تبصرة الفقهاء - ج ١

الشيخ محمد تقي الرازي النجفي الاصفهاني

تبصرة الفقهاء - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمد تقي الرازي النجفي الاصفهاني


المحقق: السيد صادق الحسيني الإشكوري
الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الذخائر الإسلامية
المطبعة: مطبعة الكوثر
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-988-000-6
ISBN الدورة:
978-964-988-003-7

الصفحات: ٥٢٨

وعن الصدوق وجوب الإعادة إذن ، وهو إن حمل على ظاهره ضعيف محجوج بالمعتبرة المستفيضة المعتضدة بعمل الأصحاب والإجماع.

ومنها : نسيان الاستنجاء من الغائط على ما يستفاد من موثقة سماعة.

ثمّ إنّ قضية إطلاق هذه الموثقة وغير واحد من الأخبار الدالّة على الحكم في نسيان استنجاء البول تعميم الحكم بصورة العمد أيضا ، فلا يبعد القول به.

ومنها : نسيان الاستنجاء بالماء ، وقد استنجى بالاحجار ؛ لموثقة عمّار : في الرجل ينسى أن يغسل دبره بالماء حتّى صلّى إلّا أنّه قد تمسح بثلاثة (١)؟ قال : « إن كان في وقت تلك الصلاة فليعد الصلاة وليعد الوضوء ، وإن كان قد خرجت وقت تلك الصلاة التي صلّى فقد جازت صلاته وليتوضأ لما يستقبل من الصلاة » (٢).

وهي كما ترى لا يخلو من إجمال ، وقد تحمل على عدم كون التمسح مزيلا لعين النجاسة ، فيدلّ على الحكم السابق بعد حملها على الندب.

ولو بنى على إطلاقها ، فالبناء على رجحان إعادة الصلاة لا يخلو من إشكال.

ومن ذلك تبيّن الإشكال في ثبوت الحكم المذكور.

ومنها : مسّ الكلب ؛ للموثق : « من مسّ كلبا فليتوضّأ » (٣).

وقد يحمل على غسل اليد.

هذا ، ولا يذهب عليك أنّ جملة من الأمور المذكورة مما قال فيها بعض العامّة بالنقض ، فحمل ما ورد على ثبوت الوضوء فيها على التقيّة خصوصا ما دلّ منها على وجوب الوضوء قريب جدا ، فيشكل الحال في إثبات الاستحباب إلّا أن يقال بثبوت الندب بمجرّد ورود الرواية ؛ تقديما للحمل المذكور على غيره ، وتسامحا في أدلة السنن مع ما فيه من المبالغة لظاهر أقوالهم عليهم‌السلام ، مع عدم وضوح البناء على التقية فيها.

__________________

(١) زيادة في ( د ) : « أحجار ».

(٢) وسائل الشيعة ١ / ٣١٧ ، باب حكم من نسي الاستنجاء حتى توضأ وصلى ، ح ١.

(٣) الإستبصار ١ / ٨٩ ، باب مصافحة الكفار ومس الكلب ، ح ٢.

٣٨١

فصل

في أحكام الخلوة

ذكرناها في المقام لمناسبتها للوضوء ؛ لتقدّمها عليه في الغالب ولمناسبة ذلك الأحداث ، وكذا الأصحاب لذكرها في الباب.

٣٨٢

تبصرة

[ في ستر العورة ]

يجب على المتخلّي ستر العورة بلا خلاف بين الأصحاب.

ويدلّ عليه بعد الإجماع محصّلا ومنقولا ففي كلام جماعة : قوله تعالى ( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ) (١).

فعن علي عليه‌السلام « معناه : لا ينظر أحدكم إلى فرج أخيه المؤمن أو يمكّنه من النظر إلى فرجه » (٢).

وعن الصادق عليه‌السلام : « كلّ ما كان في كتاب الله من ذكر حفظ الفرج فهو من الزنا إلّا في هذا الموضع ؛ فإنّه للحفظ من أن ينظر إليه » (٣).

مضافا إلى النصوص المستفيضة :

منها : الأخبار المانعة من دخول الحمّام إلّا بمئزر ، وفي بعضها بعد المنع عنه : « ملعون ملعون الناظر والمنظور إليه » (٤).

وفي القوي بعد ذكر ما يفيد مطلوبيّة الاتّزار في الحمّام التعليل بأنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « عورة المؤمن على المؤمن حرام » (٥).

وروى الجمهور عنه عليه‌السلام أنّه قال : « احفظ عورتك إلّا من زوجك أو ما ملكت يمينك » (٦).

__________________

(١) النور : ٣٠.

(٢) وسائل الشيعة ١ / ٣٠٠ ، باب وجوب ستر العورة ، ح ٥.

(٣) من لا يحضره الفقيه ، باب غسل يوم الجمعة ودخول الحمام ، ح ٢٣٥.

(٤) تحف العقول ص ١١ ، وعنه في وسائل الشيعة ٢ / ٣٣ ح ١٣٩٩.

(٥) كتاب المؤمن : ٧٠ ، الكافي ٢ / ٣٥٩ ، باب الرواية على المؤمن ، ح ٢.

(٦) سنن البيهقي ١ / ١٩٩.

٣٨٣

رواها في نهاية الإحكام (١) مستدلّا به.

