تبصرة الفقهاء - ج ١

الشيخ محمد تقي الرازي النجفي الاصفهاني

تبصرة الفقهاء - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمد تقي الرازي النجفي الاصفهاني


المحقق: السيد صادق الحسيني الإشكوري
الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الذخائر الإسلامية
المطبعة: مطبعة الكوثر
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-988-000-6
ISBN الدورة:
978-964-988-003-7

الصفحات: ٥٢٨

مضافا إلى إطلاقات الغسل الواردة في الآية والروايات.

وربّما قيل أيضا باندراج ماء الورد في المطلق والإضافة فيه لأدنى الملابسة كماء الحوض وماء النهر ونحوهما.

ويدفع الرواية تارة بضعفها في الإسناد ؛ لاشتماله على سهل ، والمشهور بين أصحاب الرجال ضعفه (١) ، وقد نصّ عليه جماعة من الأصحاب ، ونصّ أنّه فاسد المذهب.

ولا يظهر ذلك من رواياته (٢) ، وكأنّهم عنوا به الغلوّ والارتفاع في القول على ما هو دأبهم من رمي كثير من الأجلاء به.

وما في المدارك (٣) من الحكم بكونه عامي المذهب غريب ؛ إذ لم نجد له أثرا في شي‌ء من كتب الأخبار بل ظاهرهم عدم التأمل (٤) في كونه من الأصحاب كما يظهر من رواياته ، وإكثار ثقة الإسلام عنه حتّى أنّه عقد له عدة على نحو عدة البرقي وابن عيسى.

وفي ذلك وغيره ممّا ذكر في محلّه وغيره إشارة إلى الاعتماد عليه إلّا أن ذلك كلّه لا يخرجه عن حدّ الضعف فلا يجوز التعويل عليه.

وربّما يناقش فيه أيضا من جهة الاشتمال على العبدي عن يونس ؛ نظرا إلى استثنائهم ذلك من رجال نوادر الحكمة ، وهو إن لم يثبت عندنا إلّا أنّه يوجب وهنا في الخبر سيّما في المقام ، وأخرى بشذوذها ومتروكيّتها بين الأصحاب وإعراضهم عنها.

قال الشيخ في كتابي الحديث : إنّه خبر شاذّ شديد الشذوذ ، وقد أجمعت العصابة على ترك العمل بظاهره ، مضافا إلى معارضته لظاهر الآية وغيرها.

وقد قيل (٥) بأنّ المراد بها ماء ألقي فيه الورد دون المصعّد ؛ اكتفاء بأدنى الملابسة أو يقرء

__________________

(١) لا حظ : رجال النجاشي ١٨٥ / ٤٩٠ « فهرست الطوسي ١٤٢ / ٣٣٩ ؛ معالم العلماء ٩٢ / ٣٨٣.

(٢) في ( ب ) : « روايته ».

(٣) المدارك ١ / ١١١.

(٤) في ( ب ) : « المشهور ».

(٥) في ( د ) : « تؤوّل ».

٢٨١

« الورد » بكسر الواو ، والمقصود السؤال عن المياه التي تكون مورودة للدوابّ وسائر الحيوانات.

والاستناد إلى الإطلاقات قد عرفت ما فيه ، فهي إن لم تكن شاهدة للمشهور فلا تشهد على خلافه سيّما مع الإطباق على عدم جواز استعمال غير ماء الورد إلى العرف (١) من المياه المضافة حسب ما عرفت.

والاستناد إلى اندراجه في المطلق أوهن الوجوه المذكورة ؛ لوضوح فساده بعد الرجوع إلى العرف.

وأمّا الثاني فقد خالف فيه السيد ، وعزاه في السرائر إليه وإلى جماعة.

واختلف النقل عن المفيد ، فحكى عنه في المختلف ذهابه إلى المشهور ، والمحكي عنه في كلام جماعة من المتأخرين كصاحب المدارك وأخيه القول بجواز الإزالة به.

وفي الروض وغيره حكاية الإجماع ممّن تقدّم على السيد وتأخّر عنه على المنع.

وفيه أيضا إشارة إلى موافقته للمشهور.

والمحكي عن السيّد في عدّة من الكتب ـ منها الخلاف والمعتبر ـ هو القول بجواز إزالة الخبث لمطلق المائع.

وكيف كان ، فالقول به ضعيف منقرض قد أطبق المتأخرون على خلافه.

وفي شرح القطيفي : إنّ الفتوى على عدم إزالة الخبث به والقول به شاذّ لا يعوّل عليه. وفي شرح التهذيب للفاضل الجزائري : إنّ الأكثر بل الإجماع على جواز إزالة النجاسة به.

ويدلّ على المشهور الأصل وورود الأمر بالغسل بالماء في عدّة من الأخبار الظاهرة في تعيينه في الغسل.

وقوله عليه‌السلام : « لا يجزي من البول إلا الماء » (٢) مع عدم القول بالفصل ، وقوله عليه‌السلام : « كيف

__________________

(١) لم يرد في ( د ) : « إلى العرف ».

(٢) الإستبصار ١ / ٥٧ ، باب وجوب الاستنجاء من الغائط والبول ، ح (١٦٦) ٢١ ؛ وسائل الشيعة ١ / ٣١٧ ، باب وجوب الاستنجاء وإزالة النجاسات للصلاة ، ح ٦.

٢٨٢

يطهر من غير ماء » (١) ، وفي الصحيح أو الموثق : رجل أجنب في ثوبه وليس معه ثوب غيره؟ قال : « يصلّي فيه وإذا وجد الماء (٢) غسّله » (٣).

