يبحث عن الكلمة والكلام وهذا يبحث عن بدن الانسان ، واختصاص كل منهما بموضوعه الخاص سبّب استقلالية وامتياز ذاك عن هذا ، ولو لا هذا الامتياز في الموضوع لما كان علم النحو والطب علمين بل كانا علما واحدا واذا صح هذا الكلام كان اللازم منه ثبوت الموضوع لكل علم ليتم من خلاله امتياز علم عن علم.
ويرد هذا الدليل : ان جعل الامتياز في الموضوع سببا لامتياز العلوم بعضها عن بعض موقوف على التسليم باشتمال كل علم على موضوع خاص به ، اما اذا انكرنا ذلك فلا بد وان يكون الامتياز بواسطه طريق آخر غير الموضوع كأن يقال مثلا : ان الامتياز بواسطة الغرض ، فالغرض من علم النحو بما انه صون اللسان عن الخطأ صار ذلك سببا لامتيازه عن علم المنطق الذي له غرض آخر وهو صون التفكير عن الخطأ ، اذن هذا الدليل يشتمل على المصادرة اي انه استدل بشيء يحتاج الى التسليم بالمدعى المتنازع فيه.
الدليل الثاني : انا نسأل ونقول بم يمتاز بعض العلوم عن البعض الآخر؟ فان اجيب بانه يحصل عن طريق التمايز بين الموضوعات ـ كما ذكر ذلك في الدليل الاوّل ـ فهذا معناه التسليم بوجود موضوع لكل علم حتى يحصل عن طريق التمايز فيه التمايز بين العلوم ، وان انكر ذلك وقيل ان التمايز بين العلوم يحصل عن طريق التمايز بين الاغراض ـ كما ذكر ذلك في الاجابة عن الدليل الاوّل ـ فهذا ايضا يستلزم الاعتراف بوجود الموضوع لكل علم لأن كل علم وان كان له غرض غير الغرض الثابت في العلم الآخر الاّ انه ـ الغرض ـ في كل علم شيء واحد ، فالغرض من علم النحو مثلا شيء واحد ، وهو صون اللسان عن الخطأ وحين ذاك نسأل عن هذا الغرض الواحد بم يحصل؟ لا بدّ وان يكون الجواب