تبصرة الفقهاء - ج ١

الشيخ محمد تقي الرازي النجفي الاصفهاني

تبصرة الفقهاء - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمد تقي الرازي النجفي الاصفهاني


المحقق: السيد صادق الحسيني الإشكوري
الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الذخائر الإسلامية
المطبعة: مطبعة الكوثر
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-988-000-6
ISBN الدورة:
978-964-988-003-7

الصفحات: ٥٢٨

تبصرة

[ في تنجس ما دون الكر من الماء الراكد ]

ما دون الكرّ من الماء الراكد ينجّس بمجرّد ملاقاة النجاسة على المشهور بين علمائنا ، بل اتّفقت عليه كلمة الأصحاب من زمن المفيد إلى زمان صاحب المفاتيح ، فاختار (١) القول بعدم انفعال القليل تبعا لابن أبي عقيل.

وتبعه على ذلك جماعة من متأخري المتأخرين وفصّل السيد المرتضى (٢) بين ورود الماء على النجاسة وورودها عليه ، فحكم بالانفعال بالثاني (٣).

واستوجهه في المدارك (٤).

ونفى عنه البعد في التبصرة (٥) لما ستعلم.

وهذه المسألة وإن طال الكلام فيها بين المتأخّرين من علمائنا الأعلام ووسّعوا المقال فيها إلّا أنّها بعد الرجوع إلى أقوال العلماء الأجلّة والنظر في الطريقة المعلومة والسيرة المألوفة بين الشيعة من قديم الدهر إلى يومنا هذا ، مضافا إلى الإجماعات المنقولة المعتضدة بعدم ظهور خلاف ـ إلّا ممّن ندر ـ فيها مع عموم البلوى فيها (٦) وشدّة الحاجة إليها ، ممّا لا ينبغي الشكّ فيها

__________________

(١) روض الجنان : ١٢٩ ، ذخيرة المعاد ١ / ١٢١.

(٢) المسائل الناصريات : ٧٢ ـ ٧٣.

(٣) في ( د ) : « في الثاني ».

(٤) مدارك الأحكام ١ / ٤٠.

(٥) تبصرة المتعلمين : ١٥ ، لكن في ( د ) : « في الذخيرة » ، بدلا من : « في التبصرة ».

(٦) في ( د ) : « بها ».

١٢١

و [ لا ] إطالة (١) الكلام في طرقها (٢) وتكثير الأدلّة عليها ؛ لوضوح الحال فيها ممّا (٣) بيّنّا.

مضافا إلى ما دلّ عليها من النصوص المستفيضة المتكثرة الّتي كادت أن تكون متواترة بالمعنى ، لكن لمّا (٤) جرت الطريقة على كتبهم عن أدلّتها وبيان الأخبار الواردة فيها ، فلا بأس لو اقتفينا أثرهم في ذلك بالإشارة إلى بعض ما هنالك ، فنقول :

[ انفعال القليل بملاقاة النجاسة ]

قد ادّعى الإجماع على انفعال القليل بالملاقاة في الناصريات (٥) والخلاف (٦) والتهذيب والاستبصار (٧) وشرح الجمل والجواهر (٨) والغنية (٩) والمختلف وحكى في المختلف (١٠) أيضا اتّفاق علمائنا عدا ابن أبي عقيل عليه.

وفي التنقيح والمهذّب البارع (١١) حكاية الإجماع عليه إلّا من ابن أبي عقيل.

وقد حكى الإجماع على انفعاله في خصوص سؤر اليهود والنصارى وكلّ كافر في الانتصار (١٢).

وفيه وفي الذكرى الإجماع على نجاسة ماء الولوغ.

__________________

(١) في ( د ) : « لإطالة ».

(٢) في ( د ) : « ولا إطالة الكلام في طريقها » ، بدلا من : « لإطالة الكلام في طرقها ».

(٣) في ( د ) : « عمّا » ، بدلا من : « ممّا ».

(٤) لم ترد في ( د ) : « لما ».

(٥) المسائل الناصريات : ٦٧.

(٦) الخلاف ١ / ١٩٤.

(٧) نسبه إليه في الجواهر ١ / ١٠٥.

(٨) الجواهر ١ / ١٠٥ ، لم ترد في ( ج ) : « والجواهر ».

(٩) غنية النزوع : ٤٦.

(١٠) مختلف الشيعة ١ / ١٧٦.

(١١) المهذب البارع ١ / ٧٨.

(١٢) الانتصار : ٨٨.

١٢٢

وفي السرائر (١) نفي الخلاف عن المنع من استعمال أحد الإنائين إذا وقع فيه نجاسة ولم يعلمه بعينه.

وفي المنتهى (٢) حكاية الإجماع على نجاسة المستعمل للجنب والحائض وشبههما (٣) إذا كان على جسده نجاسة عينيّة وكان أقلّ من كرّ ، وعلى نجاسة سؤر الخنزير وعلى نجاسة سؤر الكلب عدا بعض من (٤) العامّة.

قلت : وبملاحظة هذه الإجماعات المحكيّة مضافا إلى السيرة المستمرّة بين الفرقة الناجية قديما وحديثا يمكن القطع بالإجماع في المسألة.

وأمّا الأخبار الدالّة على ذلك ـ مطلقا أو في موارد مخصوصة ، فيستدلّ بها لذلك بانضمام عدم القول بالفصل (٥) ـ كثيرة جدّا بل لا يبعد بلوغها حدّ التواتر المعنوي كما ادّعي ، منها الأخبار الواردة في الكرّ ، وهي أيضا قريبة من التواتر.

وفي المعالم : إنّها كادت أن تبلغ في الكثرة حدّ التواتر المعنوي ، فمن ذلك الصحاح المستفيضة : « إذا كان الماء قدر كرّ لم ينجّسه شي‌ء » (٦) فإنّ قضيّة مفهومها نجاسة الماء الّذي دونه ببعض النجاسات الغير المغيّرة وإلّا تساوى (٧) الكرّ فتسقط فائدة الاشتراط.

وبانعقاد الإجماع على عدم الفرق بين النجاسات في ذلك ، يتمّ دلالتها على عموم الانفعال بالنّسبة إليها ، ودلالتها على العموم بالنّسبة إلى المياه وأحوالها من جهة عموم إرادة (٨)

__________________

(١) السرائر ١ / ٨٥.

(٢) منتهى المطلب ١ / ١٣٧ و ١٥٤.

(٣) في ( د ) : « شبهما » ، بدلا من : « شبههما ».

(٤) لم ترد في ( د ) : « من ».

