بما لا يطاق؟!.
وقد تفطّن بما ذكرناه بعض أهل التحقيق حيث قال : يمكن أن يقال بناء على مذهب الاشعرية على أنّ افعال غير الله ـ تعالى ـ واقعة باختياره ـ تعالى ـ ولا تأثير لغيره فيها ، والفرق بين فعل المختار وفعل المضطرّ كالنار : انّ الله يخلق مع الأوّل قدرة غير مؤثّرة فيه ، وبذلك يتصحّح كونه اختياريا ، وفي الثاني لا يخلق قدرة مقارنة أصلا ؛ وبناء مذهب المعتزلة على أنّ افعال غيره ـ تعالى ـ من المختارين واقعة باختيارهم بأن جعلهم الله ـ تعالى ـ مختارين ، أو خلق فيهم قدرة مؤثرة في أفعالهم عند تعلق ارادتهم بها ، فقول الأشعرية : انّ القدرة مع الفعل ، أي : معيّة بالذات كمعلولي علة واحدة ؛ وقول المعتزلة : انّها قبله ، أي : قبلية بالذات كتقدّم العلّة على المعلول ؛ انتهى.
ومثله ما ذكره بعض الأعلام : بأنّ الحقّ انّ النزاع في تقدّم القدرة على الفعل ومقارنتها له متفرّع على النزاع في أنّه هل للعباد قدرة مستقلّة أو غير مستقلّة ، أم لا ؛ فمن قال بعدم الفرق بين حركتي المختار والمرتعش ـ كجهم بن صفوان وأضرابه ـ يقول : ليس للعبد استطاعة اصلا ؛ ومن قال بالقدرة الكاسبة الغير المؤثّرة في الايجاد ـ كالاشعرية والبحارية (١) ـ يقول بها غير متقدّمة ؛ ومن قال باستقلال العباد في أفاعيلهم الاختيارية باقدار الله وتفويضه ـ كأكثر المعتزلة ـ يقول بتقدّمها ؛ وأمّا من قال بعدم التفويض والاستقلال ـ كما هو طريقة المقتبسين من مشكاة أهل البيت عليهمالسلام ـ فيظنّ أنّه لا يمكنه القول بالتقدّم الزماني ، وإلاّ يلزم التفويض والاستقلال في تلك الحال. لكن لمّا كان الظاهر أنّ مرادهم بعدم استقلال قدرة العبد انّ مع تلك القدرة الّتي اعطاها الله ايّاه ومكّنه أن يفعل بها باختياره يمكن أن يصرّفه الله ـ تعالى ـ عن اختيار الفعل ويقلّب قلبه ولا يأذن له ـ كما قد يفعل باحبّائه عند همّهم المعصية ، أو باعدائه عند ضدّ ذلك ـ وأنّه لا يصدر عنه فعل إلاّ بتوفيق الله ـ تعالى ـ أو خذلانه ؛ ولا ينافي ذلك كونه بحيث لو خلّى بحاله واختياره امكن صدور الفعل عنه في حال بعد ذلك الحال فيمكن التقدّم ولا يلزم التفويض والاستقلال ؛ انتهى.
__________________
(١) كذا في النسختين ، ولم أجد ذكرا لهذه الفرقة في المآخذ.