إذ الجميع كما ترى ، مع أنّه قول بالفصل في المسألة ، لا دليل عليه يعتدّ به ، بل الدليل المعتبر ـ كما عرفته ـ على فساده قائم ؛ فقول (١) هزل لا يعبأ به ، ولا يلتفت إليه جدّا.
وكيف ما كان ، فالمعتمد هو القول المختار ، كما لا يخفى على اولي الأبصار والأنظار.
وهل يختصّ هذا الحكم هنا بالصورتين المشار إليهما ، أم لا ، بل يعمّهما وغيرهما أيضا ؟
فيه خلاف وإشكال يأتي إليه الإشارة مع ما هو الصواب فيما بعد إن شاء الله سبحانه.
[ الحادي عشر ] : أن لا يكون هناك مفت آخر ـ جامع للشرائط يتمكّن المستفتي من الرجوع إليه والعمل بفتواه بسهولة ـ أعلم من هذا المفتي ، فلو كان لم يصحّ له العمل ابتداء بفتواه على الأظهر الأشهر بين أصحابنا ، كما عن المسالك (٢) ، بل المشهور ، بل المعظم ، بل لا خلاف يعتدّ به فيه يظهر ، بل ولعلّه عليه الإجماع ، كما في صريح كلام جماعة (٣) ، وظاهر اخرى (٤) .
ففيما يحضرني الآن من نسخة حاشية الشرائع للمحقّق الشيخ عليّ ـ طاب ثراه ـ :
لو جاز العمل بقول الفقيه بعد موته ، امتنع في زماننا هذا ؛ للإجماع على وجوب تقليد الأعلم والأورع من المجتهدين ، والوقوف لأهل العصر على العلم والورع بالنسبة إلى الأعصر السابقة كاد أن يكون ممتنعا (٥) .
وفي تمهيد القواعد لشيخنا الشهيد الثاني طاب ثراه : فإن سأل جماعة فاختلفت فتاواهم ، فقال قوم : لا يجب عليه البحث عن أورعهم وأعلمهم ، وقال آخرون : يجب
__________________
(١) خبر لقوله : « القول بأنّ كل قول ... » وقوله : « والقول بالجواز والصحّة ... »
(٢) مسالك الأفهام ، ج ٣ ، ص ١٠٩.
(٣) منهم المحقّق الكركي في حاشية الشرائع ( حياة المحقّق الكركي وآثاره ) ، ج ١١ ، ص ١١٣ ؛ والشهيد الثاني في مسالك الأفهام ، ج ٣ ، ص ١٠٩ ، تمهيد القواعد ، ص ٣٢١ ، قاعدة ١٠٠.
(٤) كما في زبدة الأصول ، ص ١٢٠.
(٥) حاشية شرائع الإسلام ( حياة المحقّق الكركي وآثاره ) ، ج ١١ ، ص ١١٤.