(٥) زيادة في ( د ) : « فيما لا قائل به ».

(٦) كما مرّ.

(٧) في ( ألف ) : « لتساوي ».

(٨) في ( د ) : « أداة ».

١٢٣

الشرط و (١) الموضوع في المنطوق.

أمّا الأوّل : فلأنّه المنساق منه في العرف ، ولو سلّم فالحكمة قاضية به في المقام وإلّا لخرج الكلام عن الإفادة.

أمّا الثاني : فلدلالة تعليق الحكم على الطبيعة (٢) عليه كما قيل ، أو بمعونة الحكمة أيضا. ولا يبعد جريان الحكمة في المفهوم أيضا مع قطع النظر عن عموم المنطوق.

فظهر بما قلنا استفادة عموم الحكم منها بالنسبة إلى أنحاء الملاقاة من الورود على النجاسة وورودها عليه واستعماله في التطهير وغيرها. ويدلّ على هذا التعميم أيضا إطلاق التنجيس الظاهر فيه.

وادّعى بعض الأفاضل دلالتها على انفعال القليل بكلّ واحد من النجاسات نظرا إلى دلالة المنطوق على عدم تنجّس الكرّ بشي‌ء من النجاسات بالعموم الاستغراقي ، فيكون المفهوم تنجّس القليل بكلّ واحد من النجاسات أيضا.

قال : وإلّا لم يكن الكرّ شرطا لكلّ واحد بل للمجموع من حيث المجموع ، فلا يدلّ المنطوق حينئذ على عدم انفعاله بملاقاة بعض النجاسات ، وهو خلاف الفرض والإجماع.

والحاصل أنّ النكرة في سياق النفي يدلّ على العموم الأفرادي لا المجموعيّ ، وبملاحظته يتمّ ما ذكرناه.

ومن الاشتباه بين العمومين يحصل الاشتباه في المقام (٣) قال : فتأمّل جدّا فإنّ المطلب دقيق في الغاية.

أقول : من الواضح أنّ الحكم في المنطوق هو عدم تنجّس الكرّ بشي‌ء من النجاسات ، فيكون قضيّة مفهومه ينجس ما دون الكرّ بشي‌ء منها ، فاشتراط الكرّية إنّما هو في

__________________

(١) لم ترد في ( د ) : « و ».

(٢) في ( د ) : « عليها » ، بدلا من : « عليه ».

(٣) في ( د ) : « بين المفاهيم » ، بدلا من : « في المقام ».

١٢٤

عدم الانفعال بشي‌ء منها المقهور (١) عند عدم الشرط.

ومن الظاهر أنّ رفع عدم الانفعال بشي‌ء إنّما يكون بانفعاله بشي‌ء ، فلا وجه لحمل العبارة على حصول التعليق بالنسبة إلى كلّ واحد من النجاسات زعما منه رحمه‌الله أنّه لولاه لكان المعلّق عدم التنجّس بمجموع النجاسات ، فلا يدلّ على عدم تنجّسه بالبعض.

وهو فاسد لما عرفت من حصول احتمال آخر غير المعنيين المذكورين ، بل ويعيّن الحمل عليه ، فيكون المعلّق على الشرط هو عدم تنجّس الماء بشي‌ء من النجاسات.

و (٢) من الواضح أنّ ذلك لا يستلزم حصول التعليق بالنسبة إلى كلّ واحد واحد ليدلّ على حصول التنجّس بكلّ واحد مع انتفاء الشرط ، كيف ولو كان قضيّة المفهوم ما ذكره رحمه‌الله لكان (٣) قولك : « إذا جئتني لم اعطك شيئا » دالّا على إعطائك جميع الأشياء مع عدم المجي‌ء ، وهو ظاهر البطلان ، لا إشعار في العبارة به بضرورة الوجدان.

ومن ذلك صحيحة علي بن جعفر ، عن الدجاجة والحمامة وأشباههما (٤) تطأ العذرة ثمّ تدخل الماء يتوضّأ منه للصلاة؟ قال : « لا إلّا أن يكون الماء قدر كرّ من ماء » (٥).

والمنع من الوضوء ليس إلّا لأجل النجاسة ؛ إذ لا يشترط بما سوى الطهارة إجماعا ، و (٦) هو المفهوم من الكلام بمعونة المقام.

وصحيحة إسماعيل بن جابر [ في ] الماء الذي لا ينجّسه شي‌ء ، قال : « ذراعان عمقه في ذراع وشبر سعته » (٧).

__________________

(١) في ( ج ) و ( د ) : « المفقود ».

(٢) في ( د ) : « إذ » ، بدلا من : « و ».

(٣) في ( ألف ) : « لمكان ».

(٤) في ( و ) : « أشباهها ».

(٥) الإستبصار ١ / ٢١ ، ح ٤ ؛ تهذيب الأحكام ١ / ٤١٩ ، ح ٤٥ ؛ وسائل الشيعة ١ / ١٥٥ ، ح ١٣ و ١٥٩ ، ح ٤ ؛ بحار الأنوار ٧٧ / ١٤.

(٦) في ( د ) : « بل » ، بدلا من : « و ».

(٧) الإستبصار ١ / ١٠ ، ح ١ ؛ تهذيب الأحكام ١ / ٤١ ، ح ٥٣ ؛ وسائل الشيعة ١ / ١٦٥ ، ح ١ ؛ بحار الأنوار

١٢٥

وظاهر التعريف مساواته للمعرّف ، فيدلّ على تنجّس ما دونه بالملاقاة في الجملة ، وبعدم القول بالفصل يعمّم الحكم بالنسبة إلى النجاسات ، وبظاهر الإطلاقات بالنسبة إلى أنحاء الملاقاة كما مرّ.

.. إلى غير ذلك من الأخبار الواردة في الكرّ.

وفيها دلالة أيضا على شهرة اعتبار الكرّية في الماء عند الشيعة في زمن الأئمّة عليهم‌السلام حتى كرّروا السؤال عنه ، وهم عليهم‌السلام أجابوا تارة بتعيّن المساحة واخرى بضبط الوزن. ومن الظاهر أنّه بناء على القول بعدم الانفعال يكون ذلك لغوا محضا.

وحمله على عدم حصول التغيير معه عادة ممّا يقضي الضرورة بفساده ، ويتأدّى (١) سياق تلك الأخبار ببطلانه ، وكذلك حمل التقدير به على مجرّد المحافظة على المندوب (٢) وطلب الراجح كما لا يخفى.

