وكان من اعظم ايام صفين ، وأشدها محنة يوم الهرير ، وهو اليوم الأعظم ـ كما يسميه المؤرخون ـ فقد استعرت فيه نار الحرب ، وأشتد أوارها ، حتى خيم الفزع والموت على الناس وقد تحدث عنه الامام أبو جعفر (ع) قال : « لما كان اليوم الأعظم ، قال اصحاب معاوية : والله لا نبرح اليوم العرصة حتى نموت أو يفتح لنا ، فبادروا القتال غدوة في يوم من ايام الشعرى (٣٥١) طويل شديد الحر ، فتراموا حتى فنيت النبال ، وتطاعنوا حتى تقصفت الرماح ، ثم نزل القوم عن خيولهم ، ومشى بعضهم الى بعض بالسيوف ، حتى كسرت جفونها ، وقام الفرسان في الركب ، ثم اضطربوا بالسيوف ، وبعمد الحديد ، فلم يسمع السامعون إلا تغمغم القوم ، وصليل الحديد في الهام ، وتكادم الأفواه ، وكسفت الشمس وثار القتام ، وضلت الألوية والرايات ، ومرت مواقيت اربع صلوات ما يسجد فيهن لله إلا تكبيرا ، ونادت المشيخة فى تلك الغمرات ، يا معشر العرب الله ، الله في الحرمات من النساء والبنات. »
ولما انتهى ابو جعفر الى هذه الكلمات بكى (٣٥٢) فقد طافت به تلك الذكريات الحزينة التي تذيب من هولها القلوب ، فقد مثلت أمامه محنة جده الامام امير المؤمنين (ع) حينما ابتلى بتلك الزمرة الخائنة التي عملت على محو الاسلام ، وأزالة مكاسبه ، واعادة الحياة الجاهلية
__________________
(٣٥١) الشعرى : كوكب نير يقال له المرزم يطلع بعد الجوزاء ، وطلوعه في شدة الحر « اللسان ».
(٣٥٢) شرح النهج ٢ / ٢١٢ ـ ٢١٣ ، وقعة صفين ( ص ٥٤٧ ).