صدور الفعل إنّما يجب بحدوث التعلّق. والتعلّق لا بدّ من حدوثه البتة ، لأجل كونه ـ تعالى ـ جوادا وكون الفعل جوادا واقتداره على طرفي الفعل والترك مع اشرفية اختيار الفعل ، فالقدرة على الفعل والترك أشرف من عدم القدرة على الترك. ولكن الفعل اشرف من الترك ، واختيار أشرف الطرفين واجب من دون تصوّر غرض يحصل به الاستكمال.
هذا غاية ما يمكن أن يقال في هذا المقام توجيها لأنّ القول بالقدرة بالمعنى المذكور ـ أي : امكان الفعل والترك بالنظر إلى الذات ـ لا ينافي قواعد الحكمة ، والحكماء قائلون به. وهو بعد محلّ كلام! ، لأنّ الحقّ انّ اختيار ايجاد العالم لكونه حسنا ونظاما أصلح بعد فرض امكان الفعل والترك بالنظر إلى الذات لا يخلوا عن غرض زائد على الذات وهو منفي عند الفلاسفة ولا يقولون به ، فانّ الظاهر من كلام اساطينهم انّ وجود العالم تابع لعلمه وعلمه سبب لايجاده من دون كون الايجاد معلّلا بحسنه وصلاحه ، فانّ التابع لعلمه ـ تعالى ـ وإن كان نظاما أصلح لا يتصوّر أصلح منه ، أنّ ايجاده غير معلّل بالاصلحية بل هذا النظام الأصلح يتبع علمه الّذي هو عين ذاته.
وإن شئت توضيح هذا الكلام فاستمع ما أورده بعض / ٣٦DB / المحقّقين في هذا المقام مع تفصيله وتوضيحه ؛ فانه قال : الفاعل على ستّة أصناف :
الأول : الفاعل بالطبع ، وهو الّذي / ٣٧MA / يصدر عنه الفعل بلا شعور منه وإرادة ، ويكون فعله ملائما لطبعه.
والثاني : الفاعل بالقسر ، وهو الّذي يصدر عنه الفعل بلا شعور منه وإرادة ، ويكون فعله على خلاف مقتضى طبعه.
والثالث : الفاعل بالجبر ، وهو الّذي يصدر عنه الفعل بلا اختياره بعد أن يكون من شأنه اختيار ذلك الفعل وعدمه.
وهذه الثلاثة مشتركة في كونها غير مختارة في فعلها.
والرابع : الفاعل بالقصد ، وهو الّذي يصدر عنه الفعل مسبوقا بإرادته المسبوقة بعلمه المتعلّق بغرضه من ذلك الفعل ، ويكون نسبة أصل قدرته وقوّته من دون انضمام