ومنها : ما دلّ على إراقة الإنائين اللذين وقع في أحدهما نجاسة واشتبه بالآخر ووجوب التيمّم كموثقتي سماعة (٣) وعمّار الساباطي (٤). ومن الظاهر دلالة الأمر بالإراقة في المقام على عدم جواز الانتفاع به فيما هو الغالب في الانتفاع بالماء من الشرب والاستعمال في التطهير من الأحدات والأخباث ونحوها ، وكذا العدول من (٥) الطهارة الاختياريّة إلى الاضطراريّة.

ومنها : الأخبار الدالّة على نجاسة سؤر نجس العين ، وهي أخبار كثيرة مشتملة على الصحاح المستفيضة كصحيحة البقباق (٦) وصحيحة معاوية (٧) بن شريح الصريحتين في

__________________

ـ ٧٧ / ١٨.

(١) في ( د ) : « ينادي ».

(٢) في ( د ) : « محافظة المندوب به » ، بدلا من : « المحافظة على المندوب ».

(٣) الإستبصار ١ / ٢١ ، ح ٣ ؛ تهذيب الأحكام ١ / ٢٢٩ ، ح ٤٥ ؛ وسائل الشيعة ١ / ١٥١ ، ح ٢.

(٤) تهذيب الأحكام ١ / ٢٤٨ ، ح ٤٣ ؛ وسائل الشيعة ١ / ١٥٥ ، ح ١٤.

(٥) في ( د ) : « عن ».

(٦) الإستبصار ١ / ٣٧ ، ح ٤ ؛ تهذيب الأحكام ١ / ٢٣٧ ، ح ١٦ ؛ وسائل الشيعة ١ / ١٨٤ ، ح ٦.

(٧) الإستبصار ١ / ١٩ ، ح ٣ ؛ تهذيب الأحكام ١ / ٢٢٥ ، ح ٣٠ ؛ وسائل الشيعة ١ / ٢٢٦ ، ح ٦.

١٢٦

نجاسة سؤر الكلب وموثقة (١) أبي بصير : « لا يشرب سؤر الكلب إلّا أن يكون حوضا كبيرا يستقى منه » (٢).

وصحيحة سعيد الأعرج عن سؤر اليهودي والنصراني فقال : « لا » (٣).

والصحيح إلى معلّى بن خنيس عن الصادق عليه‌السلام في الخنزير يخرج من الماء فيمرّ على الطريق فيسيل منه الماء ، فأمرّ عليه حافيا؟ فقال : « أليس وراءه شي‌ء جاف؟ » قلت : بلى ، قال : « لا بأس ، إن الأرض يطهّر بعضه بعضا » (٤).

.. إلى غير ذلك من الأخبار.

ومنها : الأخبار الدالّة على نجاسة آنية ولوغ الكلب (٥) والخنزير. ومن الظاهر عدم استلزام الولوغ بملاقاة (٦) الآنية. وسراية النجاسة إليها من دون تنجّس ما فيها واضح الفساد.

والظاهر من تلك الأخبار كون ما في الآنية خصوص الماء كالصحيح عن خنزير شرب من إناء كيف يصنع به؟ قال : « يغسل سبع مرّات » (٧).

وفي الصحيح أيضا عن الكلب يشرب من الإناء قال : « اغسل الإناء » (٨).

ومنها : الأخبار الدالّة على المنع من غسالة الحمّام ؛ ففي الموثّق : « وإيّاك أن تغسل من غسالة الحمّام ففيها يجتمع (٩) غسالة اليهودي والنصرانيّ والمجوسيّ والناصب لنا أهل البيت فهو شرّهم ، انّ الله تبارك وتعالى لم يخلق خلقا أنجس من الكلب وإنّ الناصب لنا أهل البيت

__________________

(١) في المخطوطة : « مؤلفة ».

(٢) الإستبصار ١ / ٢٠ ، ح ٦ ؛ تهذيب الأحكام ١ / ٢٢٦ ، ح ٣٣ ؛ وسائل الشيعة ١ / ١٥٨ ، ح ٣.

(٣) الإستبصار ١ / ٢٣ ، ح ١١ ؛ تهذيب الأحكام ١ / ٢٢٣ ، ح ٢١ ؛ وسائل الشيع ١ / ٢٢٩ ، ح ١.

(٤) الكافي ٣ / ٣٩ ، ح ٥ ؛ وسائل الشيعة ٣ / ٤٥٨ ، ح ٣.

(٥) في ( د ) : « آنية الولوغ للكلب » ، بدلا من : « آنية ولوغ الكلب ».

(٦) في ( د ) : « لملاقاة » ، بدلا من : « بملاقاة ».

(٧) تهذيب الأحكام ١ / ٢٦١ ، ح ٤٧ ؛ وسائل الشيعة ١ / ٢٢٥ ، ح ٢.

(٨) الإستبصار ١ / ١٩ ، ح ١ ؛ تهذيب الأحكام ١ / ٢٢٥ ، ح ٢٧ ؛ وسائل الشيعة ١ / ٢٢٦ ، ح ٣ و ٢٢٨ ح ٣.

(٩) في ( د ) : « تجتمع ».

١٢٧

لأنجس منه » (١).

ومنها : ما دلّ على اعتبار المادّة في اعتصام ماء الحمّام الدالّ بمفهومه على عدمه مع عدمها وكان في تشبيه ماء الحمّام بالجاري إشارة أيضا إلى انفعال غيره بالملاقاة.

ومنها : الأخبار الكثيرة المتظافرة الدالّة منطوقا أو (٢) مفهوما على تنجّس القليل بملاقاة جملة من النجاسات المفروضة فيها كصحيحة عليّ بن جعفر عن رجل رعف وهو يتوضّأ فتقطر قطرة في إنائه ، هل يصلح (٣) الوضوء منه؟ قال : « لا » (٤).

وصحيحة البزنطي عن الرجل يدخل يده في الإناء وهي قذرة؟ قال : « يكفي الإناء » (٥).

وموثقة سماعة : « إذا أدخلت يدك في الاناء قبل أن تغسلها فلا بأس إلّا أن يكون أصابها قذر بول أو جنابة فإن أدخلت يدك في الإناء وفيه شي‌ء من ذلك فأهرق ذلك الماء » (٦).

وهناك أخبار مستفيضة غير ما ذكرنا واردة في هذا المعنى.

ورواية أبي بصير : « ما يبل الميل ـ يعني من النبيذ ـ ينجس حبا من ماء » يقوله ثلاثا (٧).

وفي الحسن : « لا والله ولا قطرة ـ يعني من المسكر ـ قطرت في حبّ إلّا اهريق ذلك الحبّ » (٨).

