وقال بعض الأفاضل (١) : هذا إيراد ما تصدّى احد من القوم لدفعه وحسبوا ان لا مدفع له ، وأنا ارى انّه مدفوع. وبيان ذلك يتوقّف على تمهيد مقدّمة غفل عنها الأكثرون ؛ وهى : انّه قد يوضع موضوع ويفرض له حال ممكن الثبوت له بما هو موضوع ـ مع قطع النظر عن الخصوصيات الخارجة عن ذات الموضوع بما هو موضوع ـ ليستدلّ به على مطلوب وإن لم يكن هذه الحال ممكن الثبوت له بحسب بعض الخصوصيات الخارجة عن نفس الموضوع بما هو موضوع ، ولا ريب في انّ عدم امكان ثبوته له باعتبار بعض الخصوصيات الخارجة عن ذات الموضوع المغايرة لها لا يقدح في امكان ثبوته للموضوع بما هو موضوع ؛ وإذا كان هذا الحال ممكن الثبوت بنفس مفهوم الموضوع بل هو موضوع لا بدّ أن لا يكون فرض ثبوت ذلك الحال لنفس الموضوع من حيث هو هو مستلزما لمحال ـ فانّ الممكن من حيث هو ممكن لا يستلزم المحال ـ ، فاذا فرض انّه لزم من فرض ذلك المحال ووضع امور اخرى محال يجب أن لا يكون المحال ناشئا من فرض ثوبته ، بل من فرض صفة وحالة أخرى في ذلك الموضوع الّذي فرض له تلك الحال. وإذا عرفت هذه المقدمة أقول : الموضوع في هذا الاستدلال « الممكن من حيث انّه ممكن » ، ولا ريب في انّ وقوع الوجود في وقت والعدم في وقت آخر حال ممكن الثبوت للممكن بما هو ممكن ؛ ألا ترى انّ بعض الممكنات يوجد في وقت ويعدم في وقت آخر. وعدم امكان ثبوته لممكن باعتبار بعض الخصوصيات الخارجة عن ذات الممكن كالخصوصية الزمانية غير قادح ـ كما عرفت ـ ، فيتمّ الاستدلال ويندفع المنع والنقض ؛ انتهى.
وأنت تعلم انّ ما ذكره وإن كان حقا في نفسه لكنّه غير نافع في المقام ، لانّ غرض المورد انّ هذا الدليل ليس شاملا لجميع الممكنات لانّه لا يجري في بعض الخصوصيات كالزمان ، لا انّه لا يجري في الزمان إذا أخذ من حيث انه ممكن ، لانه إذا اخذ من حيث انه ممكن لخرج عن الخصوصية الزمانية فيخرج عن محلّ النزاع ، لانّ
__________________
(١) في هامش « د » : هو الفاضل الحاج محمود النيريزي في شرح رسالة اثبات الواجب للدواني. منه ـ رفع قدره ـ.