ذهب شيخنا الأستاذ قدسسره إلى بطلان العبادة وقال : كما أنّ الوضوء والغسل والصوم والصلاة مع نزع غير المأكول أو نزع الحرير إذا كانت ضرريّة تبطل ، فكذلك فيما إذا كانت هذه المذكورات حرجيّة. وذلك من جهة أنّ مساق القاعدتين ـ أي قاعدة الضرر وقاعدة الحرج ـ واحد ، إذ في موارد كلتيهما يكون الحكم الواقعي مرفوعا بالمرّة ؛ لأنّ نتيجة حكومتهما على الأدلة الأحكام الواقعيّة هو تخصيصها بغير موارد الضرر والحرج ، كما هو الحال في جميع موارد الحكومة الواقعيّة ، فكأنّ الحكم الواقعي يصير نوعين ، النوع الضرري والحرجي يرتفعان عن عالم التشريع بالمرّة ، والنوع الآخر الذي ليس بضرري ولا هو حرجي يبقى على حاله.
وبعبارة أخرى : العمومات والإطلاقات الأوّلية لو لا هاتان القاعدتان كانت تشمل هذه الموارد أيضا ـ أي موارد كونها ضرريّا أو حرجيّا ـ كسائر الموارد التي ليست كذلك ، ولكن أدلّة هاتين القاعدتين تخصّص العمومات الأوّلية تخصيصا واقعيّا ، وكذلك تقيّد الإطلاقات الأوّلية تقييدا واقعيّا ، فتكون موارد هاتين القاعدتين خارجة عن تحت حكم تلك العمومات والإطلاقات حقيقة وواقعا ، لا عن تحت موضوعها حتّى تكونان واردتين على الأدلّة الأوّلية ، فتكون العبادة أو جزؤها أو شرطها كأن لم يكن تعلّق بها أمر ولم تكن عبادة إذا كانت حرجيّة ، كما هي كذلك لو كانت ضرريّة ، فالإتيان بها عبادة تشريع محرم.
وفيه : أنّ قياس باب الحرج بباب الضرر في غير محلّه ؛ لأنّ الضرر موجب لحرمة الفعل الضرري ، فارتكاب الفعل الذي فيه الضرر لا يجوز ، فلا يجتمع مع العبادة التي يجب الإتيان بها مقرّبا.
وبعبارة أخرى : الفعل الذي ضرري مبعد ، ولا يمكن أن يكون المبعد مقرّبا ، ولا يطاع الله من حيث يعصى وإن كان هذا الكلام ـ أي كون الفعل الضرري مبعدا وحراما بجميع مراتبه حتى الضرر الخفيف ـ لا يخلو من نظر. اللهم إلاّ أن يقال : إنّ تلك المرتبة التي ليست محرّمة ومبعدة لا يرفع الحكم الشرعي الإلزامي ، فلا يرتفع بها