وعن العيص بن القاسم قال : سألته عن رجل أصابته قطرة من طست (٩) فيه وضوء؟

__________________

(١) وسائل الشيعة ١ / ٢٢٠ ، ح ٥ ؛ بحار الأنوار ٧٣ / ٧٢ ، ح ٥ و ٧٧ / ٣٧ ، ح ٦ و ٧٨ / ٤٧ ، ح ١٤.

(٢) في ( د ) : « و ».

(٣) في ( د ) : « يصح ».

(٤) الكافي ٣ / ٧٤ ، ح ١٦ ؛ من لا يحضره الفقيه ١ / ١٣ ؛ وسائل الشيعة ١ / ١٥١ ، ح ١.

(٥) تهذيب الأحكام ١ / ٣٩ ، ح ٤٤ ؛ وسائل الشيعة ١ / ١٥٢ ، ح ٧.

(٦) الكافي ٣ / ١١ ، ح ١ ؛ وسائل الشيعة ١ / ١٥٢ ، ح ٤.

(٧) الكافي ٦ / ٤١٣ ، ح ١ ؛ تهذيب الأحكام ٩ / ١١٣ ، ح ٢٢٢ ؛ وسائل الشيعة ٣ / ٤٧٠ ، ح ٦ ؛ بحار الأنوار ٥٩ / ٨٩ ، ح ١٦ ، ولا توجد لفظة « يعني » في الرواية.

(٨) الكافي ٦ / ٤١٠ ، ح ١٥ ؛ تهذيب الأحكام ٩ / ١١٦ ، ح ٢٢٠ ؛ وسائل الشيعة ٢٥ / ٣٤١ ، ح ١.

(٩) في ( د ) : « من طشت ».

١٢٨

قال : « إن كان من بول أو قذر فليغسل ما أصابه » (١).

وظاهر إطلاقه يدلّ على عدم الفرق بين الورودين وعلى نجاسة الغسالة.

.. إلى غير ذلك من الأخبار المتكثّرة المذكورة في الأبواب المتفرقة ، من أرادها وقف عليها في مواضعها.

حجة القول بعدم الانفعال ، الأصل والعمومات الدالّة على طهارة الماء وطهوريّته ، وما دلّ على حصر تنجّسه بالتغيير كالحديث المشهور : « خلق الله الماء طهورا .. » (٢) ، الخبر.

وما رواه العماني وادّعى تواتره عن الصادق عليه‌السلام عن آبائه عليهم‌السلام : « إنّ الماء طاهر لا ينجّسه (٣) شي‌ء إلّا ما غيّر لونه أو طعمه أو ريحه » (٤).

والاطلاقات الحاكمة بطهارة الماء الملاقي للنّجاسة إذا خلا عن التغيير من غير تفصيل بين القليل والكثير كالصّحيح في الماء يمرّ به الرجل وهو يقع فيه الميتة والجيفة؟ فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : « إذا (٥) كان الماء قد تغيّر ريحه أو طعمه فلا تشرب ولا تتوضّأ منه ، وإن لم يتغيّر ريحه وطعمه فاشرب وتوضّأ » (٦).

والصحيح عن غدير أتوه وفيه جيفة؟ فقال : « إذا كان الماء قاهرا ولا يوجد فيه الريح فتوضّأ » (٧).

.. إلى غير ذلك من الأخبار الّتي يضاهى ذلك ، وهي كثيرة.

والأخبار الحاكمة بعدم تنجّس الماء مع ظهورها في القليل كموثقة عمّار : سألته عن الرجل هل يتوضّأ من كوز أو إناء غيره إذا شرب على أنّه يهودي؟ فقال : « نعم » ، قلت : فمن

__________________

(١) وسائل الشيعة ١ / ٢١٥ ، ح ١٤ ؛ بحار الأنوار ٧٧ / ١٣٧ ، ح ٧.

(٢) وسائل الشيعة ١ / ١٣٥ ، ح ٩ ؛ بحار الأنوار ٧٧ / ٩ ، ح ٤.

(٣) في ( د ) : « لم ينجسه ».

(٤) مستدرك الوسائل ١ / ١٨٦ ، ح ٥.

(٥) في ( د ) : « إن ».

(٦) الإستبصار ١ / ٩ ، ح ١٠ ؛ تهذيب الأحكام ١ / ٤١ ، ح ٥١ ؛ وسائل الشيعة ١ / ١٣٩ ، ح ٤.

(٧) الكافي ٣ / ٤ ، ح ٤ ؛ وسائل الشيعة ١ / ١٤١ ، ح ١١ و ١٣ ؛ بحار الأنوار ٧٧ / ٢١.

١٢٩

ذلك الماء الّذي شرب منه؟ قال : « نعم » (١).

وحسنة ابن الميسر عن الرجل الجنب ينتهي إلى الماء القليل في الطريق ويريد أن يغتسل وليس معه إناء يغرف به ويداه قذرتان؟ قال : « يضع يده ويتوضّأ ، ثمّ يغتسل هذا ممّا قال الله تعالى ( ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) (٢) » (٣).

وصحيحة عمران (٤) بن يزيد : اغتسل في مغتسل يبال فيه ويغتسل من الجنابة فيقع في الإناء ما ينزو من الأرض فقال : « لا بأس » (٥).

وصحيحة علي بن جعفر : عن رجل رعف فامتخط (٦) فصار (٧) ذلك الدم قطعا صغارا فأصاب إناءه ، هل يصلح الوضوء منه؟ قال : « إذا لم يكن شي‌ء يستبين في الماء فلا بأس ، وإن (٨) كان شيئا بيّنا فلا يتوضّأ (٩) منه » ؛ بحملها في صورة الإبانة (١٠) على حصول التغيير.

ورواية زرارة عن الصادق عليه‌السلام في جلد الخنزير يجعل دلوا فتسقى به الماء؟ قال : « لا بأس » (١١).

وروايته الأخرى عن الباقر عليه‌السلام قلت له : رواية من ماء سقطت فيها فارة أو جرذ (١٢) أو

__________________

(١) الإستبصار ١ / ١٨ ح ٣ ؛ تهذيب الأحكام ١ / ٢٢٤ ح ٢٤ ؛ وسائل الشيعة ١ / ٢٣٠ ح ٣.

(٢) الحجّ (٢٢) : ٧٨.

(٣) الكافي ٣ / ٤ ، ح ٢ ؛ الإستبصار ١ / ١٢٨ ، ح ٢ ؛ وسائل الشيعة ١ / ١٥٢ ، ح ٥.

