سجوده إلا انهم نظروا الى عاتقه فوجدوا مثل ذلك الاثر عليه فسألوه عن ذلك فقال (ع) :
« اما انه لو كان حيا ما حدثتكم عنه ، كان لا يمر به يوم من الايام إلا اشبع فيه مسكينا فصاعدا ما أمكنه ، فاذا كان الليل نظر الى ما فضل عن قوت عياله يومهم ذلك فجعله في جراب فاذا هدأ الناس وضعه على عاتقه ، وتخلل المدينة وقصد قوما لا يسألون الناس الحافا فوصلهم من حيث لا يعلمون من هو ، ولا يعلم بذلك أحد من أهله غيري ، فانى كنت أطلعت على ذلك منه يرجو بذلك فضل اعطاء الصدقة بيده ، ودفعها سرا ، وكان يقول : صدقة السر تطفئ غضب الرب (٢٦).
ويروي الامام الباقر (ع) بعض مبرات أبيه فيقول : كان أبي ربما يشتري مطرف الخز بخمسين دينارا فيشتو فيه ، ويدخل به المسجد فاذا كان الصيف أمر فيتصدق به ، أو بيع فيتصدق بثمنه (٢٧).
لقد كان الامام زين العابدين (ع) نسخة لا ثاني لها في تأريخ الانسانية ، فان مقايسه الخلقية ، وفضائله النفسية لترفعه الى مستوى لم يبلغه أي انسان عدا آبائه.
وحج الامام زين العابدين (ع) بيت الله الحرام ، وكان قد حج هشام بن عبد الملك ، وقد جهد هشام على استلام الحجر فلم يستطع لزحام الناس على الحجر ، ونصب له منبر فجلس عليه ، وجعل ينظر الى طواف الناس ، واقبل الامام زين العابدين ليؤدي طوافه ، فلما بصر به الحجاج غمرتهم هيبته التي تحكي هيبة جده رسول الله (ص) وتعالت الاصوات
__________________
(٢٦) دعائم الاسلام ٢ / ١٨٨.
(٢٧) دعائم الاسلام ٢ / ١٥٦.