واحتمل بعضهم (١) عدم التقصير في الأخير ، لبطلان المسافة الأولى بالرجوع عنها ، وعدم بلوغ المقصود الثاني مسافة.
ويردّ : بمنع بطلان الاولى إن أريد مطلق المسافة ، إذ لا دليل على بطلانها بمجرد الرجوع عن شخصها مع بقاء نوعها ، فيرجع إلى استصحاب وجوب القصر ، ومنع مدخليّة الشخص في الحكم إن أريد بطلان الشخص.
هـ : قد عرفت وجوب التمام لو رجع عن عزم السفر قبل بلوغ المسافة ، والمراد بها مسافة جواز التقصير وهي الأربعة. أمّا لو بلغ الأربعة فلا يجب الإتمام ـ على ما اخترناه من التخيير ـ قطعا ، لبلوغه المسافة التخييرية ، ولاختصاص الإجماع والأخبار المتقدّمة الآمرة بالإتمام لو نوى الرجوع بما قبل الأربعة.
وهل يتخيّر في هذه الصورة أيضا ، أو يجب القصر ولو في الإياب أيضا ما لم يقطع سفره في الأربعة؟
اختار الشيخ في النهاية الثاني (٢) ، ونفى عنه البعد بعض مشايخنا (٣) ، مع أنّ مذهبهما في الأربعة إذا قصدت في مبدأ السفر من غير إتمام الثمانية عدم وجوب القصر ما لم يرجع ليومه ، بل جوازه.
ووجه الفرق بينهما عدم ثبوت ما يوجب تحتّم القصر في الثاني ، من ثبوته واستصحاب وجوبه ، بخلاف الأول ، فإنّه حصل موجب القصر الاتفاقي ـ وهو قصد الثمانية الذهابية في مبدأ السفر ـ في الأول دون الثاني ، إذ المسافة المقصودة فيه أولا إنّما هي الثمانية الملفّقة من الذهاب والإياب.
وهو قوي جدّا ، للاستصحاب المتقدّم ، والأمر في رواية إسحاق وصحيحة أبي ولاّد بالقصر مع بلوغ الأربعة في المورد (٤) ، وسائر أخبار تحتّم القصر في
__________________
(١) الشهيد الثاني في روض الجنان : ٣٨٥.
(٢) النهاية : ١٢٥.
(٣) انظر الرياض ١ : ٢٥٠.
(٤) راجع ص ١٩٨ ، و ١٩٩.