(٤) في المصدر : « عمر ».

(٥) الكافي ٣ / ١٤ ، ح ٨ ؛ وسائل الشيعة ١ / ٢١٣ ، ح ٧.

(٦) في ( د ) : « فامقظ ».

(٧) في ( ج ) : « وصار ».

(٨) في ( د ) : « وإلّا ».

(٩) الكافي ٣ / ٧٤ ، ح ١٦ ؛ الإستبصار ١ / ٢٣ ، ح ١٢ ؛ تهذيب الأحكام ١ / ٤١٣ ، ح ١٨ ؛ وسائل الشيعة ١ / ١٥١ ، ح ١ ؛ بحار الأنوار ١٠ / ٢٥٦ و ٧٧ / ٢٠ ، ح ١١.

(١٠) استظهرناها كذلك ، وهي في ( د ) غير منقوطة ، وفي ب : « الامامة ».

(١١) تهذيب الأحكام ١ / ٤١٣ ، ح ٢٠ ؛ وسائل الشيعة ١ / ١٧٥ ، ح ١٦.

(١٢) الجرذ والجراذ ، ضرب من الفار سمّي بذلك لأنه يسبّب الجرذ أي العيب والورم والتعقد ، كما في المعجم الزوولوجي الحديث ٢ / ٣٤٩ ـ ٣٥٥ بتفصيل أكثر ، فراجع.

١٣٠

صعوة ميتة؟ قال : « إذا تفسّخ فيها فلا تشرب من مائها ولا تتوضّأ منها وصبّها ، وإن كان غير متفسّخ فاشرب منه وتوضّأ واطرح (١) الميتة إذا أخرجتها طرية ، وكذلك الجرّة وحبّ الماء والقربة وأشباه ذلك من أوعية الماء ».

قال : وقال أبو جعفر عليه‌السلام : « إذا كان الماء أكثر من رواية لم ينجّسه شي‌ء تفسّخ أو لم يتفسّخ إلّا أن يجي‌ء له (٢) ريح يغلب على ريح الماء » (٣).

ورواية أبي مريم الأنصاري : كنت مع أبي عبد الله عليه‌السلام في حائط له ، فحضرت الصلاة فنزح دلوا من ركي له فخرج عليه قطعة عذرة يابسة ، فأكفا رأسه وتوضّأ بالباقي (٤).

وما رواه في المنتهى مرسلا ، عن الباقر عليه‌السلام قال : سئل عن الجرّة والقربة يسقط فيهما فارة أو جرو (٥) أو غيره فيموت فيها؟

قال (٦) : « إذا غلب رائحته على طعم الماء فأرقه وإن لم يغلب عليه فتوضّأ منه واشرب » (٧).

ورواية بكار بن أبي بكر في الرجل يضع الكوز الذي يغرف به من الحبّ في مكان قذر ثمّ يدخله الحبّ؟ قال : « يصيب من الماء ثلاث أكف ثمّ يدلك الكوز » (٨).

ورواية محمّد بن مروان : لو أنّ ميزابين سالا ميزاب ببول (٩) .. الخبر (١٠).

__________________

(١) في ( د ) : « وأخرج ».

(٢) في ( د ) : « منه ».

(٣) الإستبصار ١ / ٨ ، ح ٧ ؛ تهذيب الأحكام ١ / ٤١٢ ، ح ١٧ ؛ وسائل الشيعة ١ / ١٤٠ ، ح ٨.

(٤) الإستبصار ١ / ٤٢ ، ح ٤ ؛ تهذيب الأحكام ١ / ٤١٦ ، ح ٣٢ ؛ وسائل الشيعة ١ / ١٥٥ ، ح ١٢.

(٥) في ( د ) : « جرد » ، والصحيح إمّا ما في المتن لأن الجرو بالواو هو الصغير من أولاد الكلب والسباع ، أو الجرذ بالذال المعجمة قسم من الفار. انظر : معجم الزوولوجي الحديث ٢ / ٣٤٩ و ٣٥٥.

(٦) لم ترد في ( د ) : « قال : ».

(٧) المعتبر ١ / ٤٩ ، وعنه في وسائل الشيعة ( الاسلامية ) ١ / ١٠٤ ، ح ٨.

(٨) الكافي ٣ / ١٢ ، ح ٦ ؛ وسائل الشيعة ١ / ١٦٤ ، ح ١٧.

(٩) في ( د ) : « يبول » ، بدلا من : « ببول ».

(١٠) الكافي ٣ / ١٣ ، ح ٢ ؛ تهذيب الأحكام ١ / ٤١١ ، ح ١٥ ؛ وسائل الشيعة ١ / ١٤٤ ، ح ٦.

١٣١

وقد مضى.

ورواية الحسين بن زرارة ، فقلت : شعر (١) الخنزير يعمل به حبلا يستقى (٢) من البئر الّذي يشرب منها ويتوضّأ منها؟ فقال « لا بأس به » (٣).

ويؤيّد ذلك أيضا ما دلّ (٤) على طهارة ماء الاستنجاء ؛ إذ هو من جملة القليل الملاقي للنجاسة.

وفي بعض تلك الأخبار : « أو تدري لم صار لا بأس به؟ » فقلت : لا والله جعلت فداك! فقال : « إنّ الماء أكثر من القذر » (٥).

والتعليل يقضي جريان الحكم في غيره أيضا.

وإطلاق ما دلّ على طهارة ماء الحمّام وأنّه لولاه لما أمكن التطهير بالقليل إذ كلّما لاقى المحلّ النجس ينجس به ولا يطهره.

والتزام القول بطهوريّة النجس أو القول بتنجّسه بعد الانفصال لا حال الملاقاة الّتي هي السبب أو الفرق بين الورودين مع إطلاق الأخبار تعسّف بحت.

والجواب : أمّا عن الأصل والعمومات فبالخروج عنهما بمقتضى الأدلّة الدالّة على النجاسة ، فيخصّص بها ما دلّ على حصر تنجّسه بالتغيير (٦) بعد الغضّ عن أسانيدها ؛ إذ قد عرفت الحال في الخبر المشهور.

وما ادّعي تواتره عن الصادق عليه‌السلام لم نعثر له في كتب الأصحاب على سند واحد فضلا

__________________

(١) في ( د ) : « فشعر ».

(٢) في ( د ) : « نستقي » ، بدلا من : « يستقي ».