وكما يجب سترها يحرم النظر إليها بلا خلاف فيه.

ويدلّ عليه أيضا بعد الإجماع محصّلا ومنقولا والآية بمعونة الرواية المذكورة : الأخبار الكثيرة ، وقد مرّت الإشارة إلى بعضها.

وفي حديث المناهي : « نهى أن ينظر الرجل إلى عورة أخيه المسلم ، وقال : من تأمل عورة أخيه المسلم لعنه سبعون ألف ملك ، ونهى المرأة تنظر عورة المرأة » (٢).

وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله : « إذا اغتسل أحدكم في فضاء من الأرض فليجاوز على عورته » (٣).

وفي صحيحة حريز ، عن الصادق عليه‌السلام : « لا ينظر الرجل إلى عورة أخيه » (٤).

ورواه الجمهور عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وزادوا : « ولا المرأة إلى عورة المرأة » (٥).

ويشهد له أيضا الأخبار المستفيضة الدالّة على وجوب ستر عورة الميّت المشتملة على الصحيح وغيره.

وفي [ رواية ] أن « حرمة عورة المؤمن وحرمة بدنه وهو ميّت كحرمته وهو حيّ ، فوار عورته » (٦).

ولا ينافيه الحكم بكراهته في بعض الأخبار ؛ إذ هي أعمّ من الحرمة في لسانهم عليه‌السلام ، فيحمل عليها بقرينة تلك الأخبار ، بل قد يقال بظهورها في نفسها في الحرمة كما يستفاد من بعض الأخبار.

وممّا يقضي العجب منه ما في كلام بعض المتأخرين (٧) من ترجيح الجواز لو لا مخالفة

__________________

(١) نهاية الإحكام ١ / ٧٩.

(٢) من لا يحضره الفقيه ٤ / ٩.

(٣) من لا يحضره الفقيه ٤ / ٤ وفيه : فليحاذر على عورته.

(٤) تهذيب الأحكام ١ / ٣٧٤ ، باب دخول الحمام وآدابه وسننه ، ح ٧.

(٥) سنن البيهقي ١ / ١٩٩.

(٦) قرب الإسناد : ٣١٢.

(٧) هنا في هامش ( د ) : « شارح الدروس ».

٣٨٤

الإجماع استضعافا للرواية واستظهارا بورود الكراهة في تلك الرواية.

والاستدلال بتحريم النظر على وجوب الستر لما في الكشف من الإعانة على الإثم كما ذكره بعض الأفاضل ساقط لوضوح عدم الملازمة بين الأمرين. كيف ويحرم على النساء النظر إلى الرجال ولا يجب عليهم التستر منهنّ بوجه.

وهل يختص المنع في النظر على عورة المسلم أو يعمّ الكافر أيضا؟ قولان.

وفي الحدائق : إن المفهوم من كلام أكثر الأصحاب إطلاق المنع.

ويدلّ عليه جملة من الإطلاقات منها ما مرّ.

ومنها : الموثق : أيتجرّد الرجل عند صبّ الماء ترى عورته أو يصبّ عليه الماء أو يرى هو عورة الناس؟ فقال : « كان أبي يكره ذلك من كلّ أحد » (١).

ومنها : الخبر عن الحمّام ، فقال : « أدخله بمئزر وغضّ بصرك » (٢).

وعن جماعة القول بالجواز ، وهو ظاهر الصدوق. وإليه ذهب صاحب الوسائل والحدائق وغيرهما. ومال إليه صاحب المعالم ؛ لصحيحة ابن أبي عمير ، عن غير واحد من أصحابنا ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « النظر إلى عورة من ليس بمسلم مثل النظر إلى عورة الحمار » (٣).

وروى (٤) الصدوق مرسلا عنه عليه‌السلام : « إنّما أكره النظر إلى عورة المسلم ، فأمّا النظر إلى عورة من ليس بمسلم مثل النظر إلى عورة الحمار » (٥).

مع اعتضاده بالأصل ؛ مضافا إلى اختصاص كثير من أخبار المنع إلى عورة المؤمن.

هذا إذا لم يكن النظر عن شهوة ، ومعها فلا شبهة في المنع ولا خلاف لأحد فيه.

__________________

(١) الكافي ٦ / ٥٠٢ ، باب الحمام ، ح ٢٨.

(٢) تهذيب الأحكام ١ / ٣٧٣ ، باب دخول الحمام وآدابه وسننه ، ح ١.

(٣) الكافي ٦ / ٥٠١ ، باب الحمام ، ح ٢٧.

(٤) لم ترد في ( ب ) : « وروى .. عورة الحمال ».

(٥) من لا يحضره الفقيه ١ / ١١٤.

٣٨٥

ولا فرق بين كون الناظر مسلما أو كافرا ، عاقلا أو مجنونا ، بالغا أو غير بالغ إذا كان مميّزا ، أمّا غير المميّز بحيث لا يميّز العورة عن غيرها فلا يجب التستّر عنه ظاهرا ، بل ولا يحرم النظر إلى عورته أيضا وإن ستر العورة ؛ لعدم وضوح شمول الأدلة الثلاثة.

وفي المرفوعة : « لا يدخل الرجل مع ابنه الحمّام فينظر إلى عورته » (١).

