امورا يعلمون بضررها او يظنونه كبعض من يشرب الخمر وكالمقامر فى ابتداء امره وكبعض المرضى يأكل ما يعلم انه يضره وامثالهم ، قلت : انهم ينسون مضار هذه الامور حين الإرادة لحب انفسهم بها ويتخيلون لها منافع فيرتكبون ، او يتوهمون فيها جهة منفعة ويرجحون تلك المنفعة بوهمهم على الحيثية الضارة فيرتكبون.
الثالث ميل يعقب هذا الاعتقاد وهو اما ان يكون نحو جلب النافع فيسمى شهوة واما ان يكون نحو دفع الضار فيسمى غضبا فان دفع الضار أيضا منفعة ، هذا ان كان المراد من غير العقليات ، وان كان المراد عقليا فلا اسم خاص له ، والدليل على توقف الفعل على هذا الميل ان الانسان مفطور بالميل والشوق الى ما يرى فيه نفعا من حيث هو نافع وان كان ضارا من حيثية اخرى ، وذهب طائفة اخرى من المعتزلة الى ان الإرادة هى هذا الميل النفسى وهو المرجح لطرف الوجود لا اعتقاد النفع فقط ، والكراهة عندهم انقباض يعقب اعتقاد الضر ، وقالوا اعتراضا على الطائفة الاولى ان اعتقاد النفع ليس إرادة لان القادر كثيرا ما يعتقد النفع او يظنه ولا يريده ما لم يحدث هذا الميل ، وهم اجابوا عن هذا الاعتراض بانا لم نجعل الإرادة مجرد اعتقاد النفع او ظنه بل مع كون النفع بحيث يمكن وصوله من غير مانع من تعب او معارضة وما ذكر من الميل انما يحصل لمن لا يقدر على تحصيل ذلك الشيء قدرة تامة اما فى القادر التام القدرة فيكفى الاعتقاد المذكور كالشوق الى المحبوب لمن لم يكن واصلا إليه واما الواصل إليه فلا شوق له.
اقول : يظهر من هذا الجواب ان الطائفة الاولى ينكرون حصول الميل عقيب اعتقاد النفع فى كل مورد ويرون ان الفعل النافع يقع عقيب الاعتقاد من دون حصول ذلك الميل لمن لم يكن له مانع ومعارض عن ايجاد الفعل ، وهذا خطاء لان هذا الميل يحصل لمعتقد النفع فى الفعل كائنا من كان لما مر.
وما قيل من ان الإرادة قد تتحقق بدون هذا الميل كما ان الانسان قد يريد تناول ما لا يشتهيه كشرب الدواء مدفوع بان الميل العقلى فى هذا المثال موجود فان اعتقاد النفع كما انه قد يكون عقليا وقد يكون تخيليا على سبيل منع الخلو كذلك