وممّا يرد عليه : انّه حمل الاستطاعة في الروايتين المذكورتين على الاستطاعة الخارجة عن سلطان الله ـ سبحانه ـ وقد صرّح بأنّ تلك الاستطاعة الّتي حمل عليها الاستطاعة في الروايتين انّما هي طريقة المعتزلة ولا يوافق اصول الامامية. ولم يتفطن انّه حينئذ فكيف يستقيم حمل الروايتين عليها ـ بعد التنزّل عن الحمل على التقية ـ؟!.
الشبهة الثالثة : انّ الفاعل لو كان قادرا على وجود الشيء لكان قادرا على عدمه ، لأنّ نسبة القدرة إلى الطرفين على السواء عند المعتزلة إن اريد بالقدرة هنا القدرة الواحدة بالشخص ، وعند الكلّ إن اريد بها القدرة المطلقة. إذ لا نزاع في تعلّقها بالطرفين ، بل النزاع انّما هو في أنّ القدرة الواحدة بالشخص هل يتعلّق بالطرفين أم القدرة على الفعل غير القدرة على الترك بالشخص ؛ لكن اللازم باطل ، لأنّ العدم الاصلي أزليّ ولا شيء من الأزلى بأثر للقادر. وأيضا العدم نفي محض لا يصلح أن يكون متعلّقا للقدرة والإرادة ، لأنّ معنى تعلّق القدرة بالشيء التأثير فيه ، وحيث لا أثر فلا تأثير.
وأجيب عنه : بأنّ القادر هو الّذي يصحّ منه أن يفعل وان لا يفعل وعدم الفعل ليس فعلا للعدم ، فالعدم لمّا لم يكن شيئا فلا يصحّ أن يكون متعلّق الجعل والتأثير ـ لأنّ الجعل والتأثير لا يتعلّقان إلاّ بشيء ـ ، لكن معنى كون العدم متعلّق الإرادة هو أنّ للقادر أن لا يفعل ـ فيستمرّ العدم ـ وأن يفعل ـ فلا يستمرّ العدم ـ. فباعتبار الاستمرار وعدم الاستمرار يصحّ أن يكون العدم متعلّق القدرة.
وأنت تعلم انّ هذا الجواب يندفع به كلا الدليلين اللذين ذكرا في الشبهة لعدم تقدّم القدرة بالعدم ـ وهما : كون العدم الاصلي ازليا والأزلي لا يكون اثرا للقادر ، وكون العدم نفيا محضا والنفي المحض لا يكون متعلّقا بالقدرة ـ. إذ حاصل الجواب : انّ الطرف المقابل لوجود الشيء هو عدم فعل ذلك الشيء ، لا فعل عدمه. وعدم الفعل ليس فعل العدم ، إذ الثاني هو ايجاد العدم والأوّل ابقائه بأن لا يفعل القادر فيستمرّ العدم. ولا ريب انّ ازلية العدم وتحقّقه قبل القدرة انّما ينافي فعل العدم وايجاده ـ لاستلزامه تحصيل الحاصل لا عدم الفعل بأن لا يفعل الفاعل فيبقي العدم على ما كان ـ ،