(٣) الكافي ٣ / ٧ ، ح ١٠ ؛ تهذيب الأحكام ١ / ٤٠٩ ، ح ٨ ؛ وسائل الشيعة ١ / ١٧٠ ، ح ٢ ، لكن في هذه الكتب الروائية هكذا : قال : سألته عن الحبل يكون من شعر الخنزير يستقى به الماء من البئر ، هل يتوضأ من ذلك الماء؟ قال : « لا بأس ».

(٤) وسائل الشيعة ١ / ٢٢١ و ٢٢٢ ، ح ١.

(٥) الكافي ٣ / ١٣ ، ح ٥ ؛ وسائل الشيعة ١ / ٢٢٢ ، ح ٢.

(٦) في ( د ) : « بالتغير ».

١٣٢

عن تواتره. وكأنّه أخذه من مضمون الأخبار الكثيرة الواردة في الغدران ونحوها من المياه الواقفة (١) في الطرقات والصحاري ونحوهما (٢) ممّا أشرنا إليها ، فلا يكون دليلا مستقلّا.

والإطلاقات المذكورة كثير منها ظاهر في الكثير لفرض الحكم في بعضها في الغدير أو في حياض أهل البوادي ممّا يردّها السباع والكلاب والبهائم ، وفرض وقوع الجيفة والميتة فيه مع احتمال عروض التغيير وعدمه ، أو فرض وقوع الجيف والقذر وولوغ الكلب وشرب الدوابّ وبولها فيه ، أو وقوع الجيفة مع أمره عليه‌السلام بالوضوء من الجانب الآخر ، أو فرضه في الحياض مع تكرّر البول فيها مع جواب الإمام بالتفصيل .. وغير ذلك ممّا يشهد بفرض الكثرة في الماء بل في (٣) كونها أضعاف الكرّ في كثير منها.

ولو فرض إطلاقها (٤) في بعضها فهو محمول على الكثير تحكيما للأخبار المقيّدة كما هو مقتضى القاعدة والأخبار الظاهرة في إرادة القليل مع أنّ كثيرا منها لا يخلو عن ضعف في الأسناد ، أكثرها لا يخلو من (٥) ضعف في الدلالة ، بل بعضها غير دالّ عليه ؛ لإمكان حمل موثقة عمّار على علوّ الباقي من الماء ، فلا يسري النجاسة إليه ؛ مع معارضتها لأخبار اخر دالّة على نجاسة خصوص سؤر اليهود ، فيحتمل قويّا حملها على التقيّة.

ولفظ « القليل » في حسنة ابن الميسر يعمّ الكرّ (٦) لعدم ثبوت الحقيقة الشرعيّة فيه ، فيقيّد (٧) بالأخبار الخاصّة.

والقذارة أيضا لم يثبت كونها حقيقة في النجاسة الشرعيّة.

وصحيحة عمر بن زيد ليست دالّة على كون ما يقع في الإناء خصوص ما ينزو من

__________________

(١) في ( د ) : « الواقعة ».

(٢) في ( د ) : « نحوها ».

(٣) في ( د ) : « و ».

(٤) في ( د ) : « إطلاق ».

(٥) في ( د ) : « عن ».

(٦) في ( د ) : « ذلك » ، بدلا من : « الكرّ ».

(٧) في ( ج ) : « فيقدّر ».

١٣٣

المكان النجس مع العلم به.

وصحيحة علي بن جعفر لا دلالة فيها على إصابة الدم الماء ، وإنّما تدلّ على إصابة الإناء ، فقد يكون السؤال من جهة حصول الظنّ بملاقاة النجاسة ، فأجاب عليه‌السلام أنّه إن تبيّن شي‌ء في الماء ـ يعني حصل بذلك العلم بإصابة الماء ـ فلا تتوضّأ منه وإلّا فلا بأس.

والرواية في جلد الخنزير ليست معمولا بها عند الأصحاب ؛ لدلالتها على جواز الانتفاع بالميتة ، على أنّها لا تدلّ على طهارة الماء ؛ لظهورها في نفي البأس عن الاستعمال.

ورواية زرارة لا يمكن العمل بها ؛ إذ الفرق بين التفسّخ وعدمه ممّا لا يقول به أحد.

وكذا الفرق في ذلك بين ما كان أكثر من رواية ودونها (١) ، فهي بظاهرها مطروحة عند كافّة الأصحاب ، فلا تصلح للتعويل.

والعذرة في رواية أبي مريم قد تحمل على الطهارة (٢) كما حملت عليها في بعض الروايات مع أنّها لا صراحة فيها بكونها في الماء فلعلّها كانت على الدلو فإكفاء رأسه لإزالتها.

ولفظ « القذر » في رواية بكّار غير صريح في النجس كما مرّ على أنّه يمكن حمل الحبّ على ما يسع الكرّ على ما حكي من حباب ذلك الزمان ، ودلّ عليه بعض الروايات.

وقد يحمل أيضا قوله : « ثمّ يدخله الحبّ » على إرادة إدخاله الحبّ ، فيكون قوله : « يصب من الماء ثلاث أكف » بيانا على تطهير الكوز.

ورواية الحسين بن زرارة لا دلالة فيها على ملاقاة الحبل لما في الدلو. وما ورد في ماء الاستنجاء مقصور على محلّه ؛ إذ لا مقتضى للتسرية من الإجماع وغيره ، والرواية المعلّلة ضعيفة الاسناد.

وكيف كان ، فلا مقاومة للروايات المذكورة بالنسبة إلى ما دلّ على الانفعال ، مضافا إلى اعتضادها بالشّهرة العظيمة عند الأصحاب وجريان السيرة عليه بين الشيعة الأطياب.

وأمّا حكاية عدم إمكان التطهير بالقليل ، فضعيفة جدّا ؛ إذ استبعاد حصول التطهير

__________________

(١) في المخطوطة و ( د ) : « رواية ودونه ».

(٢) في ( د ) : « الطاهرة ».

١٣٤

بالنجس ممّا لا يقوم حجّة في الشرع ، مع أنّه قد ذهب جماعة كثيرون إلى تطهير الأرض النجس بغير التطهير ، فكيف بالماء مع تنجّسه حال التطهير.

حجّة السيد (١) قدس‌سره على التفصيل أنّه لولاه لزم عدم إمكان التطهير بالقليل. وزاد من تبعه من المتأخرين عليه عدم شمول أدلّة انفعال القليل لمثله ، والإجماع (٢) على التسرية ، ومقتضى العمومات طهارته.

وقد عرفت ضعف الوجه الأوّل.

