ثمّ رزقك وهداك ، وليكن له تعبّدك ، وإليه رغبتك ، ومنه خشيتك ، فإنّ بيده خزائن السماوات والأرض ، وقد أذن لك في الدعاء ، وتكفّل بالإجابة ، وأمرك أن تسأله ليعطيك ، وتسترحمه ليرحمك ، ولم يجعل بينه وبينك من يحجبه عنك ، ولم يلجئك إلى من يشفع لك إليه ، وإن أسأت فلم يمنعك من التوبة ، ولم يعرك بالإنابة ، ولم يعاجلك بالنقمة ، ولم يؤيسك من الرحمة ، بل جعل نزوعك عن الذنب حسنة ، وحسب سيّئتك واحدة ، وحسنتك عشرا ، وفتح لك باب المتاب ، فإذا ناديته سمع نداك ، وإذا ناجيته علم نجواك ، فاطلب منه حاجتك ، واشك إليه همومك ، واستكشف منه كروبك ، واستعنه على جميع امورك ، واسأل من رحمته ما لا يقدر على إعطائه غيره من زيادة عمرك ، وصحّة بدنك ، وسعة رزقك.
واعلم : أنّه تبارك وتعالى أعطى بيدك مفاتيح خزائنه ، وأذن لك في مسألته ، فمتى شئت استفتحت بالدعاء أبواب نعمه ، واستمطرت سحائب رحمته ، ولا يقنطنّك إبطاء إجابته ، فإنّ العطيّة على قدر النيّة ، وربّما تؤخّر الإجابة ليكون أعظم لأجر السائل ، وأجزل لعطاء الآمل ، وربّما تسأل شيئا ولا تؤتاه ، واوتيت خيرا منه عاجلا وآجلا ، أو صرف عنك ما هو خير لك ؛ فلربّ أمر قد طلبته وفيه هلاك دينك لو أوتيته ، وليكن مسألتك فيما يبقى (١) لك جماله ، وينفى عنك وباله ، فإنّ المال وأمثاله لا يبقى لك ولا تبقى له.
ثمّ اعلم : أنّ الله تعالى ما جعل واسطة بينك وبينه إلّا من هو أهل الوساطة ، ولائق الشفاعة من كتابه المبين ، ورسوله الأمين محمّد صلىاللهعليهوآله وعترته الطاهرين ؛ فحيثما أردت السؤال فتوسّل بمحمّد صلىاللهعليهوآله وعترته الطاهرين وبالقرآن وحرمته ، فإنّهم أئمّتك وقادتك وشفعاؤك ليوم فقرك وفاقتك.
ثمّ اعلم : أنّه تبارك وتعالى لا يزال يذكرك ولا ينساك ، وما ودّعك ربّك وما قلاك ، (٢)
__________________
(١) الف : بقي.
(٢) إشارة إلى الآية ٣ من سورة الضحى.