امكان الفعل والترك بالنظر إلى الذات ـ دون القدرة المستلزمة (١) للحدوث ـ أعني : صحّة انفكاك كلّ من الطرفين بالنظر إلى الداعي ـ. وإن حمل هذا القائل القدرة الّتي وقع النزاع فيها بين الفلاسفة والمليين على القدرة بهذا المعنى ـ أي : ما يستلزم الانفكاك بين الواجب وبين كلّ من طرفى الفعل والترك ـ لأنّه إذا كان المدّعى اثبات عموم القدرة بالنسبة إلى جميع الممكنات أو جميع ما له امكان الصدور عن الغير تعيّن حمل القدرة على المشهور ، إذ لا شكّ أنّ الممكنات الّتي لم توجد تكون عدمها ممتنع الانفكاك عنه ـ تعالى ـ بالنظر إلى الداعي ؛ وانّما يصحّ ذلك بالنظر إلى ذاته ـ تعالى ـ. نعم! لو كان المدّعى اثبات عموم القدرة بالنسبة إلى جميع الموجودات امكن حمل القدرة على صحّة انفكاك كلّ من الطرفين بالنظر إلى الداعي بشرط أن لا يجعل انفكاك كلّ منهما في وقت دون وقت انفكاك الآخر (٢) ، إذ انفكاك كلّ منهما في وقت واحد ممتنع على التحقيق ، لما مرّ من أنّ عدم العالم في زمان عدمه انّما كان بالنظر إلى الداعي وعلمه بالنظام الأعلى ، فوجوده فيه / ٩٩MA / كان محالا بالنظر إلى الداعي وإن كان جائزا بالنظر إلى ذاته ـ تعالى ـ. وكذا وجوده في وقت وجوده إنّما كان / ٩٤DA / بمقتضى الداعي من العلم بالأصلح أو ذات الوقت ، فعدمه فيه كان محالا بالنظر إليه وإن كان جائزا بالنظر إلى ذاته ـ تعالى ـ.
فاثبات عموم القدرة بالنسبة إلى جميع الممكنات أو جميع الموجودات في كلّ وقت إنّما يتأتّى إذا حمل القدرة على المعنى المشهور ـ أي : امكان كلّ من الطرفين وانفكاكهما بالنظر إلى الذات ـ لا على المعنى المستلزم للحدوث ـ أي : امكان كلّ من الطرفين وانفكاكهما بالنظر إلى الداعى ـ. وإنّما يتأتّى اثبات عموم القدرة بمعنى صحّة الانفكاك بالنظر إلى الداعي فيما له امكان الوقوع بالنظر إلى علمه بالأصلح بشرط أن لا يتّحد زمان انفكاك الطرفين ، بل يكون انفكاك الترك في وقت وانفكاك الفعل في وقت آخر ، والقدرة بهذا المعنى ليست إلاّ بمعنى ترك ايجاد العالم في الأزل وايجاده فيما لا يزال. وهذا المعنى هو معنى القدرة المستجمعة لجميع شرائط التأثير الّتي صرّح هذا القائل بأنّها لا تتعلّق إلاّ بما له امكان الوقوع بالنظر إلى علمه بالنظام الأعلى ، فكيف يمكن أن
__________________
(١) الاصل : الملزومة.
(٢) الاصل : ولا جواز.