الميل التابع اللازم له ، فالحق مع الطائفة الثانية الا ان نفس هذا الميل والشوق ما لم يتأكد ولم يبلغ درجة الكمال برفع الموانع والمعارضات لم يتحقق الإرادة.
واعترضت الاشاعرة على هذين المذهبين وقالوا : ان الفاعل القادر قد يريد بدون اعتقاد النفع وميل يتبعه فيما يفعله فلا يكون شيء منهما لازما للارادة فضلا عن ان يكون نفسها ، وذلك كما فى الامثلة التى يرجح فيها القادر احد الامرين المتساويين من جميع الوجوه بمجرد ارادته من دون توقف على شيء آخر ، كما ان الهارب من السبع اذا عنّ له طريقان متساويان من كل الوجوه فانه لا بد وان يسلك احدهما دون الاخر لانه من المحال ان يقف هناك حتى يفترسه السبع ومن المحال ان يسلكهما معا ومن المحال ان يسلك الراجح بحسب اعتقاد النفع فيه والميل إليه بخصوصه لانا فرضنا استوائهما فى جميع الامور فلا بد ان يسلك احدهما دون الاخر من غير مرجح هو اعتقاد النفع او الميل اللازم له لانه ترك الاخر مع اعتقاد ذلك النفع والميل فيه أيضا فلو كانت الإرادة هذا الاعتقاد او النفع اللازم له لما تركه ، وكذلك العطشان جدا اذا خير بين قد حين من الماء متساويين من جميع الوجوه ، والجائع جدا اذا خير بين رغيفين متساويين من جميع الوجوه ، وضربوا امثلة كثيرة من هذا الجنس.
قالوا : ولو احتيل فى استخراج ما به يترجح احدهما على الاخر فنفرض الاستواء فى كل تلك الامور فان كل صفة حاصلة لاحد المثلين امكن حصول مثلها للآخر ، ولا يجوز ان يقال ان المرجح هو تعينه وتشخصه الّذي لا يمكن ان يشاركه غيره لان التعين ليس داخلا فى متعلق غرض الفاعل ، فثبت بما ذكر ان الفعل لا يتوقف على اعتقاد النفع والميل التابع له فالإرادة غير ذلك بها يختار الفاعل القادر احد المتساويين على الاخر فعلين كانا او تركين او مختلفين.
اقول : ان الإرادة عندهم صفة مخصصة لاحد الطرفين ، وحيث ان الإرادة عندهم هى تلك الصفة المخصصة تحصل بعد العلم بالشيء وتتعلق تارة بالفعل واخرى بالترك فلا معنى للكراهة عندهم فى مقابل الإرادة بل الكراهة عندهم تقابل المحبة والرضا.