ومنها : انّ الممكن إذا كان وجوده مثلا راجحا على عدمه لذاته لكان عدمه ممتنعا لذاته ، لانّ رجحان احد الطرفين يستلزم مرجوحية الطرف الآخر ومرجوحيّته تستلزم امتناعه ـ لضرورة امتناع ترجّح المرجوح ـ ، فرجحان الوجود لذاته يستلزم امتناع العدم لذاته وهو يستلزم وجوب الوجود ، فما فرضناه غير منته إلى حدّ الوجوب منته إليه ؛ هذا خلف!.
وأورد عليه ايرادات ضعيفة لا بدّ لنا أن نشير إلى دفعها ؛
اوّلها : انّه منقوض بالممكن ، فانّه ما يتساوى الوجود والعدم بالنظر إلى ذاته والتساوي ينافى الرجحان كما إن الرجحان ينافي المرجوحية ، فلو وجد ما يتساوى الوجود والعدم بالنظر إلى ذاته لزم رجحان المساوى ، كما انه لو وجد المرجوح لزم ترجيح المرجوح ولا يظهر بينهما فرق في الخلف ؛
وجوابه : ما مرّ انّ معنى تساوي النسبة في الممكن هو عدم اقتضائه شيئا من الوجود والعدم ، لا اقتضائه التساوي حتّى يلزم الفساد ، بخلاف الاولوية الذاتية فانّ معناها اقتضاء ذات الممكن رجحان احد الطرفين أو كونه لائقا له ، وان لم يتحقّق التضاد. فاذا اقتضى الذات رجحان احد الطرفين أو تحقّق الرجحان بدون الاقتضاء يجب أن يكون الطرف الآخر مرجوحا ولا يجوز أن يكون الراجح بالذات مرجوحا بالغير والمرجوح بالذات راجحا بالغير ، لأنّ ما بالذات لا يزول والمتنافيين لا يجتمعان ولو بألف علّة.
وثانيها : انّه منقوض بسائر مقتضيات الماهيّة كبرودة الماء ، فانّها من مقتضيات ماهية الماء مع انّها قد تزول بورود ما ينافيها ـ أعني : الحرارة ـ ؛
وجوابه : انّ المدّعى انّه مع تحقّق الرجحان الذاتى لاحد الطرفين يجب أن يكون الطرف الآخر مرجوحا ـ لاستلزام راجحية احدهما مرجوحية الآخر ـ ؛ ولم ندّع في الدليل انّه يقتضي الرجحان ، فلا يجوز أن يقع خلاف مقتضاه حتّى يعارض بمثل برودة الماء ، فانّ اقتضاء الرجحان الذاتى غير الرجحان الذاتى. على أنّ الاقتضاء على قسمين : اقتضاء تامّ واقتضاء ناقص ، والأوّل كون الشيء مقتضيا لشيء آخر بحيث لا يمكن