مضافا إلى اعتضاده بالاحتياط غالبا ، والشهرة العظيمة القريبة من الإجماع (٤) ، وإطلاق الأمر بالتطهير والغسل الشامل لذلك ، وأن الغرض إزالة الخبث ، وهو حاصل به من غير خصوصيّة فيه للماء.

ويشهد له حسنة الحكم بن الحكيم الصيرفي قال : « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أبول فلا أصيب الماء وقد أصاب يدي شي‌ء من البول فأمسحه بالحائط والتراب ، ثمّ تعرق يدي فأمسح وجهي أو بعض جسدي أو تصيب ثوبي؟ قال : « لا بأس به » (٥).

وخصوص رواية غياث بن ابراهيم ، عن أبي عبد الله ، عن أبيه ، عن على عليه‌السلام قال : « لا بأس أن يغسل الدم بالبصاق » (٦).

ووهن الجميع ظاهر : أما الإجماع فلاشتهار خلافه ، فلو لم يكن منعقدا على عدمه فليس منعقدا على ثبوته. وقد ذكر المحقق في المسائل المصريّة الوجه في دعواه الإجماع في المقام حيث سئل : إنّه كيف أضاف علم الهدى إزالة النجاسة بالمائعات إلى مذهبنا ولا نصّ فيه؟!

فأجاب أنّه ذكر في الخلاف أنّه إنّما أضاف ذلك إلى مذهبنا لأن من أصلنا العمل بدليل الأصل العقل ما لم يثبت إلينا.

قال : وليس في الشرع ما يمنع استعمال المائعات في الإزالة ولا ما يوجبها ، ونحن (٧)

__________________

(١) وسائل الشيعة ٣ / ٤٥٣ ، باب أن الشمس إذا جفت الأرض واسطح .. ، ح ٧.

(٢) في ( د ) : « ماء ».

(٣) من لا يحضره الفقيه ١ / ٦٨ ، باب ما ينجس الثوب والجسد ، ح ١٥٥.

(٤) زيادة في ( د ) : « بل الإجماع في الحقيقة حسبما نقل احتجّوا للسيّد ومن وافقه بالاستناد إلى الإجماع ».

(٥) الكافي ٣ / ٥٦ ، باب البول يصيب الثوب أو الجسد ، ح ٤.

(٦) تهذيب الأحكام ١ / ٤٢٥ ، باب تطهير البدن والثياب من النجاسات ، ح ٢٣ ؛ وسائل الشيعة ١ / ١٤٩ ، باب حكم الريق ، ح ٢.

(٧) في ( ب ) : « نحوه ».

٢٨٣

لا نفرّق بين الماء والخلّ في الإزالة بل ربّما كان غير الماء أبلغ حكما (١) بدليل العقل.

وهو كما ترى صريح في كون الإجماع المدّعى تخريجيّا (٢) مبنيّا على الوجه المذكور ، فظهر فساده بفساد أصله.

وأنت خبير بأنّه لو صحّ ما ذكره لم يصحّ (٣) الاستناد إلى الإجماع كما لا يخفى.

ومنه يعلم الوجه في ضعف الإسناد إلى أكثر إجماعاته المنقولة في المسائل الخلافية ، والإطلاقات لا حجة فيها بعد انصرافها إلى المتعارف إن سلّم حصول العقل (٤) على الحقيقة من غير الماء.

وما أورده السيد من أنّه لو قيل باختصاص الغسل بما يغسل به في المعتاد لما جاز الغسل بما لم تجر العادة بالغسل به من المياه كماء النفط وماء الكبريت ونحوهما ، وهو خلاف الإجماع ؛ مدفوع بأنّه لو سلّم ذلك فالإجماع على جوازه كاف في ذلك ، وهو الحجة فيه دون الإطلاق ، مع حصول الفرق البيّن بين المقامين ؛ إذ ندرة الوجوه (٥) غير الفرد حسب ما قرر في محلّه على ان غاية الأمر فيه الاستناد إلى الإطلاق.

ولا بدّ من حملها على الأخبار المقيدة حسبما عرفت. ومجرد إزالة العين غير كاف في حصول الطهارة وإلّا لجازت التطهير بغير المائعات ، بل وحصل ذلك بمجرد تخفيف النجاسة المائعة كالبول إذا زال به العين ، ولا قائل به.

والاستناد فيه إلى الحسنة المذكورة بيّن الوهن ؛ إذ لو حملت دلالتها على حصول الطهر بذلك فهي متروكة بين الأصحاب ، مع أنّها لم تشتمل على كون الازالة بالمائع من المضاف وغيره.

__________________

(١) في ( ب ) : « محكما ».

(٢) في ( ب ) : « تخرفيّا ».

(٣) زيادة في ( د ) : « له ».

(٤) في ( د ) : « الفصل ».

(٥) في ( ألف ) : « الوجود ».

٢٨٤

وما دلّ عليه من ازالة البول من الجسد بالحائط أو التراب لم يقل به أحد منّا كما نصّ عليه في المعتبر.

ورواية غياث ضعيفة جدّا ، متروكة بين الأصحاب ، معارضة بما عرفت ؛ فهي لا تنهض حجة في نفسها فضلا عن الاعتماد عليها مع متروكيتها ومعارضتها بما مر.