وهي مع ضعفها لا دلالة فيها على المدّعى ؛ ولقيام السيرة المعلومة على عدم التحرّز عن النظر إلى عورة الأطفال الصغار ، ولحاجتهم إلى مباشرة الأمّهات والمربّيات لاستنجائهم وإزالة النجاسات والقذارات عنهم ، ويتعسّر ذلك كثيرا من دون النظر.

والأحوط الاجتناب إذا زاد سنّهم عن الثلاث والأربع.

وفي جواز النظر إلى عورة المميّز أيضا وجه ؛ لاختصاص كثير من الأخبار بالمؤمن.

والأقوى خلافه لما عرفت من الإطلاقات.

ويقوى عدم وجوب الستر عن المجنون أيضا إذا لم يميّز العورة عن غيرها لعدم ظهور شمول الأدلة لمثله ، أمّا النظر إلى عورته فالظاهر المنع فيه ؛ لما عرفت.

ثمّ إنّ الواجب هو ستر جسم العورة بحيث يمنع من مشاهدة لونها وإن ظهر الحجم. ولا فرق بين سترها بالنبات أو الطين أو النورة أو اليد أو غيرها.

وعن أبي جعفر عليه‌السلام : أنّه دخل الحمّام فتنوّر فالقي عنه المئزر. فقيل له في ذلك؟ فقال عليه‌السلام : « أما علمت أنّ النورة قد يستر العورة؟! » (٢).

ونحوها الظلمة المانعة من الرؤية ، وكذا البعد.

ولو منعا عن رؤية اللون دون الحجم قوي المنع ؛ لصدق رؤية الجسم معه ، وظاهر الأدلّة المنع عنه.

نعم ، إذا لم ير منه سوى الشبح من دون تشخيصها بوجه قوي (٣) الجواز.

__________________

(١) الكافي ٦ / ٥٠١ ، باب الحمام ، ح ٢٣.

(٢) الكافي ٦ / ٥٠٢ ، باب الحمام ، ح ٣٥ باختلاف.

(٣) في ( ألف ) : « نفي ».

٣٨٦

ثم إن الذّكر والبيضتين والدّبر عورة في الرجل بلا خلاف فيه.

وفي المدارك : حكاية الإجماع عليه مستفيض في كلامهم.

والظاهر أنّ ما عدا ذلك ليس من العورة ، وهو المشهور.

وفي السرائر الاجماع عليه.

وفي المنتهى : إنّ عليه أكثر علمائنا.

وفي البحار وغيره : إنّه المشهور ؛ للمرسل : « العورة عورتان : القبل والدبر ، والدبر مستور بالألتين ، فإذا سترت القضيب والبيضتين فقد سترت العورة » (١).

قال الكليني : وفي رواية أخرى : « فأمّا الدّبر فقد سترته الأليتان ، وأمّا القبل فاستره (٢) بيدك » (٣).

وفي مرسلة الفقيه : « الفخذ ليست من العورة » (٤).

وضعفها منجبر في الأصل بعمل الأصحاب.

وعن القاضي : أنّها ما بين السرّة والركبة.

وجعلها السيّد رواية. وكأنّه أشار إلى رواية بشر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام : « أنّه دخل الحمّام فاتّزر بإزار فغطّى ركبتيه وسرّته ، ثمّ أمر صاحب الحمّام قطع جسده .. » إلى أن قال : ثمّ قال : « هكذا فافعل » (٥).

وفيه بعد الغضّ عن منع ظهورها أنّها ضعيفة ، ولا جابر لها.

مضافا إلى عدم صراحتها في الوجوب ، فليحمل على الندب جمعا.

وعن الحلبي (٦) : أنّها ما بين السرّة إلى نصف الساق. ولم نقف على مستنده ، بل حكى في

__________________

(١) الكافي ٦ / ٥٠١ ، باب الحمام ، ح ٢٦.

(٢) في ( ب ) : « ما سترت » بدل « فاستره ».

(٣) الكافي ٦ / ٥٠١ ، باب الحمام ، ح ٢٦.

(٤) من لا يحضره الفقيه ١ / ١١٩ ، وفيه : الفخذ ليس.

(٥) الكافي ٦ / ٥٠١ ، باب الحمام ، ح ٢٢ باختلاف.

(٦) الكافي للحلبي : ١٣٩.

٣٨٧

المعتبر (١) والمنتهى (٢) إجماع علمائنا على عدم كون الركبة من العورة.

وعورة المرأة بالنسبة إلى الأجانب تمام بدنها إلّا ما استثني ، وبالنسبة إلى المحارم ما عدا من يحلّ له وطئه ومن بحكمه كالرجل.

ويأتي الكلام فيها إن شاء الله.

والخنثى يلحق بالمرأة عندهم.

ثمّ إنّ الظاهر خروج ما بين العورتين منها ، وكذا الشعر النابت حولها.

وفي النابت عليها وجهان.

وفي ذكر الخنثى المحكوم بالانوثية أو فرجه مع الحكم برجوليته وجهان ؛ أقربهما الخروج.

أمّا الممسوح فلا يبعد جريان حكم العورة بالنسبة إلى المنفذ المعدّ فيه ؛ لدفع الفضلتين على تأمل فيه إن لم يكن فيما يقارب الموضع المعتاد.

