مبالغة في توهينه والاستهانة به ، وقد احتف به أهل الشام لما رأوا ما اتصف به من سمو الخلق ، وبليغ النطق وقوة الحجة ، والتحرج في الدين ، وبلغ ذلك هشاما فتميز من الغيظ فاستشار بعض مواليه ، وطلب منه الرأي للحط من شأنه وتوهينه أمام أهل الشام فأشار عليه أن يأذن للناس اذنا عاما ، ويحجب زيدا ثم يأذن له في آخر الناس فاذا دخل عليه وسلم فلا يرد عليه سلامه ولا يأمره بالجلوس ، وحسب أن ذلك موجب للحط من شأنه والتوهين بشخصيته وفعل هشام ذلك ، فلما دخل زيد وسلم لم يرد عليه سلامه فثار زيد في وجهه ـ فيما يقول بعض المؤرخين ـ وخاطبه بعنف قائلا :
« السلام عليك يا أحول فانك ترى نفسك أهلا لهذا الاسم ... » (٢٧) ونسفت هذه الكلمات جبروت الطاغية ، واطاحت بغلوائه ، فصاح بزيد : « بلغني أنك تذكر الخلافة ، وتتمناها ، ولست أهلا لها ، وأنت ابن أمة .. »
وانبرى زيد يسخر منه ، ويدلي بحجته في تفنيد قول هشام قائلا : « ان الامهات لا يقعدن بالرجال عن الغايات ، وقد كانت أم اسماعيل أمة لأم اسحاق فلم يمنعه ذلك أن بعثه الله نبيا ، وجعله أبا للعرب ، وأخرج من صلبه خير الأنبياء محمد (ص) ... » (٢٨).
وفقد هشام توازنه امام هذا المنطق الفياض ، وسرت الرعدة في أوصاله فراح يتهجم على الامام محمد الباقر (ع) فقال له :
« ما يصنع أخوك البقرة؟ .. »
__________________
(٢٧) تهذيب ابن عساكر ٦ / ٢٢.
(٢٨) الكامل لابن الأثير ٥ / ٨٤.