وكأن الخبرين المذكورين منظور المفيد حيث ذكر في مسائل خلافه أن جواز (١) الإزالة به مروي عن الأئمّة عليهم‌السلام فيما حكاه المحقّق في المسائل المصريّة ؛ إذ لم ينقل أحد من الأصحاب فيه رواية غير ذلك.

وأما الثالث فقد خالف فيه العماني وفصّل بين الحالين ، فمنع من استعماله مع الاختيار وجوّزه في حال الاضطرار في المقامين.

وحكى في المقنع عن الصدوق تجويزه رفع الحدث بماء الورد في السفر وفيه عدم المطلق إلّا أنّه غير مطابق للموجود في كتبه المذكورة.

وكيف كان فلم نجد مستند التفصيل ، وقد يستند فيه بالجمع بين الأخبار وحمل الخبر المذكور (٢) على صورة الاضطرار.

ووهنه ظاهر ؛ إذ هي مع عدم مكافأته لغيره وخلوّ الجمع المذكور عن الشاهد غير واف لمقصوده.

__________________

(١) في ( ب ) : « جوز ».

(٢) لم ترد في ( ب ) : « على صورة .. وخلوّ الجمع المذكور ».

٢٨٥

تبصرة

[ في كيفية تطهير المضاف المتنجّس ]

إذا تنجّس المضاف اعتبر في طهره خروجه عن الإضافة إلى الإطلاق ، وملاقاته للمطهّر على نحو ما مرّ في تطهير المياه.

فهو ما دام مضافا غير قابل للتطهير لسراية النجاسة إلى جميع أعماقه (١). وملاقاة المطهّر لجميع أجزائه من المستحيل مع بقاء الإضافة وبقاء الماء على المائية ؛ إذ مع عدم حصول المزج التام لا يمكن وصول الماء إلى جميع أجزاء المضاف ، ومع حصول الامتزاج التام لو سلّم حصول ملاقاته لجميع الأجزاء إمّا أن ينقلب المضاف مطلقا أو يخرج الماء من الإطلاق ، والأوّل خروج عن محلّ البحث ، والثاني لا يقضي بالتطهير لخروج الماء حينئذ من الإطلاق القاضي بخروجه عن الطهورية ، فلا يكون طهورا حال إفادته التطهير ، وحينئذ ينجس (٢) الجميع.

والفرق بينه وبين المطلق أنّ المطلق متّصف بعد الطهارة بالطهوريّة فيطهر ما يلاقيه وهكذا ، بخلاف المضاف. ولذا اكتفينا هناك بمجرد الاتصال بخلاف المقام.

فلا فائدة حينئذ لمراعاة الامتزاج.

وأما إذا خرج عن الإضافة وصار مطلقا كان بحكمه ، فيطهر بما يطهر به المطلق.

وبقاء حقيقته السابقة وتأثيره في المطلق لا يمنع من قبول الطهارة ، ولا يقضى بتنجيس الماء ؛ لما عرفت من ضعف القول بتنجس الماء بتغيّره بالمتنجّس ، وإنّما يختصّ ذلك بعين النجاسة كما مرّ.

وعلى ما ذكرنا لا فرق بين خروجه عن الإضافة بنفسه أو بتصفيق الرياح أو العلاج أو

__________________

(١) لم ترد في ( ب ) : « أعماقه وملاقاة المطهّر لجميع ».

(٢) في ( د ) : « فينجس ».

٢٨٦

امتزاجه بالماء النجس أو الطاهر القليل أو المعتصم المطهّر ، غير أنّه في الأخير يطهر بمجرّد خروجه عن الإضافة ، وفي الأقسام المتقدّمة يفتقر إلى ملاقاة المطهّر.

ثمّ إن طهره بما ذكرناه قد ذهب إليه العلّامة في التذكرة والنهاية ، وهو المشهور بين المتأخرين.

ولهم في المسألة أقوال أخر :

أحدها : اعتبار خروج المضاف عن إضافته وبقاء إطلاق الماء وعدم خروجه عن صفته من جهة اختلاطه بالمضاف وامتزاجه به. ذهب إليه الشيخ في المبسوط. وحكي عن ظاهر المحقق في المعتبر والعلامة في التحرير إلّا أن الشيخ اعتبر الزيادة على الكر ، ولم يعتبره العلّامة.

وكأنّه أخذ ذلك من جهة الاحتياط في بقاء مقدار الكر على الإطلاق مع بقاء الأوصاف ؛ إذ لا أقلّ من اتّصاف بعض الماء بأوصاف المضاف عند ممازجته وإن زال عنه بعد ذلك ؛ إذ من الواضح انتفاء المزية فيما زاد على الكر بالنسبة إليه ، فجعل ذلك قولا آخر في المسألة من جهة اعتبار الزيادة ليس على ما ينبغي.

ثانيها : القول بالاكتفاء بمجرّد الاتصال وإن بقي الاسم والصفة. حكاه في الروضة وعزاه إلى العلامة في التذكرة.

ثالثها : تطهيره بممازجة الكر وإن تغيّر الماء وخرج عن الإطلاق. ذهب إليه [ العلامة ] في المنتهى والقواعد ، وابن فهد في الموجز. وربّما يفصّل فيه بين ما إذا وضع المضاف في الماء (١) أو وضع الماء فيه.

فلو قيل بطهره بذلك فانّما يقال به في الثاني دون الأول ؛ إذ لا مجال للقول بطهر المحلّ من دون ملاقاة المطهر أصلا أو ملاقاته لبعضه. وعن المحقق الكركي أنه أوجب أن يكون تصوير المسألة في إلقاء المضاف النجس فيه.