وأمّا الثاني ففيه : أنّه وإن كان أكثر ما دلّ على نجاسة القليل واردا في خصوص ورود النجاسة على الماء إلّا أن جملة من تلك الأخبار متناولة للنوعين كمفهوم (٣) أحاديث الكر والروايات الواردة في المنع من غسالة الحمام معللا بأن فيها غسالة الناصب ومن يحكمه ، وإطلاق مضمرة العيص ابن قاسم المتقدمة ، وإطلاق رواية أبي بصير المذكورة من النبيذ ، ومفهوم رواية علي بن جعفر ، عن أخيه ، قال : سألته عن الشرب في إناء يشرب من الخمر قدحان عند ان أو باطنه؟ قال : « إذا غسله فلا بأس » ، ونحوها موثقة عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، عن الإبريق وغيره بكون فيه خمر يصلح أن يكون فيه ماء؟ قال : « اذا غسل فلا بأس ».

ولو كان الماء مع الورود على النجاسة غير منفعل عنها لما احتج الأواني المذكورة إلى الغسل في موضع الماء فيها ؛ مضافا إلى الشهرة المقارنة للإجماع وظاهر الإجماعات الممكنة.

ولا يذهب عليك أنّ قضية ما استند إليه يخصّص طهارة الوارد بما أزيل به الخبث اقتصارا فيه على قدر الضرورة.

وقد يقال : إنه إذا أورد على ما لا يطهر به صار بتسليط النجس عليه موردا عليه

__________________

(١) الناصريات : ٧٣.

(٢) في ( ب ) و ( ج ) و ( د ) : « لا إجماع ».

(٣) من هنا إلى قوله « الدالة على طهارة جلد الميتة » لم نجده في مصورة نسخة ( ألف ) وأدرجناها من نسخة ( ب ) وأطبقناها مع ( د ).

١٣٥

متنجس به وإن لم ينجس أو الورود فيرتفع الثمرة الظاهرة بخلاف ما لو حصلت بها الطهارة ؛ لعدم انفعاله ، فتأمل.

[ تنبيهات ]

وينبغي التنبيه لأمور :

الأول : المعروف المتّفق عليه بين أصحابنا عدم الفرق في الحكم المذكور بين المياه والنجاسات ، وحالتي الاختيار والاضطرار بل يعدل حينئذ إلى التيمم إلا ما استثنى في المقام مما يجي‌ء الإشارة إليه.

وقد يتراءى من بعض المتأخرين الفرق بين الحالتين ، ولا يدري أنّه مبنيّ على طهارة ذلك الماء في حال الضرورة أو على جواز استعمال ذلك النجس في تلك الحال. وعلى الثاني فهو خارج عن محل البحث.

وكيف كان ، فالوجه فيه ظواهر الأخبار كحسنة ابن الميسّر المذكورة.

وصحيحة علي بن جعفر في اليهودي والنصراني يدخل يده في الماء أيتوضأ منه للصلاة؟ قال : « لا إلّا أن يضطر إليه ».

وصحيحة محمد بن اسماعيل : كتبت أن من يسأله عن القذر يجتمع فيه ماء السماء ويستقى فيه من البئر ، فيستجي‌ء فيه الانسان من بول أو يغتسل فيه الجنب ، ما حده الذي لا يجوز؟ فكتب : « لا تتوضأ من مثل هذا الماء إلا من ضرورة إليه ».

وقوّيه علي بن جعفر عن جنب أصابت يده من جنايته فمسحه بخرقة ثم أدخل يده في غسله قبل أن يغسلها هل يجزيه أن يغتسل من ذلك الماء؟ قال : « إن وجد ماء غيره فلا يجزيه أن يغتسل به وإن لم يجد غيره أجزأ ».

وظواهر عدة الأخبار كما ترى مطرحة عند الأصحاب مخالفة لما مرّ من الروايات ، فإن أمكن تأويلها بما يرجع إلى المشهور وإلّا فلتطرح أو تحمل كالأخبار الدالّة على طهارة القليل على التقية ؛ إذ القول بعدم انفعاله مذهب جماعة من العامة.

١٣٦

واعلم أنه اضطر ظاهر فتاوى الصدوق في هذا الباب نظرا إلى اختلاف الروايات عن السادة الأطياب فإنه رحمه‌الله مع اعتباره الكرية في الماء وحكمه في مقامات (١) شي‌ء بنجاسة القليل الملاقي للنجاسة في موارد مخصوصة ونجاسة الغسالة وعدم فرقه بين الورودين ، ذكر مضمون حسنة ابن الميسر مفتيا به مع ظهوره في جواز استعمال القليل الملاقي للنجاسة مع عدم غيره.

وذكر أيضا مضمون رواية زرارة في الرواية التي وقعت فيها فارة ، والمفصلة بين حالتي التفسخ وعدمه ؛ وذلك يعطي حكمه بعدم (٢) انفعال ما في الرواية (٣) والقرية وحب الماء والجرة (٤) وما أشبهها (٥) من أوعية الماء بملاقاة ميتة الفارة قبل تفسخها والذي يتخيل بالبال (٦) أن بناءه رحمه‌الله إما على حكاية مضامين الأخبار وإن لم يعمل بظاهرها ليكون ذلك رجوعا عما ذكره أولا من اقتصاره على نقل الأخبار التي يفتي بمضمونها ، وهي حجة بينة وبين الله. ويؤيده أنّه ذكر في الباب الرواية الدالّة على طهارة جلد الميتة وجواز استعماله ، وهو ممّا أطبق الأصحاب على خلافه ؛ أو أنّه عمل بمضمون الأخبار المذكورة (٧) مقتصرا على مورد الخبر من دون تسرية ، وهو ممّا يأبى عنه جلالة هذا الشيخ قدس‌سره.

وبعد البناء على ظاهر عبارته يكفي في ضعفه إطباق الشيعة الأبرار على خلافه مضافا إلى ما عرفت من الأخبار.

الثاني : ما علا من الماء على الملاقي منه للنجاسة جاريا عليه لم ينجس بملاقاة الأسفل للنجاسة بلا خلاف.

ويدلّ عليه ـ مضافا إلى الإجماع محصّلا ومنقولا حدّ الاستفاضة السيرة الجارية الّتي

__________________

(١) في ( ب ) : « المقامات » ، والصحيح ما أدرجناه من ( د ).

(٢) في ( ب ) : « بعد ».

(٣) في ( د ) : « الرواية ».

(٤) في ( د ) : « الجرعة ».

(٥) في ( د ) : « وشبهها » ، بدلا من : « وما أشبهها ».

(٦) في ( ب ) : « والذي محل بالاي ».

(٧) في ( د ) : « المزبورة » ، بدلا من : ( المذكورة ».

