المحصلين : كمال أوّل لما بالقوّة من جهة ما هو بالقوة ، إذ المتحرّك ما دام في أوّل المسافة ساكن فهو متحرّك بالقوّة وواصل إلى القوّة بالغاية ، فاذا تحرّك حصل له كمال وفعل أوّل وبه يتوصّل إلى كمال وفعل ثان هو الوصول إلى الغاية ، لكن ما دام له ذلك الكمال فهو بعد بالقوّة. فهي حالة ما بين صرافة القوّة ومحوضة الفعل. ولذلك لا يكون فاعلها القريب إلاّ شيء فيه قوّة من جهة وفعلية من جهة ، كما أنّ موضوعها أيضا يجب أن يكون كذلك. وامّا الأمر المتّصل المعقول المتحرّك بين المبدأ والمنتهى المسمّى بالحركة بمعنى القطع فذلك لا وجود له البتة بالفعل إلاّ في الذهن. هذا محصّل ما قال بهمنيار في التحصيل في فصل تحديد الحركة (١).
وبه يظهر معنى ما قيل : انّ البرهان الدالّ على أن لا مؤثّر في الوجود إلاّ الله لا ينافي كون حركات العباد صادرة عنهم ، ويندفع ما قيل : انّه لو تمّ لدلّ على أنّ فاعل حركات العباد أيضا هو الله. لأنّه قد ثبت انّ مبدأ الحركة لا يلزم أن يكون بريئا من معنى ما بالقوة ، لأنّ اللازم أن لا يكون ما فيه معنى ما بالقوّة علة لوجود أمر له فعلية الوجود ، والحركة ليست ما له فعلية الوجود لكونها حالة بين صرافة القوّة ومحوضة الفعل فعليّتها لا يلزم أن يكون بريئة من معنى ما بالقوّة من جميع الجهات ـ كما هو معلوم من حال المتحرّك من ثبوت قوّة له ما لم يبلغ إلى المنتهى ـ. وكلّ فعل يصدر عن العباد نوع حركة ، فيجوز أن تكون أفعال العباد صادرة عنهم ، فما دلّ عليه البرهان من أنّه لا يجوز أن يكون علّة الوجود إلاّ ما هو بريء من كلّ وجه من معنى ما بالقوة مخصوص بعلّة وجودها ، وما سوى الحركة من الجواهر والاعراض المفارقة الّتي لها فعلية الوجود ؛ انتهى.
وهذا القائل ادّعى انّ ما ذكره مستفاد من كلام الشيخ الرئيس في أوّل سادسة إلهيات الشفاء حيث قال : انّا نعني بالفاعل العلّة الّتي تفيد وجودا مباينا لذاتها ، أي : لا تكون ذاتها بالقصد الأوّل محلاّ لمّا يستفيد منها وجود شيء يتصوّر حتّى يكون في ذاته قوّة وجوده. وذلك لأنّ الإلهيين ليسوا يعنون بالفاعل مبدأ التحريك فقط ـ كما
__________________
(١) راجع : التحصيل ، الفصل الثاني عشر من المقالة الثانية من الكتاب الثاني ، ص ٤١٨.