قلت : إطلاق كلام العلّامة قاض بخلافه ، بل عبارة الموجز الحاوي صريحة في خلافه

__________________

(١) في ( ب ) زيادة : « وخرج عن الإطلاق ».

٢٨٧

حيث قال : وطهره بإلقاء كر عليه ، وإن بقي التغيير بالإضافة ، فمع ما علّل به التفصيل أن خروج الماء عن الاطلاق إما أن يكون بعد حصول امتزاجه بالجميع أو البعض دون الباقي أو لا يعلم شي‌ء من الحالين.

فعلى الأوّل يتعيّن عند البناء على الطهارة ، وعلى الثاني لا ينبغي التأمل في النجاسة ؛ إذ لا مطهر لبقيّة أجزاء المضاف ؛ إذ المفروض عدم وصول الماء إلى الجميع.

فبعد خروج الماء عن حقيقته تنجّس الجميع من جهة الاتصال به.

والاكتفاء في طهره (١) بمزجه بذلك على خروجه عن اسم الماء ممّا لا وجه له أصلا ، وكأنّ ذلك من كلام القائل به.

وفي الأخير إن قيل بطهر المضاف أخذا بأصالة البقاء على المائية فلا مانع أيضا من القول بطهر المحلّ به ؛ إذ لا فاصل بينهما.

فظهر بذلك أنه لو خصّص الحكم بما ذكره المحقق المذكور لم يصحّ الإطلاق ، وإن حمل على الوجه المذكور فلا حاجة إلى ما ذكر من التفصيل. وكأنّه أطلق في المقام لظهور المرام.

هذا ، والوجه في قول الشيخ ظاهر ممّا قلناه ، وإنّما اعتبر عدم تغيّر الماء بأوصاف المضاف بناء على ما ذهب إليه من تنجيس الماء بتغيّره بالمتنجس.

وضعفه ظاهر ممّا مرّ.

وكأنّ الوجه في الثاني ـ إن حمل على ظاهره ـ أن ملاقاة المطهّر كاف (٢) في التطهير والمفروض حصوله.

وضعفه ظاهر ، وقد يرجع إلى الأخير.

والوجه في الثالث أن بلوغ الكر سبب لعدم الانفعال إلّا مع التغيير بالنجاسة ، فلا يؤثّر المضاف بالتنجيس وإن غلب عليه فيطهر (٣) المضاف بملاقاته ؛ أخذا بعموم ما قضى بطهوريته

__________________

(١) في ( ب ) : « بطهره » ، بدل « في طهره ».

(٢) في ( ألف ) : « كان ».

(٣) في ( ألف ) : « يظهر ».

٢٨٨

لما يلاقيه ، ومن جهة الاتّفاق على اتحاد حكمهما بعد الامتزاج.

وضعفه ظاهر أيضا ؛ إذ (١) الحكم المذكور إنّما ثبت للماء المطلق ، فبعد خروجه عنه واندراجها في المضاف لا بقاء للحكم المذكور ، فلا وجه للحكم بتطهيره لما يلاقيه ؛ إذ هو فرع طهارته في نفسه.

وقد عرفت خلافه ممّا بيّنّاه.

__________________

(١) لم ترد في ( ب ) : « إذ الحكم .. للحكم بتطهيره ».

٢٨٩

تبصرة

[ في تحديد السؤر ]

اختلف الأصحاب في تعبير السؤر فقيل : إنّه ما باشره جسم حيوان. ذكره الشهيد في الذكرى ، والمحقق الكركي في الجعفريّة.

وفي الروض : أنه لغة ما يبقى بعد الشرب ، وشرعا ماء قليل باشره جسم حيوان وإن لم يشرب منه. واختار الحدّ المذكور في تعليق الشرائع والروضة.

وفي المعتبر (١) : أنه بقيّة المشروب.

وفي كشف الالتباس : أنّه بقيّة ما يشرب منه الحيوان.

وفي المهذب البارع (٢) : أنّه ماء قليل فضل من شرب حيوان.

وهذا الحدّ أخصّ حدوده بناء على أصل الشرب على ما يستلزم الملاقاة والورود كما هو الغالب بل الظاهر خروجه عن اسم السؤر من دونه كما إذا صبّ الماء من الآنية في فيه ، فالظاهر حمل الحدّ عليه كما أن الحدّ الأول أعم تفاسيره بناء على ما هو الظاهر من كون « ما » موصولة يشمل الماء وغيره.

وفسّره القطيفي في شرح النافع بأنه بقية المشروب من المائعات في أصحّ الأقوال.

وفسره في السرائر (٣) وغيره بأنّه ما شرب منه (٤) الحيوان أو باشره بجسمه من (٥)

__________________

(١) المعتبر ١ / ٩٣.

(٢) المهذب البارع ١ / ١٢٢.

(٣) السرائر ١ / ٨٥.

(٤) في ( ألف ) : « من ».

(٥) في ( ب ) زيادة : « المياه وسائر ».

٢٩٠

المائعات.

وفي المدارك وغيره أنّ الأظهر في تعريفه أنه ماء قليل باشره فم حيوان. واختاره في غرر الجامع ، ونصّ أنه معنى السؤر بحسب اللغة والاصطلاح.

وقال الشيخ (١) في شرح الإرشاد : إن الظاهر أن المراد هنا ماء قليل لاقاه جزء حيوان خال عن نجاسة طارئة.

وهناك اختلاف أيضا في تفسيره بحسب اللغة : فعن الصحاح (٢) والمغرب والنهاية (٣) ومجمع البحرين (٤) أنّه ما يبقى بعد الشرب.

