الصنف الثاني لا تدلان على وجوب التقصير بل غايتهما الجواز الغير المنافي للتخيير.
خلافا للصدوق في الفقيه والخصال (١) ، فقال بمساواة هذه المواضع لغيرها في وجوب التقصير ما لم ينقطع سفره بأحد القواطع ، وتبعه القاضي على ما حكي عنه (٢) ، بل الاستبصار والتهذيب على احتمال (٣).
للصنف الثاني من الأخبار بترجيحه على الصنف الأوّل باعتبار كونه أخصّ مطلقا منه ، لعموم الأوّل بالنسبة إلى قصد العشرة وعدمه واختصاص الثاني بقصدها ، وباعتبار كون الأوّل صادرا للتقية كما تدلّ عليه صحيحتا ابن وهب ، وباعتبار موافقة الثاني لعمومات القصر ، فبعد تعارضهما وعدم الترجيح ـ لو فرض ـ يرجع إليها ، ولعلّه يحمل الصنف الثالث على التخيير بين الإتمام والقصر باعتبار التخيير بين قصد الإقامة وعدمه.
ويردّ الاعتبار الأوّل ـ مضافا إلى بعد ذلك التخصيص في تلك الأخبار ـ بأنّه غير جار فيما أمر بالتمام بمجرّد المرور كما في روايتي قائد وابن رياح ، أو يوم الدخول كما في صحيحة مسمع ، أو ولو صلاة واحدة كما في صحيحة البجلي ورواية عثمان.
والثاني : بأنّه إن أراد أنّ الصنف الأوّل موافق للعامة ويصير لأجله مرجوحا ففيه : أنّه ليس كذلك ، لأنّ إيجاب التمام على ما هو مقتضى الأمر ليس مذهبا لأحد من العامة لأنّهم ما بين موجب للقصر مطلقا وهم أكثرهم ومنهم أبو حنيفة (٤) ، ومخيّر بينه وبين الإتمام كذلك وهو الشافعي وغيره (٥).
وإن أريد أنّ الأمر بالتمام كان لاتّقاء الأصحاب عن إتمام الصلاة قبل
__________________
(١) الفقيه ١ : ٢٨٣ ، الخصال : ٢٥٢.
(٢) المهذب ١ : ١٠٩.
(٣) الاستبصار ٢ : ٣٣٢ ، التهذيب ٥ : ٤٢٧ و ٤٢٨.
(٤) حكاه عن أبي حنيفة في بداية المجتهد ١ : ١٦٦ ، وأحكام القرآن للجصاص ٢ : ٢٥٢.
(٥) الام ١ : ١٧٩ ، وانظر المغني والشرح الكبير ٢ : ١٠٨ ، وبداية المجتهد ١ : ١٦٦.