١٣٧

يقطع منها قول (١) المعصوم ، بل الظاهر أنّه في الجملة من الضروريات الّتي يشترك فيها الفقهاء والعوام (٢).

وأيضا هو خارج عمّا دلّ على تنجّس القليل لعدم شمولها مثل (٣) ذلك.

ولأجل ذلك والإجماع المحكيّ في الروض (٤) يسري الحكم إلى المضاف ونحوه. وسيجي‌ء الكلام فيه إن شاء الله.

ثمّ إنّ الظاهر عدم الفرق بين ما إذا كان علوّه على سبيل التسنيم أو الانحدار الظاهر ، فظاهر (٥) السيرة والإجماعات المحكيّة ـ مضافا إلى ما عرفت من الأصل والشكّ في شمول الإطلاقات لمثل ذلك وفي انسحاب (٦) الحكم فيما لو تدافع الماء مع عدم العلوّ الظاهر أو مساواة المكان أو جريانه من الأسفل كما في الفوارة ـ وجهان من صدق ملاقاته للنجاسة فيشمله ظواهر الإطلاقات الحاكمة بالنجاسة ، ومن أنّ قضية تلك الإطلاقات نجاسة محل الملاقاة كما تقتضيه (٧) العبارة إذا سيقت (٨) بالنسبة إلى سائر الأعيان ، وإنّما يجي‌ء تنجّس غير الملاقي من جهة الميعان المقتضي لسريان النجاسة بالإجماع ، وهو منتف في المقام.

والأوّل لا يخلو عن قرب ؛ لظهور ما دلّ على النجاسة على تنجيس مجموع الماء في مثل ذلك.

مضافا إلى الاحتياط في غالب المقامات.

__________________

(١) في ( د ) : « بقول ».

(٢) في ( د ) : « الأعوام ».

(٣) في ( د ) : « لمثل ».

(٤) روض الجنان : ١٣٩.

(٥) في ( د ) : « لظاهر ».

(٦) في ( ج ) : « السحاب ».

(٧) في ( د ) : « يقتضيه ».

(٨) في ( ب ) : « سقيت » ولعله : « قيست ».

١٣٨

وقطع في البيان (١) بعدم تنجّس ما فوق موضع الملاقاة في الجاري لا عن المادّة ، وإطلاقه يشمل بعض الصور المفروضة.

الثالث : المعروف بين الأصحاب عدم الفرق في تنجيس (٢) الماء بالملاقاة بين قليل النجاسات وكثيرها ، وهو قضيّة جملة من الإطلاقات المذكورة.

وذهب الشيخ (٣) رحمه‌الله إلى عدم تنجّس الماء لملاقاة أجزاء (٤) الصغار من الدم القليل الذي لا تدركه (٥) الطرف كرءوس الإبر لصحيحة علي بن جعفر ، عن أخيه عليه‌السلام.

وقد مرّت الإشارة إليها.

وعدّى الحكم في المبسوط (٦) إلى كلّ النجاسات ؛ لعدم إمكان التحرّز (٧) عنها. وظاهر التعليل قد يومي إلى التسرية إلى غير الماء أيضا.

وقد يستدلّ أيضا بدلالة الرواية عليه بالفحوى. وقد عرفت عدم دلالة الرواية على ذلك.

ومع التسليم فالتسرية إلى غير الدم ممّا لا وجه له. وحكاية غير التحرير غير مسموعة (٨).

الرابع : الظاهر من المذهب عدم الفرق في انفعال القليل الراكد بين ما بعد عن موضع الملاقاة إذا لم يكن متقاربا بعضه إلى بعض وما قرب إليه.

وظاهر المعالم عدم تنجّس ما بعد عن موضع الملاقاة. واستند في ذلك إلى عدم قيام دليل

__________________

(١) البيان : ٤٤.

(٢) في ( د ) : « تنجّس ».

(٣) المبسوط ١ / ٧.

(٤) في ( د ) : « بملاقاة الأجزاء ».

(٥) في ( د ) : « لا يدركه ».

(٦) المبسوط ١ / ٧.

(٧) في ( ج ) : « التحرير ».

(٨) لم ترد في ( د ) : « وحكاية غير التحرير غير مسموعة ».

١٣٩

على النجاسة لاختصاص ما دلّ على انفعال القليل بالمجتمع والمتقارب. وليس مجرّد الاتصال بالنّجس موجبا لانفعاله وإلّا فيسري (١) النجاسة إلى الأعلى لحصوله ، ومع عدم الاكتفاء بمجرّده فلا بدّ من (٢) نجاسة البعيد من دلالة.

نعم ، إن جرى إليه الماء النجس قضي بالتنجيس.

وفيه : أنّ إطلاق ما دلّ على تنجّس القليل يشمل الصورة المذكورة أيضا.

مضافا إلى (٣) السريان اللّازم لميعان الماء وعدم سرايتها (٤) إلى العالي مع قيام الإجماع عليه لا يقضي بانتفائه في غيره مع وجود الفارق بين الأمرين من جهة قوّته على التنجيس (٥) وتدافعه عليه بخلاف صورة المساواة وغيرها.

الخامس : الظاهر إطباق القائلين بنجاسة القليل على عدم الفرق بين جريان الماء ووقوفه.

وذهب بعض المتأخّرين من الأخباريين إلى عدم انفعاله بالملاقاة في الأوّل مع عدم ملاقاة النجاسة لأوّل جزء منه زعما منه تقوّي الأسفل منه بالأعلى ؛ نظرا إلى عدم شمول أدلّة انفعال القليل لمثله.

مضافا إلى ما دلّ بإطلاقه على طهارة (٦) الجاري كقوله عليه‌السلام : « ماء الحمّام بمنزلة الجاري » (٧) و « أنّه كماء النهر يطهّر بعضه بعضا » (٨) حيث لم يقيّد الجاري أو ماء النهر بكونه عن

__________________

(١) في ( د ) : « لسرى » ، بدلا من : « فيسري ».

(٢) في ( د ) : « في » ، بدل من : « من ».

(٣) زيادة في ( د ) : « أن ».

(٤) في ( د ) : « سريانها » ، بدل من : « سرياتها ».

(٥) في ( د ) : « التنجس » ، بدل من : « التنجيس ».

(٦) في ( د ) : « طهورية ».

(٧) تهذيب الأحكام ١ / ٣٧٨ ح ٢٨ ؛ وسائل الشيعة ١ / ١٤٨ ح ١.

(٨) الكافي ٣ / ١٤ ، ح ١ ؛ وسائل الشيعة ١ / ١٥٠ ، ح ٨.

١٤٠