ليس كذلك ؛ لأنّ الجزء الأخير والعلّة لوقوعه في هذا الضرر هو إرادة نفسه لا تغرير الغارّ. وإن كان المراد من كونه ـ أي الغارّ ـ سببا أي تغريره معدّ من معدّات وجود هذا الضرر ، فهذا وإن كان حقّا ولكن مثل هذا المعنى لا ينبغي أن يتخيل أو يتفوّه به أحد ، لأنّه معدّات كثيرة تكون لوقوع هذا الضرر ؛ فلا وجه للرجوع إلى الغارّ وحدة وتغريمه ، مع اشتراك غيره معه في المعدّية ، بل يكون نسبة التلف إلى بعض المعدّات من المضحكات.
وأمّا عدم الكبرى ، فمن جهة أن هذا الكلام أي كون السبب ها هنا أقوى من المباشر ممنوع ، وإن سلّمنا كونه سببا ؛ لأنّ المناط في أقوائيّة السبب من المباشر هو أن لا يتوسّط بين الفعل والسبب إرادة واختيار ، وإلاّ يكون الفعل مستندا إلى الفاعل المختار ، وهو يثاب أو يعاقب على الفعل لا الذي غرره وأغواه.
ولعلّه إلى هذا يشير قوله تعالى حكاية عن قول الشيطان ( وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلاّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ ) (١) اللهمّ إلاّ أن يقال : هذا فيما إذا لم يكن الفاعل المختار جاهلا بالضرر المترتّب على فعله ، أمّا لو كان جاهلا بالمفسدة والضرر المترتّب على ذلك الفعل ، كما أنّه لو وصف شخص دواء سامّة بأنّه نافع وله آثار كذا وكذا ، وغرّره على شرب تلك الدواء ، فالسبب ها هنا أقوى من المباشر وإن كان الفعل صادرا عن الفاعل المختار.
ولعلّه من هذه الجهة يقال بأنّ الطبيب ضامن وإن كان حاذقا ، بل يمكن أن يقال بأنّه يقاد لو كان عالما بأنّها سامّة ومع ذلك غرّر المريض لشربها. وفي قضيّة الشيطان عدوّ الله وعدوّ الناس أيضا يثاب أو يعاقب الناس بعد إرسال الرسل وإنزال الكتب وهدايتهم إلى سواء السبيل لكي لا تكون لهم الحجة على الله بل له الحجة البالغة ليهلك من هلك عن بينة ويحيي من حي عن بينة.
__________________
(١) إبراهيم (١٤) : ٢٢.