والمالية في حروب طاحنة مريعة ومذهلة منيت الأمة فيها بأفدح الخسائر وافظع النكبات.
لقد اتجهت الأمة اتجاها عسكريا مدمرا فيما بينها ، ولم يكن فيها أي بصيص لنور العلم والفكر ، فقد خبأ ذلك النور الذي فجره الاسلام في العالم ، وأراد للبشرية أن تسير على ضوئه لتحقق أهدافها من الأمن والرخاء والتطور ...
أطل الامام أبو جعفر (ع) على عالم ملئ بالفتن والاضطراب والاحداث ، ورأى الأمة الاسلامية قد فقدت جميع مقوماتها ، ولم تعد كما يريدها الله في وحدتها وتكاملها ، وتطورها في ميادين العلم والانتاج .. ووجه الامام بحكم قيادته الروحية جهده لإعادة مجد الأمة ، وبناء كيانها الحضاري ، فرفع منار العلم ، واقام صروح الفكر ، وقد انصرف عن كل تحرك سياسي ، واتجه صوب العلم وحده متفرغا له يقول المستشرق « روايت م. رونلدس » « وعاش مكرما متفرغا للعلم في عزلته بالمدينة ، وكان الناس يأتونه فيسألونه عن الامامة » (٢).
وقد خف إليه زمرة من اعيان الأمة لتلقي العلوم منه ، وكان ممن وفد عليه العالم الكبير جابر بن يزيد الجعفي فقد قال له الامام في أول التقائه به :
ـ من أين أنت؟
ـ من اهل الكوفة.
ـ ممن؟
__________________
(٢) عقيدة الشيعة ( ص ١٢٣ ).