على امتناع وجود العقل القديم ، فكيف يقول لم يثبت دليل على امتناعه؟! ، وتخصيص الدليل بالعقلي يأبى ظاهر عبارته المنقولة ، إذ النكرة في سياق النفي يفيد العموم ؛ إذ الدليل النقلي يطلق عليه الدليل في الكتب الكلاميّة ، والمحقّق كثيرا ما يتمسّك به في التجريد ؛ فالمراد بقوله : « وأدلّة وجوده مدخولة (١) » أي : ادلّة وجوده على النحو الّذي اثبته الحكماء ، يعني بوصف قدمه.
وبذلك يندفع المخالفة بين كلامه هذا وبين ما قال في الالهيات : « والواسطة غير معقولة (٢) » ؛ فانّ المراد به انّ الواسطة القديمة الّتي اثبتها الحكماء غير معقولة ، للزوم ما تقدّم من المحذورين ؛ مع مخالفتها لما ثبت / ٥٣MB / من الشريعة. فلو لم يحمل العقل في قوله : « أمّا العقل » على الأعمّ من القديم والحادث و « الواسطة » في قوله : « والواسطة غير معقولة (٣) » على القديم فقط ، بل حمل كلاهما على الأعمّ أو القديم لزم المخالفة بين كلامه ، ولا دافع لها إلاّ بان يقال : انه ـ رحمهالله ـ بعد ردّه في امتناع وجود العقول القديمة في مباحث الجواهر جزم بامتناعه في الإلهيات ؛ ولا يخفى ما فيه. وقد وضح وظهر على أيّ تقدير إن شيئا من المجرّدات والجسمانيات لا يمكن أن يكون واسطة لربط الحادث بالقديم.
ثمّ غير خفيّ انّ أحدا من الحكماء لم يذهب إلى أنّ الواسطة لربط الحادث بالقديم هو العقل ، بل كلّهم متّفقون على انّ الواسطة هو الجسم القديم المتحرّك بالحركة السرمدية. ولذلك جوّزوا التسلسل في الأمور المتعاقبة ، لأنّ الحركة والزمان إذا كانا أزليين يتوقّف وجود كلّ جزء منهما على الجزء السابق ، وهكذا إلى غير النهاية.
قال بعض المتاخرين لانتصار طريقة الحكماء : والحقّ انّه لا محيص في ايجاد الحادث عن القديم عن التزام التسلسل على سبيل التعاقب ، وانّ براهين ابطال التسلسل لا يبطله ـ كما ادّعاه الحكماء ـ ، وما دعا المتكلّمين إلى الحكم بامتناعه هو لزوم الحركة السرمدية المستلزمة لقدم الجسم والزمان على ما ادّعاه الفلاسفة ، ففيه :
__________________
(١) راجع : كشف المراد ، ص ١٣١.
(٢) راجع : كشف المراد ، ص ٢١٨.
(٣) راجع : كشف المراد ، ص ٢١٨.