ولا فرق في العورة بين اتّصالها بالبدن وانفصالها عنه ، وكذا بين كلّها وبعضها ؛ للأصل والإطلاقات.

وكأنّه لا خلاف فيه.

__________________

(١) المعتبر ٢ / ١٠١.

(٢) منتهى المطلب ١ / ٢٣٦.

٣٨٨

تبصرة

[ في تحريم استقبال القبلة واستدبارها ]

[ حال البول والتغوّط ]

المعروف بين الأصحاب تحريم استقبال القبلة واستدبارها حال البول والتغوّط مطلقا.

وفي الخلاف (١) والغنية (٢) الإجماع عليه.

وفي جملة من كتب المتأخرين كالذخيرة (٣) والبحار (٤) وكشف اللثام أنّه المشهور.

وظاهر ما حكي عن الإسكافي عدم التحريم مطلقا ؛ لحكمه باستحباب ترك الاستقبال في الصحراء ، ولم يذكر الاستدبار ولا الحكم في البنيان (٥).

وحكي القول به عن المفيد أيضا. وإليه ذهب جماعة من المتأخرين كصاحبي المدارك والذخيرة وغيرهما.

وعن الديلمي التفصيل بين الصحاري والبنيان ، فتحرم في الأول ويكره في الثاني. وحكي القول به عن الديلمي. وعزاه في المعتبر (٦) إلى المفيد.

وعبارته في المقنعة (٧) لا يخلو من إجمال.

__________________

(١) الخلاف ١ / ١٠١.

(٢) غنية النزوع : ٤٨٧.

(٣) ذخيرة المعاد ١ / ١٦.

(٤) بحار الأنوار ٧٧ / ١٦٩ ، باب آداب الخلاء.

(٥) في ( ب ) : « البيان ».

(٦) المعتبر ١ / ١٢٢.

(٧) المقنعة : ٤١.

٣٨٩

وفي المختلف (١) بعد نقل عبارته أنّه يعطي الكراهة في الصحاري والإباحة في البنيان ، وقد تحمل على ما يوافق المشهور.

ويؤيّده أنّ في عبارة الشيخ ما يقارب كلامه ، ولم ينسب إليه الخلاف في كلام أحد من الأصحاب.

واحتمل في نهاية الإحكام (٢) اختصاص النهي عن الاستدبار بالمدينة المشرفة ونحوها ممّا يساويها في الجهة ؛ لاستلزامه استقبال بيت المقدس ، وهو اعتبار محض لا شاهد عليه.

والأظهر المنع مطلقا.

ويدلّ عليه مضافا إلى الشهرة المعلومة والمنقولة والإجماع المنقول : الروايات المستفيضة ، منها الخبر : « إذا دخلت المخرج فلا تستقبل القبلة ولا تستدبرها ولكن (٣) شرّقوا وغرّبوا » (٤).

والقوي : ما حد الغائط؟ قال : « لا تستقبل القبلة ولا تستدبرها ، ولا تستقبل الريح ولا تستدبرها ».

وفي حديث المناهي : « إذا دخلتم الغائط فتجنّبوا القبلة » (٥).

وفي نوادر الراوندي : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله نهى أن يبول الرجل وفرجه باد للقبلة (٦).

وفي الدعائم عنهم صلوات الله وسلامه عليهم في جملة من مناهي الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله : النهي عن استقبال القبلة واستدبارها في حال الحدث والبول (٧).

وضعف هذه الأخبار منجبر باعتضاد بعضها ببعض ، وذكرها في الكتب المعتمدة ، وتلقّي

__________________

(١) مختلف الشيعة ١ / ٢٦٥.

(٢) نهاية الإحكام ١ / ٧٩.

(٣) لم ترد في ( ب ) : « ولكن تشرّقوا .. ولا تستدبرها ».

(٤) الإستبصار ١ / ٤٧ ، باب استقبال القبلة ، ح (١٣٠) ١.

(٥) من لا يحضره الفقيه ٤ / ٤ ، باب ذكر جمل من المناهي ، ح ٤٩٦٨.

(٦) كتاب النوادر : ٢٣٠.

(٧) دعائم الإسلام ١ / ١٠٤.

٣٩٠

الأصحاب لها ، واشتهار العمل بمضمونها. وضمّ بعض المكروهات ببعضها لا يفيد إرادة الكراهة (١) فيه فكيف في غيره.

حجة الجواز : الأصل ، وعدم دليل صالح للخروج عنه ؛ لضعف الأخبار المانعة سندا ودلالة ، وإنّما يستفاد ذلك أيضا من الحسنة : « من بال حذاء القبلة ثمّ ذكر فانحرف عنها إجلالا للقبلة وتعظيما لها لم يقم من مقعده ذلك حتّى يغفر له » (٢).

لظهورها في ترتّب الثواب على إجلال القبلة وتعظيمها.

ويضعفه ما عرفت من الانجبار بالعمل والظهور كاف في المقام ؛ خصوصا مع الاعتضاد بفهم الجمهور ، وترتّب الثواب العظيم على الفعل المذكور من جهة التعظيم بعد استحبابه حينئذ ؛ إذ الواجب أحرى بترتب الثواب ؛ خصوصا إذا اختار منه أفضل الفردين.

