارتفاعه كالملاقاة بالنسبة إلى القليل ، فلا ترتفع النجاسة عنه بمجرّد ارتفاعها.

ثمّ إنّه لا فرق بين زوال التغيير من قبل نفسه أو بتصفيق الرياح أو بمخالطة بعض الأجسام غير الماء أو الماء مع عدم بلوغه حدّ الكر ، ويأتي على القول بطهر القليل بإتمامه كرا احتمال طهره في الصورة الأخيرة ، بل حكي القول به عن ظاهر إطلاق المبسوط ، والمراسم ، والوسيلة ، والجامع.

وقد يستدل عليه بتوارد الاستصحابين ، والأصل الطهارة.

وقد عرفت ضعفه لإطلاق (٣) الرواية المذكورة بناء على أنّ المراد بالكر ما فوق القليل سواء كان بمقدار الكر أو زاد عليه.

ولا يخفى ضعفه لظهور الرواية إن حملت على ذلك في القلة السابقة.

ولذا نصّ في السرائر (٤) هنا بعدم الالحاق.

هذا ، ولو تغيّر بعض الكثير وكان الباقي كرّا طهر بمجرد زوال التغيير على ما ذهبنا إليه ، وعلى اعتبار الامتزاج فلا بدّ من تمويج الباقي ليحصل الامتزاج.

__________________

(١) في ( ج ) : « مما ».

(٢) في ( د ) : « بالوجيه ».

(٣) في ( د ) : « وبإطلاق ».

(٤) السرائر ١ / ٦٢ ـ ٦٣.

٢١٨

ثالثها : إذا جمد الماء كان حكمه حكم نحوه من الجوامد فإن تنجّس حينئذ اختص النجاسة بمحل الملاقاة سواء كان بقدر الكر أو دونه. وحكم العلّامة رحمه‌الله بعدم انفعاله مع بلوغه قدر الكر.

وهو ضعيف كما مرّت الإشارة إليه. وطريق تطهيره كتطهير نحوه من الجوامد. ولو تنجّس مائعا ثم جمد لم يمكن تطهيره إلّا بالميعان ؛ لعدم إمكان إيصال الماء (١) إلى جميع أجزائه إلّا بذلك.

ويحتمل على مذهب العلّامة تطهيره بالاتصال بالماء المعصوم بناء على الاكتفاء في التطهير بمجرّد الاتّصال ، فتأمّل.

__________________

(١) لم ترد في ( ب ) : « الماء إلى جميع .. تطهيره الاتصال ».

٢١٩

تبصرة

[ في كيفية تطهير البئر ، والكلام في النزح ]

يطهر البئر بناء على ما قوّينا من اعتصامها بالمادة كغيرها من المياه النابعة بزوال التغيير ، سواء زال من نفسه أو بمخالطة الماء أو غيره مع طهارة الممازج أو نجاسته وفاقا لجماعة.

وفي الحدائق (١) : أنّه على القول بعدم انفعال البئر لا إشكال في طهارتها بذلك لمكان المادة.

وربّما يستفاد ذلك من كلام (٢) غيره أيضا.

والوجه فيه ظاهر ممّا قرّرناه ؛ إذ لا فرق حينئذ بينها وبين غيرها من المياه النابعة.

وحيث اخترنا هناك طهرها بمجرّد زوال التغيير كيفما كان جرى ذلك في المقام ، واعتبار النزح بخصوصه في صحيحة ابن بزيع من أجل استناد الزوال غالبا إليه خلافا لجماعة منهم العلّامة رحمه‌الله (٣) في عدّة من كتبه ، وولده في الايضاح (٤).

واختاره بعض أفاضل المتأخرين.

وفي كلام بعض المحقّقين حكاية الشهرة عليه. والوجه فيه استصحاب النجاسة وإناطة الطهارة في المعتبرة المستفيضة بالنزح (٥).

والأوّل مدفوع بقيام الدليل على الطهارة حسبما أشرنا إليه ، والثاني محمول على الغالب كما عرفت.

__________________

(١) الحدائق الناضرة ١ / ٣٧١.

(٢) زيادة في ( د ) : « صاحب المعالم والذخيرة ».

(٣) منتهى المطلب ١ / ٦٨.

(٤) إيضاح الفوائد ١ / ٢٠.

(٥) في ( د ) : « في ».

٢٢٠