ونحوه ما في جامع المقاصد والمسالك والروضة وغيره في بيان معناه بحسب اللغة.

وفي كشف اللثام (٥) : إنّه في اللغة البقيّة من كلّ شي‌ء أو ما يبقيه المتناول من الطعام والشراب أو من الماء خاصة ، والقلّة معتبرة فيه.

ثم إن ظاهر جماعة من الأصحاب منهم الشهيد الثاني في الروض المغايرة بين معناه اللغوي والعرفي.

قال المحقق الكركي (٦) بعد بيان معناه اللغوي بما مر : إن المراد به هنا ما باشره جسم حيوان مع قلّته ، فإنّ البحث فيه من جهة طهارته ونجاسته وكراهته (٧). وذلك لا اختصاص له بالشرب.

وأنت خبير بأن ذلك لا يوجب تعميم معنى السؤر ولا اعتبار القلّة الشرعية مع عدم أخذه في معناه اللغوي ؛ لإمكان إثبات بعض أحكام السؤر للكثير أيضا بعد صدق اسمه عليه

__________________

(١) في ( د ) : « شيخه ».

(٢) الصحاح ٢ / ٦٧٥ ( سأر ).

(٣) النهاية ٢ / ٣٢٧ ( سأر ).

(٤) مجمع البحرين ٢ / ٣١٤ ( س أ ر ).

(٥) كشف اللثام ١ / ٣٠.

(٦) جامع المقاصد ١ / ١٢٣.

(٧) في ( د ) : « كراهة ذلك بدل : « كراهته وذلك ».

٢٩١

بحسب اللغة ، وجواز اختصاصه ببعض الأحكام من جهة ملاقاة الفم ـ إن ثبت أخذه فيه في اللغة ـ على أن اشتراك غيره له في الحكم لا يقضي بالتعميم في الاسم.

فالأظهر اتّحاد معناه في اللغة والعرف كما هو ظاهر الاستعمالات ، ويومي إليه ملاحظة إطلاقه في الروايات.

مضافا إلى أصالة عدم النقل.

وقد صرح به في غرر الجامع ، ويحتمل قويا كون معناه اللغوي الأصلي مطلق التبقية (١) كما يومي إليه ملاحظة لفظ السؤر.

هذا ، والاختلاف الواقع في تفسيره إنّما هو في أمور ثلاثة :

أحدها : في اختصاصه بالماء أو تعميمه لسائر المائعات أو الجوامد المشتملة على الرطوبة المسرية أو غيرها أيضا. والظاهر أنه لا ينبغي التأمل في شموله لغير الماء من المائعات. وكأنّ (٢) من خصّصه بالماء راعى خصوصيّة المقام لا اختصاص مفهومه عنده بالماء. وكأنّ الأظهر صدقه بالنسبة إلى غير المائعات مع حصول الرطوبة المسرية في أحد الملاقيين.

وفي صدقه مع اليبوسة وجهان أظهرهما العدم.

ثانيها : في اشتراط القلّة في الماء ونحوه أو عدمه. والظاهر اعتباره فيه كما يظهر من ملاحظة العرف لكن (٣) لا يعتبر فيه خصوص القلّة الشرعيّة ، فقد يصدق مع الكثرة الشرعيّة (٤) في المقام فكأنّه بنى على دوران الأحكام على القلّة في المقام.

وفيه ما عرفت.

ثالثها : في اشتراط الشرب والأكل أو الاكتفاء بمجرّد ملاقاة الفم أو أيّ جزء كان من أجزاء البدن. ولعلّ الأظهر الأوّل مع مراعاة ملاقاة الفم أو ما بمنزلة أو غيره من أجزاء البدن.

__________________

(١) في ( ألف ) : « مطلقا التقيّة ».

(٢) لم ترد في ( ب ) : « وكأنّ من .. غير المائعات ».

(٣) في ( ألف ) : « لكي ».

(٤) زيادة في ( د ) : « إذا كان قليلا بالنسبة إلى الحيوان الوارد عليه ومن اعتبر القلّة الشرعيّة ».

٢٩٢

وفي الاكتفاء بمجرد ملاقاة الفم وإن لم يشرب أو يأكل منه وجه قويّ إلّا أنّ الأظهر عدم الاكتفاء في صدق الاسم بمجرّده.

نعم ، لو أدخله في فضاء الفم ولم يبقه احتمل قويّا صدق اسم السؤر على الباقي ، وأمّا مجرد ملاقاة سائر الأجزاء فالظاهر عدم الاكتفاء في تحقق السؤر به (١) كما لا يخفى على من راجع العرف وإن شاركه في الطهارة والنجاسة ؛ لما عرفت من أن الاشتراك في الحكم لا يقضي بالتعميم في الاسم ، وإلا يجري في ملاقاة سائر الأشياء.

__________________

(١) في ( د ) : « السؤريّة » بدل : « السؤر به ».

٢٩٣

تبصرة

[ في تبعية السؤر للحيوان في الطهارة والنجاسة ]

الظاهر أن السؤر تابع للحيوان في الطهارة والنجاسة :

أما في النجاسة فظاهر بعد الحكم بانفعال القليل. وأمّا في الطهارة فلظهور عدم قابلية الطاهر للتنجيس ؛ إذ هو فرع نجاسة المنجّس كما هو واضح من ملاحظة الشرع.

