بحصوله بواسطة المسائل ، فإن لعلم النحو مسائل متعددة مثل « الفاعل مرفوع » و « المفعول به منصوب » و « المضاف اليه مجرور » وهكذا ، وهذه المسائل هي التي تحصّل الغرض وتوجب صون اللسان لمن اطلع عليها ، ولكن هذه المسائل هي اشياء متعددة ، والاشياء المتعددة كيف تحصّل غرضا واحدا؟ ان هذا غير ممكن اذ لازمه صدور الواحد من الكثير ، وهو مستحيل ، فان الواحد لا يصدر الاّ من شيء واحد (١).
اذن لا بدّ وان نفترض ان مجموع تلك المسائل المتعددة يرجع الى قضية واحدة كيما تكون تلك القضيّة الواحدة هي المحصّلة لذلك الغرض الواحد ، وتلك القضيّة الواحدة لكي تكون جامعة بين تلك المسائل المتعددة لا بد وان تكون ذات موضوع واحد كلي يسع جميع موضوعات تلك المسائل وذات محمول واحد كلي يسع جميع محمولات تلك المسائل. وتلك القضيّة الواحدة يمكن فرضها هكذا : الكلمة لها حكم اعرابي ، ان الموضوع في هذه القضية هو الكلمة التي هي شاملة
__________________
(١) المستند لقاعدة « ان الواحد لا يصدر الاّ من واحد » هو اعتبار السنخيّة والمشابهة بين العلة والمعلول ، فان العلة لا بدّ وان تسانخ المعلول وتشابهه والاّ يلزم صدور كل شيء من كل شيء كصدور البرودة من النار ، ومعه فالواحد لا يمكن صدوره من الاثنين فان الواحد بما هو واحد لا يسانخ الاثنين بما هي اثنان.
ان قلت : بناء على هذه القاعدة كيف نفسّر صدور الخلق الكثير من الله سبحانه الذي هو واحد؟
قلت : ان اصحاب هذه القاعدة يلتزمون بان الصادر منه سبحانه شيء واحد وهو العقل الاول ، والاول خلق العقل الثاني ، والثاني خلق الثالث ، وهكذا حتى العقل العاشر.
ومن هنا يتّضح ان فكرة العقول العشرة هي في الحقيقة وليدة قاعدة « الواحد لا يصدر الا من واحد ».