حقيقتها ومحض إنّيتها متفرّعة عليها فائضة منها من غير توقّف ذلك على ملاحظة تعقّل ، فهذا التقدّم ثابت في نفس الأمر ، فيلزم أن يكون فاعل العالم بجميع اجزائه هو ـ سبحانه وتعالى ـ ، ويلزم منه تقدّمه على كلّ جزء من اجزائه تقدّما ذاتيا. فيمكن أن يقال ردّا على القائلين بالحدوث الدهري بأنّ وجوده ـ تعالى ـ عين ذاته وذاته لا يمكن أن يكون موجودا في الذهن ، وانّما هو موجود في العين بالاتفاق ـ لأنّ القوّة المدركة لا يدرك ذاته ـ ، فيكون العالم في مرتبة ذاته الّذي هو عين خارجي معدوما صرفا ، فيلزم كون وجوده بتمام اجزائه مسبوقا بالعدم الخارجي. ولا معنى للحادث الدهري إلاّ ما يكون وجوده مسبوقا بهذا العدم ، وتسميته بالعقلي أيضا لأنّ المدرك الشاهد عليه هو العقل دون الحواسّ بخلاف ساير الأقسام. وحينئذ نقول : التقدّم الدهري الّذي أنتم تثبتونه لا يريدون منه غير ذلك ، فهو بعينه التقدّم الذاتي! ؛
قلنا : التقدّم الذاتي وإن كان تقدّما حقّا ثابتا بنفسه ـ لما ذكر ـ إلاّ أنّ العدم المتقدّم ليس إلاّ العدم الّذي يلزم لماهية / ٤٨MB / الممكن من دون تحقّقه في الواقع ونفس الأمر ، ولو فرض اطلاق التحقّق الواقعي على مثله فهو غير صالح لأن يكون فصلا بين الواجب والعالم وأن يكون بحيث لو فرض وقوع الزمان فيه كان غير متناه ، لأنّ العدم الذاتي عدم مجامع للعلّة والمعلول وليس عدما غير مجامع لهما ، بخلاف التقدّم الدهري ، فانّ المراد به أن يتقدّم العلّة على المعلول مع فصل العدم الغير المجامع لهما ، فيكون فاصلة واقعية بين الواجب والعالم. فحقيقة الحدوث الذاتي للعالم أن يكون العالم مبدعا من غير زمان ، ولا عدم حينئذ إلاّ العدم الّذي يلزم لماهية العالم وهو عدم مجامع يستحيل أن يفصل بينه وبين الواجب فصل بينونة ؛ وحقيقة الحدوث الدهري له أن يتقدّمه عدم غير مجامع بذاته يتحقّق به الفصل بينهما فصل بينونة ؛ وحقيقة الحدوث الزماني له أن يتقدّمه عدم زماني ويسبق كلّ زمان زمان.
فان قلت : لا معنى لأن يفصل العدم بين الواجب وبين العالم فصل بينونة ، لأنّ الفاصل بين شيئين يجب أن يكون شيئا حتّى يصلح لأن يقع به الفصل ، والتخلف والعدم محض السلب ليس له / ٤٦DB / ماهية وذات وهوية يصلح أن يتقدّم ويتأخّر و