حجة التفصيل : الجمع بين الأخبار المذكورة ، وحسنة محمّد بن إسماعيل : دخلت على الرضا عليه‌السلام وفي منزلة كنيف مستقبل القبلة (٣). فتخصيص الروايات بالصحاري.

وفيه : أنّه في الرواية شاهد على الجواز لعدم دلالتها على كون بنائه بإذن الامام عليه‌السلام ، ولا على جلوسه كذلك. وتقريره عليه‌السلام للبناء لا يدلّ عليه ؛ لعدم ظهور وجوب الهدم.

على أن كون المكان ملكه غير معلوم بل الذي حكي أنّ المأمون ـ لعنه الله ـ لمّا استجلب الرضا عليه‌السلام إلى خراسان أنزله في بعض بيوت أهل الخلاف ، فاحتمال التقية هنا ممّا لا يخفى.

وقد يستدل عليه بما في الدعائم حيث قال بعد ما حكينا عنه وذكر جملة من الأحكام : « ورخّصوا في البول والغائط في الأبنية » (٤).

ولا يخفى ضعفه.

وربّما يفيد وجود خبر دالّ عليه ، وهو أيضا لا يفيد شيئا.

__________________

(١) لفظة « الكراهة » من ( د ).

(٢) المحاسن ١ / ٥٤.

(٣) الإستبصار ١ / ٤٧ ، باب استقبال القبلة واستدبارها عند البول والغائط ح (١٣٢) ١.

(٤) دعائم الإسلام ١ / ١٠٤ ، وفيه : « في الآنية ».

٣٩١

ثمّ إنّ المدار في حرمة الاستقبال والاستدبار على مقدّم البدن ومؤخّره لا خصوص العورة على ظاهر كلامهم ، وصريح جماعة منهم ، وحكي الشهرة عليه.

وعن السيوري : إنّ المحرّم هو المقابلة بالوجه والبدن ، فلو ميل فرجه وبال لم يكن محرّما.

وعزاه في المدارك إلى بعض المعاصرين ، قال : وليس بشي‌ء.

قلت : قال محمّد بن ابراهيم بن هاشم من قدماء أصحابنا في علله : « أحد عشر لا بدّ لكلّ الناس من معرفتها ، وذلك آداب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فاذا أراد البول والغائط فلا يجوز له أن يستقبل القبلة بالقبل والدبر ، والعلّة في ذلك أنّ الكعبة عظّمها الله وأجلّ حرمته ، ولا تستقبل بالعورتين القبل والدبر لتعظيم الله وحرم الله وبيت الله » (١). انتهى.

وظاهر ذلك كما ترى اختصاص الحرمة باستقبال خصوص العورتين ، وإسناده ذلك إلى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله.

قلت : وفي بعض الأخبار دلالة عليه مرّت الإشارة إلى بعضها.

ومنها : قوله عليه‌السلام : « لا تستقبل القبلة بغائط ولا بول » (٢) وجعل الباء بمعنى الملابسة كأنّه بعيد عن الظاهر ، فلا داعي إليه.

والإطلاقات الاخر واردة على الغالب من حصول الاستقبال بالعورة عند استقبال البدن إلّا أن ظاهر فهم الأكثر يضعف البناء عليه.

وكيف كان ، فلا شبهة في كون الاحتياط في الاجتناب عنه ، والمراد بالقبلة ما يراد في باب الصلاة ، فهي للقريب عين الكعبة وللبعيد جهتها ؛ للإطلاقات وظاهر الحسنة الماضية ؛ لصدق الانحراف بالميل اليسير عن محاذاة القبلة ، فيجوز استقبال ما بين المشرق والمغرب ؛ استنادا إلى ظاهر الأمر في الخبر المذكور ، وأن ما بين المشرق والمغرب قبلة كما في الرواية وأنّ قبلة البعيد الجهة وفيها سعة.

ولا يخفى ضعف الجميع.

__________________

(١) بحار الأنوار ٧٧ / ١٩٤ ، باب آداب الخلاء ، ح ٥٣.

(٢) الكافي ٣ / ١٦ ، باب الذي يكره أن يتغوط فيه أو يبال ، ح ٥.

٣٩٢

وكأنّ المراد من الرواية الميل إلى جهة المشرق والمغرب. ويحتمل حمله على الندب ؛ لخلوّ غيره من الأخبار عنه.

والقول بأنّ ما بين المشرق والمغرب قبلة المنجبر ؛ مدفوع بأنّ مجرّد ذلك لا يقضي بالمنع ؛ إذ الظاهر (١) إرادة قبلة المختار.

نعم ، يحتمل القول بالمنع حال التحيّر من كونه إذن قبلة الصلاة.

وهو قويّ ؛ نظرا إلى حصول الشبهة في تلك الجهة دون غيره ، فلو دارت بين جهتين أو ثلاثة قوي اجتناب الجميع.

ولو لم يتعين مطلقا فإن أمكن استعلامها بالعلامات أو السؤال قوي وجوبه مع انتفاء الضرورة في تأخير قضاء الحاجة بمقداره ، وإلّا فإن أمكنه التأخير إلى ظهور الحال والانتقال إلى محلّ يعرف القبلة فيه فوجهان ، وإلّا جاز من غير لزوم التأخير إلى حال الضرورة في وجه قوي.

وربّما احتجّ له بقوله عليه‌السلام : « كلّ شي‌ء فيه حلال وحرام .. » (٢) الخبر ونظائره.

