وجوده لو كان زمانيا لزم أن يكون قبل كلّ زمان لا إلى نهاية ويلزم القدم. والزمان الموهوم ـ الّذي اثبته الأشاعرة ـ قبل وجود العالم غير صحيح عند المحصّلين من المتكلّمين ـ ومنهم المحقّق الطوسي ـ كما يظهر من تصفّح كلامهم.
وقد أورد على ما نقلناه من بعض المحشين أيضا بأنّ ما ذكره من أنّ تقدّم العدم على الوجود ليس ذاتيا ولا طبيعيا ممنوع عند الحكماء ـ كما صرّحوا به في اثبات الحدوث الذاتي ـ ؛
وقد أجاب عنه بعض الأفاضل : بأنّ مراده ليس تقدّم عدم العالم على وجوده تقدّما ذاتيا لا انّه لا يمكن تقدّم العدم على الوجود تقدّما ذاتيا أصلا ، فاندفع المنع الّذي ذكره. على أنّ فيما ذكره الحكماء في اثبات الحدوث الذاتي من تقدّم عدم الممكن على وجوده تقدّما ذاتيا البتة تأمّل ؛ انتهى.
أقول : غرض المجيب انّ المراد انّ تقدّم عدم العالم على وجوده ليس مجرّد التقدّم الذاتي ، بل لا بدّ على طريقة الملّة من اثبات تقدّم يحصل به الانفكاك ، فمجرّد امكان كون تقدّم العدم على الوجود تقدّما ذاتيا لا ينفع في المقام. وعلى ما ذكرناه من كون العدم السابق بحيث لو فرض فيه الزمان لكان غير متناه ومن تحقّق الانفكاك الواقعي بين مرتبة الواجب ومرتبة العالم يندفع الشبهات ويحصل المراد.
وبما ذكر يظهر أيضا فساد ما ذكره بعض الأفاضل بأنّ الظاهر ـ كما يستفاد / ٥٥MA / من كلام الشيخ رحمهالله في بحث الأمور العامة ـ انّ مراد المحقّق الطوسي من البعدية هاهنا هو البعدية بالذات الّتي اثبتها المتكلّمون وجعلوها / ٥٢DA / قسما سادسا ، وزعموا أنّ تقدّم اجزاء الزمان بعضها على بعض من هذا القبيل. لكن التحقيق انّه لا محصّل له. إذ لا نجد له معنى معقولا سوى الخمسة. بل الظاهر انّه تقدّم بالزمان ، فانّ ذلك التقدّم إذا عرض لغير الزمان كان بواسطة زمان مغاير للسابق والمسبوق ، وإن عرض لأجزاء الزمان لم يحتج إلى زمان مغاير لها ، وان عرض للزمان وغيره لا بدّ أن يكون لذلك الغير زمان ؛ وأمّا الزمان فلا يحتاج إلى زمان آخر. وحينئذ فعدم العالم يجب أن يكون في زمان ، لكن يكفي فيه الزمان الموهوم ؛ انتهى.