وظاهر عبارة الحلي ـ القول بنجاسة بعض الأشياء على ما سيأتي مع حكمه بطهارة الحيوان كما يظهر من غيره أيضا في بعض الأسئار ـ ضعيف جدّا ، ويمكن حمله على إرادة مجرّد المنع من الاستعمال وإن كان طاهرا.

ثمّ إنّه [ كما ] يحكم بطهارته يحكم بجواز استعماله في رفع الحدث والخبث وسائر الاستعمالات على المعروف بين الأصحاب ؛ للأصل ، والاستصحاب ، والعمومات ، وخصوص صحيحة البقباق : عن فضل الهرة والشاة والبقر والابل والحمار والخيل والبغال والوحش والسباع ، فلم أترك شيئا إلا سألته عنه ، فقال : « لا بأس » حتى انتهيت إلى الكلب ، فقال : « رجس نجس لا تتوضّأ بفضله وأصيب ذلك الماء (١) » (٢).

ومناقشة بعض الأفاضل ودلالتها بأن معناها « أنّي لم أترك شيئا منها الذي خطر ببالي وقت السؤال » ، وحينئذ كيف يحصل لنا العلم بتذكّره للمختلف وقت السؤال ليندرج في العموم المذكور حتّى يتمّ الاحتجاج؟!

مدفوعة ؛ بأنّ ما ذكره خروج عن ظاهر الكلام وإنّما حملها عليه لعدم إمكان وقوع السؤال عن الجميع بحسب العادة.

__________________

(١) لم ترد في ( د ) : « بفضله واصيب ذلك الماء » .. إلى : « عدّة من الأخبار الدالّة .. ».

(٢) الإستبصار ١ / ١٩ ، باب حكم الماء إذا ولغ فيه الكلب ح ١٤٠.

٢٩٤

وأنت خبير بأنّه لا مانع من وقوع السؤال عن الجميع الحيوان (١) شاملا لكثير من الأنواع ، فيمكن استيفاء جميع الأنواع بذكر عناوين مخصوصة شاملة لها ، فلا مانع من حمل العبارة عليه.

ومعه لا وجه لصرفها عن العموم ، فيقيّد حينئذ طهارة جميع الاشياء ما عدا الكلب. ولا بدّ حينئذ من استثناء الخنزير والكافر وإن قلنا بشموله للإنسان لما دلّ على نجاستهما من الأخبار والإجماع.

وهناك أخبار أخر يعرف منها طهارة جملة من الأسئار كالصحيح عن السؤر قال : « لا بأس أن تتوضأ من فضلها إنّما هي من السباع » (٢).

ويستفاد من التعليل جريان الحكم في سائر السباع.

ونحوه خبر آخر : « لا تدع فضل السؤر إن تتوضأ منه إنّما هي سبع » (٣). وقد وصفه العلّامة بالصحّة.

وفي موثقة عمّار ، عن الصادق عليه‌السلام : أنّه سئل عمّا يشرب منه باز أو صقر أو عقاب؟ فقال : « كلّ شي‌ء من الطير يتوضأ ممّا يشرب منه إلّا أن ترى في منقاره دما .. » (٤) الخبر.

وفي رواية أبي بصير : « فضل الحمامة والدجاج لا بأس به .. » (٥) إلى غير ذلك.

مضافا إلى الشهرة بين الأصحاب ، وعدم قيام دليل واضح على المنع كما سيبيّن من ملاحظة ما احتجّوا به على المنع.

هذا ، وقد وقع الكلام في المقام في أمور :

__________________

(١) كذا ، والمراد جميع أنواع الحيوان ، ولعل العبارة : جميع الحيوان.

(٢) الإستبصار ١ / ١٨ ، باب حكم الماء إذا ولغ فيه الكلب ح (٣٩) ١ ، تهذيب الأحكام ١ / ٢٢٥ ، باب المياه وأحكامها وما يجوز التطهير به وما لا يجوز ح ٢٧.

(٣) تهذيب الأحكام ١ / ٢٢٧ ، باب المياه وأحكامها وما يجوز التطهير به وما لا يجوز ح ٣٦.

(٤) الكافي ٣ / ١٠ ، باب الوضوء من سؤر الدواب والسباع والطير ح ٥.

(٥) الكافي ٣ / ٩ ، باب الوضوء من سؤر الدواب والسباع والطير ح ٢ ، تهذيب الأحكام ١ / ٢٢٨ ، باب المياه وأحكامها وما يجوز التطهير به وما لا يجوز ح ٤٢.

٢٩٥

أحدها : سؤر [ ما ] لا يؤكل لحمه من الحيوان عدا الكلب والخنزير. والمعروف فيه جواز الاستعمال. وفي الغنية الإجماع على طهارة سؤر الحيوان الطاهر. الظاهر إطلاقه في عدم تحقق المنع منه.

وفي التذكرة والذخيرة أنه المشهور.

وعن كشف الالتباس أن عليه عامّة المتأخرين وكثير من المتقدمين.

وفي المدارك أن عليه عامة المتأخرين.

وعن الشيخ في التهذيب المنع من سؤر ما لا (١) يؤكل لحمه ما عدا الطيور والسؤر.

ونحوه ما في الإستبصار أنّه ذكر الفأرة في مكان السؤر.

وقد يستظهر منه اباحة كل ما لا يتيسّر الاحتراز عنه.

وعن المبسوط والمهذب المنع من سؤر ما لا يؤكل لحمه من حيوان الحضر غير الآدمي والطيور. أما ما لا يمكن التحرّز (٢) عنه كالهرّة والفأرة واتّجه (٣).