وفيه ضعف.

ولو كان في أرض مقاطر للكعبة مثلا سقط الحكم.

ولو لم يمكنه الانحراف ودار بين الاستقبال والاستدبار ففي تقديم الاستدبار في البول والاستقبال في الغائط وجه قوىّ ؛ بناء على مناسبة التعظيم المستفاد من الحسنة المذكورة.

ولا فرق في ذلك بين القادر والعاجز كما قطع به في المدارك (٣). وحكى عن بعض المحققين أنّه لا بأس في الإحالة إلى قبلة الصلاة بالنسبة إلى العاجز. وتردّد بالنسبة إلى القادر ، قال : ولعلّ الأقرب عدم جريانه بالنسبة إليه.

__________________

(١) لم يرد هنا في ( د ) : « بالمنع إذ الظاهر .. » إلى قوله : « في المعتبر والقواعد » ، ثم وجدنا العبارات في موضع آخر من ( د ) ، مشوش الموضع في ( ألف ) و ( ب ) أيضا ، وأدرجناها في مواضعها ، والحمد لله.

(٢) الكافي ٥ / ٣١٣ ، باب النوادر ، ح ٣٩ ، وفيه : « كل شي‌ء يكون فيه ».

(٣) مدارك الأحكام ١ / ١٥٩.

٣٩٣

وهو ضعيف.

ثمّ إنّ الاستقبال في القائم والقاعد وما بينهما واضح.

وأمّا في المضطجع فهل يعتبر استقبال الصلاة أو لا؟ في المعتبر (١) وجهان ، والمناسب للتعظيم التجنّب على الوجهين.

ولا ريب أنه أحوط ، والظاهر أنّ المدار في الحكم إلى حال خروج الحدث دون مقدماته ، وإطلاق بعض الأخبار محمول عليه ، فالأولى البحث حال الجلوس على الخلاء.

والأولى مراعاته حال الاستنجاء أيضا للخبر : الرجل يريد أن يستنجي كيف يقعد : قال : « كما يقعد للغائط » (٢).

والظاهر وإن أوهم الوجوب لكن لضعفه وعدم وضوح دلالته على الوجوب لا يثبت به ما يزيد على الاستحباب.

ثمّ إنّ مناط الحكم بالخروج على النحو المعتاد من الموضع المعتاد له ، ولو كان بالعارض في وجه قويّ ، ولو أحسّ بخروج البلل قبل الاستبراء احتمل جريان المنع.

وفي وجوب منع الأطفال من ذلك وجهان ؛ من انتفاء التكليف في شأنهم ومراعاة الاحترام.

ولا يخلو عن وجه.

ولو باشر ذلك لهم قوي المنع.

__________________

(١) المعتبر ٢ / ١٦٠.

(٢) الكافي ٣ / ١٨ ، باب القول عند دخول الخلاء ، ح ١١.

٣٩٤

تبصرة

[ في الاستنجاء للبول والغائط ]

يجب الاستنجاء للبول والغائط بإجماع علمائنا كافّة ، والنصوص المستفيضة بل المتواترة.

وقد خالف فيه أبو حنيفة (١) واتباعه إذا لم يكن التلويث أزيد من درهم.

ويتعيّن الماء في مخرج البول على ظاهر المذهب.

وقد خالف فيه الجمهور ، وقد حكي إجماعنا على لزوم غسله بالماء خاصّة في التذكرة (٢) ونهاية الإحكام (٣) والروض (٤) والمدارك (٥) والمشارق (٦) وكشف اللثام (٧).

وفي الحدائق (٨) : أنه إجماعي فتوى ورواية.

وفي المعتبر (٩) : إنّ عليه اتفاق علمائنا.

وفي المنتهى (١٠) : إنّه مذهب علمائنا.

__________________

(١) نقل عنه في تذكرة الفقهاء ١ / ١٢٣.

(٢) تذكرة الفقهاء ١ / ١٢٤.

(٣) نهاية الإحكام ١ / ٨٦.

(٤) روض الجنان : ٢٣.

(٥) مدارك الأحكام ١ / ١٦١.

(٦) مشارق الشموس ١ / ٧٣.

(٧) كشف اللثام ١ / ٢٠٢.

(٨) الحدائق الناضرة ٢ / ٧.

(٩) المعتبر ١ / ١٢٦.

(١٠) منتهى المطلب ١ / ٢٥٦.

٣٩٥

وحكي عن المفيد (١) والسيد في بحث المضاف تجويز إزالة الخبث مطلقا. وظاهر ذلك جوازه هنا أيضا إلّا أنّ قضية الإجماعات المنقولة عدم قولهما بما في المقام ؛ لما في بعض الأخبار إلّا أن يقال : إنّ المراد بالماء في المقام ما يعمّ المضاف ؛ لوقوعه في مقابلة الأحجار.

وهو بعيد.

ويدلّ على الحكم مضافا إلى الإجماعات المحكيّة صحيحة جميل : « إذا انقطعت البول وجب الماء » (٢) ، وقوية يزيد بن معاوية : « لا يجزى من البول إلّا الماء » (٣).

مضافا إلى أمر الإطلاقات الحاكمة بغسله الظاهر في ذلك.

