يكون الجعل الشرعي بلحاظ تلك الجهة وتتميم الكشف الناقص الموجود فيهما واعتباره كشفا تامّا.
ولا بدّ في تعيين هذه الجهة وتشخيصهما من ملاحظة أدلّة حجيّتهما وأنّ أيّ شيء يستفاد منها.
فنقول : إنّ السنّة أدلّتهما مختلفة ، ففي بعضها حكم بأنّه يمضي ، وفي بعضها حكم بأنّ « شكّك ليس بشيء » ، وفي جملة منها « إنّما الشكّ في شيء لم تجزه ».
والإنصاف أنّ هذه العبارات على اختلافها لا تدلّ على أكثر من الجري العملي ، ولا يمكن إثبات الأماريّة بها. نعم في بعض أخبار الشكّ في أجزاء الوضوء بعد الفراغ عنه : « هو حين يتوضأ أذكر منه حين يشكّ » وظاهر هذا التعليل لعدم الإعادة هي الأماريّة ، وأنّ حجيّتها بلحاظ الكشف عن وجود المشكوك.
هذا كلّه بحسب الأخبار ، وأمّا بناء على كون حجيّتهما من باب بناء العقلاء على صحّة المركّب الذي صدر منهم إذا شكّوا في إتيانه كاملا بعد الفراغ عنه ، أو إذا شكّوا في إتيان جزء بعد التجاوز عن محلّه إذا كان للجزء محلّ ، فتكون القاعدتان من الأمارات يقينا ، وعلى كلّ حال تكونان مقدّما على الاستصحاب إمّا من باب الحكومة لو كانا من الأمارات ـ وقد أوضحنا وجه حكومة الأمارات على الأصول وإن كانت الأصول تنزيليّة ـ وأمّا بناء على كونهما من الأصول التنزيليّة ، فتقديمها على الاستصحاب من جهة كون جعلهما في مورد الاستصحاب غالبا ، فلو لم يقدّما عليه يلزم لغويّة جعلهما.
وربما يقال في وجه تقديمهما عليه وإن كانا من الأصول التنزيليّة أيضا بحكومتهما عليه ، كما لو كانا أمارتين من جهة أنّ موضوع الاستصحاب هو الشكّ في البقاء بعد اليقين بالحدوث ، ومفاد القاعدتين هو البناء على عدم الاعتناء بالشكّ في بقاء العدم ، بل البناء العملي على انقلاب العدم بالوجود ، فيرتفع موضوع الاستصحاب تعبّدا ،