المسألة الخامسة والعشرون
( فى الإرادة والكراهة )
قول المصنف : ومنها الإرادة والكراهة الخ ـ اعلم انه لا شبهة فى ان الفعل الصادر منا بقدرتنا انما يصدر بالارادة ، وانه لا شبهة فى ان اهل العلم مع كثير اختلافهم فى الإرادة لم يصطلح كل قوم منهم فيها على معنى بل ارادوا تعيين ما هو الإرادة فى الواقع وعند الفاعلين القادرين ، وانه لا شبهة فى ان المرجح لطرف وجود الفعل هو الإرادة.
اذا علمت هذا فاقول : ان الفعل لا يصدر منا الا ان يتقدمه امور : الاول تصور الفعل جزئيا على ما مضى بيانه فى المسألة العاشرة من الفصل الثالث من المقصد الاول ، وتوقف وقوع الفعل منا على هذا التصور من البديهيات ، ولا احد ذهب الى ان الإرادة هى هذا التصور.
الثانى اعتقاد النفع فى ذلك الفعل اعتقادا ظنيا او علميا مطابقا للواقع او غير مطابق له لنفسه كان ذلك النفع او لغيره الّذي يحب وصول النفع إليه كولده وصديقه ، وذهب كثير من المعتزلة الى ان الإرادة هى هذا الاعتقاد ، والمصنف ذهب هاهنا الى هذا المذهب ، ويسمى هذا الاعتقاد بالداعى ، وربما يعد هذا والّذي قبله معا مبدءا واحدا من مبادى الافعال الاختيارية فيقال : اوّل المبادى تصور الفعل على الوجه النافع ظنا او علما مطابقا للواقع او غير مطابق له ، والاولى عدهما اثنين لانفكاكهما ضرورة ، والدليل على توقف الفعل عليه ان الفاعل القادر يستوى إليه طرفا الفعل بمعنى انه لا يقتضي بذاته وبقدرته وجوده ولا عدمه بل هما متساويان لا ترجح لاحدهما على الآخر فلا بد لاحدهما من مرجح وليس المرجح لطرف الوجود الا اعتقاد النفع كما انه لطرف العدم ليس الا اعتقاد الضر ، والكراهة عند هذه الطائفة هى اعتقاد الضر كذلك.
ان قلت : كيف يتوقف الفعل على هذا الاعتقاد وان كثيرا من الناس يتعاطون