ورواية سماعة الظاهرة في جواز استعمال غير الماء مؤوّلة أو محمولة على التقيّة ؛ لإطباق الفقهاء الأربعة عليه.

ولا فرق بين حالتي الاختيار والاضطرار كما هو ظاهر إطلاق الأخبار.

وربّما يستفاد من الشيخ في الكتابين ( في توجيه رواية سماعة بناء على الجواز حال الاضطرار إلّا أن الأظهر عدم استفادة مذهب الشيخ في الكتابين ) عند توجيه الأخبار كما يعرف من الشيخ فيهما.

وقد يحمل على ما سننقله عن الفاضلين وغيرهما من لزوم التخفيف حال تعذّر الماء من غير حكم بالطهارة.

واختلفوا في أقلّ ما يجزي من الماء ، فعن الصدوقين (٤) والشيخين (٥) والفاضلين في المعتبر (٦) والقواعد اعتبار مثلي ما على الحشفة فلا يجزي ما دونه.

__________________

(١) المقنعة : ٤٠.

(٢) الكافي ٣ / ١٧ ، باب القول عند دخول الخلاء وعند الخروج والاستنجاء ح ٨ وفيه : « إذا انقطعت درة البول فصبّ الماء ».

(٣) الإستبصار ١ / ٥٧ ، باب غسل اليدين قبل إدخالهما الإناء عد واحد من الاحداث ، ح ١٦٦ (٢١).

(٤) من لا يحضره الفقيه ١ / ٣١ ، الهداية : ٤٨.

(٥) المقنعة : ٤٢ ، المبسوط ١ / ١٧.

(٦) المعتبر ١ / ١٢٧.

٣٩٦

وحكى بعض الأفاضل الشهرة عليه.

وعزاه بعضهم إلى الأكثر.

وعن ظاهر الشيخ في الخلاف (١) والحلبي (٢) وابن زهرة (٣) والطوسي (٤) والحلي (٥) والفاضل في المنتهى (٦) والمختلف (٧) [ و ] الإرشاد (٨) ، والشهيدين في اللّمعة ، وظاهر الروض (٩) ، وابن فهد في الموجز ، وصاحبي المدارك (١٠) والمشارق (١١) والذخيرة (١٢) ، وغيرهم من المتأخرين الاجتزاء بكلّ ما يزيل العين.

ولا يبعد أن يكون الخلاف في ذلك لفظيّا من جهة التأمّل في كون ما نقص عن المثلين مزيلا للعين.

وقد أشار إليه الشهيد في البيان (١٣).

وكيف كان فالحق الأخير ؛ للإطلاقات وخصوص مرسلة نشيط : « يجزي من البول أن يغسله بمثله » (١٤) ، ومرسلة الكليني : « يجزي أن يغسل بمثله من الماء إذا كان على رأس

__________________

(١) الخلاف ١ / ١٠٣.

(٢) الكافي الحلبي : ١٢٧.

(٣) غنية النزوع : ٣٦.

(٤) الوسيلة : ٤٧.

(٥) السرائر ١ / ٩٦.

(٦) منتهى المطلب ١ / ٢٦٤.

(٧) مختلف الشيعة ١ / ٢٧٣.

(٨) إرشاد الأذهان ١ / ٢٢١.

(٩) روض الجنان : ٢٥.

(١٠) مدارك الأحكام ١ / ١٦٣.

(١١) مشارق الشموس ١ / ٧٣.

(١٢) ذخيرة المعاد ١ / ١٦.

(١٣) البيان : ٧.

(١٤) تهذيب الأحكام ١ / ٣٥ ، باب آداب الأحداث الموجبة للطهارات ، ح ٣٣.

٣٩٧

الحشفة » (١).

( وغيره احتجّوا برواية نشيط : كم يجزي من الماء في الاستنجاء من البول؟ قال : بمثلي ما على الحشفة ) (٢).

وفيه بعد الغضّ عن سندها لما ادّعي من الشهرة الجابرة لها أنّها محمولة على المبالغة والإشارة إلى كمال التوسع وغاية السهولة كما هو الشأن في هذه الشريعة السهلة ؛ للاكتفاء بأقل القليل ولو بمثل القطرتين ، وليس المقصود بعينهما في الإزالة.

وقد يجعل ذلك إشارة إلى اعتبار عليّة المطهّر في إزالة النجاسة ؛ لعدم حصولها بدونها في الغالب.

وفي اعتبار التعدّد في الغسل هنا قولان ، فعن الصدوق في الفقيه (٣) والهداية (٤) اعتبار التعدد. وتبعه الشهيدان في الذكرى (٥) والروضة (٦) والمحقق الكركي (٧) وغيرهم.

وذهب آخرون إلى الاكتفاء بالمرّة ، وعليه الأكثر ، بل لم ينقل من أحد (٨) القدماء التصريح بخلاف سوى الصدوق.

وهو الأقوى ؛ لإطلاق طهوريّة الماء والإطلاقات الآمرة بغسله أو صب الماء عليه.

وفي الحسن : قلت له : للاستنجاء حد؟ قال : « لا حتّى ينقى مأثمة » (٩).

وخصوص مرسلة نشيط ومرسلة الكليني المتقدمتان لا إشعار فيها (١٠) باعتبار التعدد في

__________________

(١) الكافي ٣ / ٢٠ ، باب الاستبراء من البول وغسله ، ح ٧.

