للتردّد / ٨٢DA / بين طرفى المقدور؟!.
فظهر ممّا ذكرناه انّ الايراد المذكور لا يندفع بما ذكروه لدفعه ، وبه يظهر فساد الجواب الّذي ذكروه من جانب الأشعري للدليل المذكور للمعتزلة. مع أنّك قد عرفت اندفاع ذلك الجواب بوجوه آخر لا مدفع لها.
ثمّ جميع ما أوردناه من الفحص والتطويل إنّما كان للجرح والتعديل في ما أورده جماعة في هذا المقام من القال والقيل ؛ ولو شئت تحقيق الحقّ في هذا الخلاف ـ بحيث يطرح به ما أورده خلف قاف ـ فاستمع لمّا يتلى عليك بسمع الانصاف.
اعلم! أنّ الاشعرية لمّا قالوا انّ افعال العباد مستندة إلى الله ـ تعالى ـ لا إليهم ، وليس لهم قدرة على الفعل ولكن عادة الله جارية بايجاد قدرة لهم مقارنة لفعل العبد / ٨٦MA / ـ سموّ ذلك بالكسب ـ ، لزمهم القول بعدم تقدّم القدرة على الفعل ومقارنتها لفعله ، ولكن ليس لتلك القدرة المقارنة تأثير لفعله ، بل هو مخلوق من الله ـ تعالى ـ ، فالظاهر انّ مرادهم من عدم كون القدرة متقدّمة على الفعل هو ما استقرّ رأيهم عليه من عدم قدرة العبد قبل الفعل اصلا ، ومرادهم من معية القدرة للفعل هو مقارنة تلك القدرة الغير المؤثّرة له ، فهذا الخلاف منهم مبنى على الخلاف المشهور منهم في افعال العباد ، فما يدلّ على بطلان ذلك الخلاف ـ : من لزوم الجبر ، والتكليف بما لا يطاق لعدم قدرة للعباد قبل الفعل اصلا وعدم تأثير لقدرتهم الّتي تكون مع الفعل ـ يدلّ بعينه على بطلان هذا الخلاف أيضا.
فالعجب من جماعة تثبّتت اقدامهم في معركة الفكر والنظر مع انكارهم الأصول الأشعرية ولما اختاروه في أفعال العباد من عدم قدرة لهم سوى القدرة الكاسبة ـ الّتي لا فرق بين وجودها وعدمها في عدم التأثير ـ ، توجّهوا هنا لتصحيح كلام الأشعرية بتحقّق امكان القدرة للعباد قبل الفعل وثبوت القدرة المؤثّرة معه ؛ وهل هذا إلاّ توجيه كلام الخصم بما لا يرضى به ويقول بخلافه؟!. فانّ من الأصول المشهورة للأشعرية قولهم بعدم قدرة مؤثّرة للعبد مطلقا واستناد جميع افعاله إلى الله ـ تعالى ـ وكونه مجبورا في افعاله ، ومع ذلك كيف يوجّه كلامهم هذا بما لا يلزم منه الجبر والتكليف