وعن الحلي التصريح بنجاسة سؤر ما لا يؤكل لحمه من حيوان الحضر عدا الطيور مطلقا ـ جلّالة كانت أو برّية أو حضرية ـ وما لا يمكن التحرّز عنه. ونصّ على طهارة سؤر جميع حيوانات البرّ حتّى السباع والمسوخ. وكأنه أراد بالنجاسة المنع من الاستعمال ؛ إذ لا يتصوّر نجاسة الماء من دون ملاقاة للنجاسة كما مرّت الإشارة إليه.

وقد يحتجّ على تفصيل الشيخ في المبسوط ، أمّا بالنسبة إلى المنع من سؤر ما لا يؤكل لحمه من حيوان الحضر ، فإطلاق موثقة الفطحيّة ، عن الصادق عليه‌السلام قال : يسئل من ماء يشرب منه الحمام؟ فقال : « كلّما يؤكل لحمه يتوضّأ من سؤره ويشرب ».

لدلالتها بالمفهوم على عدم جواز الوضوء والشرب لسؤر ما لا يؤكل لحمه.

وأورد عليه : تارة بالمناقشة في عموم الرواية لسائر ما لا يؤكل لحمه ؛ لاحتمال عود

__________________

(١) لم ترد في ( ب ) : « ما لا يؤكل لحمه .. في مكان السؤر ».

(٢) في ( ب ) : « التجوّز ».

(٣) كذا في المخطوطات.

٢٩٦

الضمير في قوله « يؤكل لحمه » إلى الحمام المذكور في السؤال.

وتارة بأنّ الدلالة عليه من قبيل مفهوم الوصف ولا حجّة فيه عند المحققين.

وأخرى بأنه لا يفيد انتفاء الحكم عن كلّ أفراد المخالف للمنطوق ؛ إذ رفع الإيجاب الكلي يكفي في تحقّقه السلب الجزئي الصادق مع الحكم بنجاسة سؤر الكلب والخنزير.

وقد يدفع الأوّل بأنّه لا وجه لعود الضمير إلى الحمام ، وإلّا بقي الموصول من دون العائد ، وظاهر الموصول تعميم الحكم لكلّ ما لا يؤكل ، فكيف مع إضافة الكلّ إليه إلّا أن يقال بأن تقدّم الحمام قرينة على كون الموصول للعهد ، فيفيد عموم الحكم لأفراد المعهود.

وفيه تأمّل لظهور سياقه في العموم.

والثاني : بأنّ ظاهر العبارة تعليق الحكم عليه ، وهو يؤمي بأنّ المناط فيه مأكولية اللحم فينتفي الحكم في غيره.

على أنّ روايته الأخرى ظاهرة في الاشتراط ، رواها الشيخ والصدوق عنه ، عن الصادق [ عليه‌السلام ] قال : « كلّما يؤكل لحمه فليتوضّأ من سؤره ويشرب » (١).

وفي خبر آخر : « كلّ شي‌ء يجتر فسؤر حلال ولعابه حلال » (٢).

وهاتان الروايتان أظهر دلالة من الخبر المذكور.

والثالث : بأنّ ظاهر المفهوم في مثل هذا المقام التبعيّة للمنطوق في العموم كما هو ظاهر من ملاحظة العرف. وقد حقّق الكلام فيه في محله.

مضافا إلى تأيّده بمرسلة الوشّاء : « أنه كان يكره سؤر كلّ شي‌ء لا يؤكل لحمه » (٣).

مع ما دلّ على عدم كراهة الإمام عليه‌السلام للحلال.

وأنت خبير بأنّ هذه الروايات ليس فيها دلالة واضحة على المنع حتّى يمكن الاستناد

__________________

(١) تهذيب الأحكام ١ / ٢٢٤ ، باب المياه وأحكامها وما يجوز التطهر به وما لا يجوز ، ح ٢٥.

(٢) من لا يحضره الفقيه ١ / ٨ ، ح ٩ ، تهذيب الأحكام ١ / ٢٢٨ ، باب المياه وأحكامها وما يجوز التطهير به وما لا يجوز ح ٤١.

(٣) الكافي ٣ / ١٠ ، باب الوضوء من سؤر الدواب والسباع والطير ح ٧.

٢٩٧

إليها في المنع مع ما في الحكم به من العمد والمخالفة للقواعد ، سيّما مع قيام الشهرة على خلافه.

مضافا إلى معارضته بما مرّ ، واعتضاد المعارض بالأمثل والعمل.

نعم ، بعد ملاحظة الأخبار المذكورة كما اختاره غير واحد من الأجلّة ، مضافا إلى الخروج عن خلاف من خالف فيه ، وأنكره جماعة من المتأخرين في ظاهر كلامهم ؛ نظرا إلى ضعف الأخبار المذكورة سندا ودلالة.

ولا يخفى وهنه بعد التسامح في أدلّة السنن. وأما بالنسبة إلى استثناء حيوان الوحش فلما دلّ على عدم البأس بالمياه المورودة لها كظاهر الصحيحة المتقدمة وغيرها.

وأمّا بالنسبة إلى ما لا يمكن الاحتراز عنه فالحرج المنفي في الشريعة في الآية والرواية.

ويدلّ على استثناء الطيور كما في كتابي الحديث ما دلّ على عدم البأس بسؤر الطيور كالموثّق : « كلّ شي من الطير يتوضّأ مما يشرب منه » (١) ، ورواية أبي بصير المتقدمة ، وعلى استثناء السؤر كما في التهذيب عدّة من الأخبار الدالّة على عدم البأس به. وقد جرت (٢) الإشارة إلى عدّة منها.

