بترك المحرمات واتيان الواجبات رجاء ان يصل فى الآخرة الى امثال ما احبه والفه فى الدنيا من الملاذّ ، وإليه اشير فى قوله سبحانه : ( كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً ) ، ولو اعطى فى الآخرة ثوابا غيرها احبه واشتهاه لكان مغرورا بالوعد مغبونا بالعمل.
اقول : فى هذا الكلام وجوه من النظر : الاول ان وجوب العلم بكون شيء فى الجنة ثوابا دون العوض لا يستلزم كونه من جنس المألوف فى الدنيا ، والثانى ان العوض أيضا ان كان من غير جنس ما الفه اشتهاه لكان المعوض مظلوما لانه صبر على الآلام كما تحمل مشاق التكليف رجاء وصوله الى مألوفه ومحبوبه فى الآخرة ، والثالث ان الثواب لو لم يكن من جنس المألوف فى الدنيا بل كان ألذّ واشهى منه بمراتب كان اولى ولا يتصور غبن ولا غرور ، والرابع ان ملاذ الجنة ونعيمها لا تقاس بملاذ الدنيا ونعيمها ولا دليل على انها من جنسها ، والآيات الشاملة على الفواكه والحور وغيرها لا تدل على ازيد من الاشتراك فى المفهوم وان اهل الجنة يلتذون بها ويبتهجون منها ، واما بحسب الحقيقة فلا دليل على الاتحاد فيها ، بل الآيات والاخبار الكثيرة الناطقة بانتفاء خواص اشياء الدنيا عنها من الكدورات والكثافات والتبعات والاحتياج فى حدوثها الى مقدمات دالة على اختلافها معها فى الحقيقة ، والخامس ان العقلاء يتحملون المشاق رجاء ما وعدهم الآمر بالتحمل من المنافع والفوائد مع عدم علمهم بجنسها وكمها وكيفها ان كانوا معتقدين بصدق الواعد وكثرة عطائه وعلو كرمه كما اشير إليه بقوله تعالى : ( فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ ).
وقال الطبرسى فى مجمع البيان ذيل الآية : وقد ورد فى الصحيح عن النبي صلىاللهعليهوآله انه قال : ان الله يقول اعددت لعبادى الصالحين ما لا عين رات ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ، بله ما اطلعتكم عليه ، اقرءوا ان شئتم : فلا تعلم نفس ما اخفى لهم من قرة اعين ، رواه البخارى ومسلم جميعا ، انتهى ، واما قوله تعالى : ( كُلَّما رُزِقُوا ) الخ فمن المتشابه ، فسّرت بتفاسير مختلفة مذكورة فى كتبها.