(٢) تهذيب الأحكام ١ / ٣٥ باب آداب الأحداث الموجبة للطهارة ، ح ٣٢. وما بين الهلالين زيدت من ( د ).

(٣) من لا يحضره الفقيه ١ / ٣١.

(٤) الهداية : ٧٦.

(٥) الذكرى ١ / ١٦٨.

(٦) الروضة البهية ١ / ٣٤١.

(٧) جامع المقاصد ١ / ٩٣.

(٨) زيادة في ( د ) : « من ».

(٩) تهذيب الأحكام ١ / ٢٩ ، باب آداب الأحداث الموجبة للطهارات ، ح ١٤.

(١٠) كذا.

٣٩٨

الغسل بوجه ، بل المستفاد منها ـ إن سلّم ـ غلبة المطهّر أو خصوص اعتبار المثلين كما مرّ.

وأجاب عنه بعض الأفاضل أيضا بأنّ حمل الرواية على إرادة التعدد يوجب الاكتفاء بالمثل في الغسلة الأولى. ولا وجه له ؛ لعدم حصول الغلبة المعتبرة في المطهّر.

وحمله على اعتبار الثلاثة بالنظر إلى القطرة الباقية بعد خروج البول وإن كان إجراء الماء بعد سقوطها ، فهي غالبة على الرطوبة (١) في المخرج لا وجه له ؛ لإطلاق الرواية أوّلا ، وعدم اعتبار سقوطها عنها ثانيا.

وفيه : أن اعتبار الغلبة المذكورة محلّ مناقشة ، بل الذي يفهم من الإطلاقات اعتبار الإزالة خاصّة إلّا أن يقال بعدم حصولها بدونها.

وهو محلّ تأمّل ، والأخبار الدالّة على اعتبار التعدّد في إزالة البول إنّما دلّت عليه عند إصابة الجسد أو الثوب ، وذلك لا يشمل (٢) صورة الاستنجاء كما لا يخفى.

ولو سلّم إطلاقها فهي معارضة بالإطلاقات الواردة في المقام ، والتعارض نحو (٣) العموم من وجه والعمومات القاضية بطهورية الماء حاكمة بالطهارة بالمرّة.

والاجماع المنقول أيضا مخصوص بغير هذه الصورة.

ويشهد له استشهاد الناقل في المقام بالأخبار ، وعدم نقله الإجماع هنا ، بل ونصّه على الخلاف فيه ، وجعله اعتبار المثلين أولى.

ثمّ على القول باعتبار التعدّد فهل يعتبر فيه التعدّد الحقيقي المتوقّف على حصول الفصل بين الغسلتين أو يكتفي بالتقديري؟ قولان ، اختار أوّلهما الشهيد في الذكرى (٤) مع ذهابه إلى عدم اعتباره في غير الاستنجاء.

__________________

(١) زيادة في ( د ) : « الباقية ».

(٢) في ( ألف ) : « ذلك لا يستعمل » بدون الواو.

(٣) في ( ألف ) : « عن ».

(٤) الذكرى : ١ / ١٦٨.

٣٩٩

اعتذر منه المحقق الكركي (١) بين ما إذا كانت الإزالة بالمثلين أو ما زاد عليهما ، فعلى الأول لا بدّ من الانفصال لصدق الوحدة مع عدمه ، بخلاف ما لو كان الماء كثيرا ، وبه وجّه كلام الشهيد.

والأقوى إذن اعتبار الفصل مطلقا لعدم صدق التعدد عرفا بدونه ، مضافا إلى استصحاب النجاسة الباقية.

فروع

الأول (٢) : هل يجب على الأغلف غسل ما تحت الغلفة؟ وجهان مبنيّان على كونه من الظاهر أو الباطن.

قطع المحقق الكركي بالأوّل ، واختاره المحقق والعلّامة في المنتهى (٣) وغيره ، والشهيد في الذكرى (٤) إلّا أن يكون ... (٥)

فيسقط عنه ، وحكي الثاني عن المنتهى والذكرى ، والموجود فيهما ما عرفت.

الثاني : إن لم يخالط البول أجزاء لزجة من المذي والودي أو نحوهما كفى فيه مجرّد الصبّ ؛ لإطلاق (٦) الأمر بالصبّ ، وفي بعضها بعد الأمر به « فإنّما هو ماء » (٧).

ولو شكّ في ممازجة شي‌ء له فهل يكتفي بالصبّ أو لا بدّ من الدلك وجهان ؛ أحوطهما ذلك ليحصل اليقين بالطهارة بعد تيقّن النجاسة.

الثالث : لو تعذر عليه استعمال الماء لفقده أو بسبب آخر ، فهل يجب عليه التمسّح بالحجر

__________________

(١) جامع المقاصد ١ / ٩٤.

(٢) لفظة « الأول » مما أضيفت من ( د ).

(٣) منتهى المطلب ١ / ٤٣.

(٤) الذكرى ١ / ١٧٣.

(٥) هنا سقط في عبارات المخطوطات الثلاثة.

(٦) لم ترد في ( ب ) : « الإطلاق .. بالصب ».

(٧) الكافي ٣ / ٥٥ ، باب البول يصب الثوب أو الجسد ح ١.

٤٠٠