ولا يخفى عليك أن الأخبار المذكورة ليست ببيّنة الدلالة على انتفاء الكراهة ، فلا يبعد البناء على الكراهة في سؤر ما لا يؤكل لحمه من الحيوان على سبيل الإطلاق.

وتحمل هذه الأخبار على بيان الجواز أو يقال بتخفيف الكراهة بالنسبة إليها سيّما السنّور ؛ لاستفاضة الأخبار فيها ، وفي التعليل الوارد فيها إشارة إلى الأوّل.

ثانيها : ذهب الشيخ في المبسوط (٣) والنهاية إلى المنع من سؤر أكل الجيف من الطيور. وعن المبسوط المنع من سؤر أكل الجيف مطلقا.

وحكي ذلك أيضا عن المهذب.

وهو ضعيف لا مستند له إلّا أن يستند فيه إلى ما دلّ على المنع من سؤر ما لا يؤكل لحمه ،

__________________

(١) تهذيب الأحكام ١ / ٢٢٨ ، باب المياه وأحكامها وما يجوز التطهير به وما لا يجوز ح ٤٣.

(٢) في ( د ) : « مرّت ».

(٣) في ( د ) : « ظاهر » بدل : « المبسوط و ».

٢٩٨

فلا فائدة في خصوصية العنوان مع ما عرفت من وهنه.

وقد أطلق جماعة من الأصحاب فيه القول بالكراهة كما عن المقنعة والمراسم والمعتبر والشرائع (١) والقواعد والدروس واللمعة وغيرها.

وفي المدارك والكفاية حكاية الشهرة عليه.

وقد ناقش غير واحد (٢) من المتأخرين ؛ لعدم العثور على دليل الكراهة.

وهو في محلّه إن كان الملحوظ ثبوت الكراهة لخصوصية العنوان ، والّا فما دلّ على كراهة سؤر ما لا يؤكل لحمه دالّ عليه. مضافا إلى أنّ أفواهها في معرض النجاسة دائما. ويؤيّدها حكم الجماعة فيها بالكراهة.

ثالثها : سؤر الجلال ، فعن الإسكافي والسيد والقاضي المنع من سؤره. ونحوه عن الشيخ في المبسوط إلّا أنّه قيّده بجلال الطيور.

وقد نصّ جماعة من الأصحاب فيه الكراهة منهم الديلمي والفاضلان في غير واحد من كتبهما ، والشهيد في الدروس واللمعة ، وغيرهم.

وفي المدارك والكفاية حكاية الشهرة عليه. ولم نجد مستندا للمنع بل ناقش غير واحد من المتأخرين في ثبوت الكراهة.

وهو في محلّه مع ملاحظة خصوصية العنوان كما مرّ.

وإن أريد مطلق الكراهة فيمكن الاستناد فيه إلى ما دلّ على كراهة سؤر ما لا يؤكل لحمه ممّا مرّ الّا أنّه يمكن المناقشة فيه بانصرافه إلى ما لا يؤكل لحمه بالأصل أو مطلقا مع استمرار المنع ، دون ما لا يؤكل لحمه لعارض يمكن زواله. وربّما يحتج له بالصحيح : « لا تأكلوا لحوم الجلالة وإن أصابك عرقها فاغسله ».

وحيث كان ذلك محمولا على الكراهة أفاد كراهة سائر الرطوبات.

وهو كما ترى.

__________________

(١) في ( ب ) زيادة : « والسرائر ».

(٢) زيادة في هامش ( د ) : « صاحب المدارك والفاضل الهندي ».

٢٩٩

وقد يكتفى في ثبوت الكراهة بفتوى الجماعة المعتضدة بالشهرة المنقولة ، وإطلاق ما عرفت من الأدلّة وهنه مجبور بحكم الجماعة.

رابعها : سؤر المسوخ. والقول بنجاسته لازم كلّ من قال بنجاستها ، فلا خصوصية بالمقام إلّا أنّ الشيخ ـ وهو ممّن يقول بنجاسة المسوخ ـ صرّح في الاقتصاد بأنّها مباحة السؤر نجسة الحكم ، فإن صحّ ذهاب سائر المنجسين إليه ارتفع الخلاف في المقام.

خامسها : سؤر ولد الزنا فقد نصّ جماعة بالمنع عنه ، وآخرون بكراهته منهم الفاضلان والشهيد. والحكم بالمنع مبنيّ على القول بنجاسته. وهو ضعيف يأتي الكلام فيه في محله.

وأمّا الكراهة فهي قضية بعض الأخبار الدالّة على المنع بحملها على الكراهة لما دلّ على طهارته كما سيجي‌ء القول فيه ، وخروجا عن خلاف من خالف فيه ، فيقيّد به إطلاق ما دلّ على انتفاء الكراهة في سؤر المؤمن كما سنشير إليه.

ثمّ إنّ هنا خلافا في عدّة من الأسئار كسؤر المجسّمة والمشبّهة والمجبّرة وسائر أهل الخلاف بل الفرق المخالفة لأهل الحق.

والقول بالمنع مبنيّ على نجاستها.

والبناء على الكراهة في جميع من خالف الحق غير بعيد خروجا عن الخلاف ، وأخذا بفحوى ما دلّ على كفر من أنكر الولاية وإن لم يحكم بكفرهم في ظاهر الشريعة.

٣٠٠