وحيث كنت وبأيّ عمل أنت فهو معك وشاهد عملك كما أخبرك بقوله : ﴿ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً ﴾(١) و﴿ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ ما كانُوا ﴾(٢) فإيّاك والغفلة ، واصرف عمرك في خدمته مصاحبا لجناب أحديّته ، مستدركا لفيض صحبته ، معتكفا في مقام خشيته ، مستغرقا في بحر معرفته ، معتزلا عمّن سواه في زاوية طاعته ، مستفرغا لعبادته ، متفكّرا في آثار قدرته ، مستكينا لجلالته وعظمته ، مستسلما لسلطانه وعزّته ، ذاكرا لجميع (٣) ما أحاط بك من خيره ونعمته ولمقرّبي حضرته من رسله وأنبيائه وملائكته لا سيّما محمّد صلىاللهعليهوآله وعترته ، شاكرا لآلائه ونعمائه كما هو أهل لحضرته ، حامدا لجميع أفعاله وصفاته ، غير آئس من روحه ورحمته ولا مأمونا من مكره وحيلته ، والاستدراج والإتراف عند توفّر الخير وكثرته ، محتسبا للاختيار عند إمساكه ومنعته ، متنبّها عند استفساره وفتنته ، راضيا بقضائه وحكمته في نفسك وفي سائر بريّته.
ثمّ اعلم : أنّ عمرك عبارة عن سنين معيّنة التي أنت تعيش فيها ، وهي عبارة عن الشهور ، والشهور عبارة عن الأيّام ، والأيّام عبارة عن الساعات ، وهي عبارة عن الدقائق ، والدقائق عبارة عن أنفاس لك معدودة ، وهي ثلاثة : النفس الذي مضى ولست تدركه ، والذي بعدك ولا تدري ما ذا عاقبته ؛ ففي الحقيقة ليس عمرك إلّا النفس الذي أنت فيه ، فلا تصرفه إلّا فيما فيه منفعتك ، وبه نجاتك ، وإليه حاجتك ، ومنه استعانتك ، ولا تشغله في الأباطيل ، ولا تجعله محلّا للأقاويل ، ودع الفضول ، والتكلّم بغير المعقول ، والقول فيما لا يعرف ، والخطاب بما لا تكلّف ؛ فإنّ الأقوال من جملة الأعمال و﴿ ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾(٤) ولا تقل ما لا تعلم وإن قلّ ما تعلم ، فإنّ الوقوف عند الشبهات أسهل من الارتباك في الهلكات.
ثمّ اعلم : أنّه ليس العلم إلّا ما علمته بعين بصيرتك ، وتحمّلته بنور معرفتك ، فإيّاك
__________________
(١) يونس (١٠) : ٦١.
(٢) المجادلة (٥٨) : ٧.
(٣) ب : بجميع.
(٤) ق (٥٠) : ١٨.