فلهم أن يقولوا : ليس من الحكمة والعدالة أن يظلم ويزجر مسكين فقير ويبتلى بأنواع العذاب والبليّات لأجل انّه صلاح لغيره. مع أنّ هذا لا يناسب القدرة التامّة الكاملة ، لأنّ الفاعل حينئذ عاجز عن ايجاد نظام الكلّ بحيث لا تقع فيه تلك الشرور ، ولا يمكنه ايجاد ما يوجده إلاّ باصابة الظلم والشرور ببعض الضعفاء والمساكين. وأيّ عجز أشدّ من عدم اقتداره على ايجاد هذا النظام بدون تلك الشرور؟! ؛
على أنّ بعض الموجودات الممكنة كالشيطان وغيره منبع الشرور أبد الآباد ، فليس في وجوده خيرية اصلا!.
والجواب : انّ اصابة بعض الشرور ببعض المظلومين مع قطع النظر عن كونه صلاحا / ١٠٨MB / بالنسبة إلى نظام الكلّ إنّما هو خير وصلاح بالنسبة إلى هؤلاء الاشخاص المظلومين ، لأنّه إمّا متضمّن لخير غالب لهم عاجلا أو آجلا بالذات أو بعوض الله ـ تعالى ـ عنهم بما يجبر هذا الشرّ والظلم ـ كما هو مذهب العدلية ـ. ولو كان صدور الشرّ الّذي يصيب المظلومين عمّن يصدر عنه بالقدرة والاختيار لا من قبيل فعل الطبائع فالأمر أظهر.
وأمّا ما ذكر من انّه لو لم يخلق النظام بحيث لا يقع فيه تلك الشرور ؛ فجوابه ما مرّ من أنّ تلك الشرور من الأعدام اللازمة لطبائع الممكنات ولا يمكن انفكاكها عنها ، ولو فرض انفكاكها عنها لزم انقلاب حقائقها ، ولو كانت وجودات محضة وخيرات صرفة خرجت عن الامكان. فعدم وقوع تلك الشرور يتوقّف على عدم صدور الممكنات رأسا ، وهو يؤدّي إلى قطع الفيض والجود رأسا ؛ ولا ريب في انّه شرّ كثير.
وما ذكر من انّ بعض الموجودات منبع الشرور أبد الآباد ـ كالشيطان ـ وأيّ شرّ أشدّ مفسدة من ايجاد مثل هذا الموجود ؛
ففيه : انّه على قاعدة انّ الوجود خير مطلقا يمكن القول بأنّه لا محذور في ذلك ، إذ الصادر منه ليس إلاّ الوجود وهو خير. غاية الأمر وجوب العوض عليه ـ تعالى ـ لو أصاب شرّه مظلوما ـ كما اشير إليه ـ.