وحينئذ فالحكم ليس إلّا في مرتبة الإنشائيّة ، وقد ذكرنا أنّه لا يكون الشكّ فيها إلّا من جهة احتمال النسخ ، وليس شكّنا حينئذ من جهة احتمال النسخ كلّية.
نعم ، لو قلنا : إنّ الحكم المشروط ما يكون الحكم فيه مشروطا وإنّه سنخ مغاير لسنخ الحكم المطلق فله نحو وجود يمكن استصحابه حينئذ ، فإنّه حينئذ حكم كنّا على يقين منه ونشكّ في ارتفاعه وعدم الارتفاع فيستصحب.
ولعلّه لهذا عدل الشيخ الأنصاري بعد قوله بالاستصحاب التعليقي إلى تصويره بتصوير استصحاب تنجيزي فقال : إنّ سببيّة غليان العنب لنجاسته كانت سابقا موجودة فتستصحب في الزبيب (١).
وقد أشكل عليه النائيني قدسسره (٢) بأنّ الأحكام الوضعيّة قد بني على أنّها منتزعة من التكليف خصوصا مثل السببيّة والشرطيّة وما أشبهما ، وحينئذ فلا يمكن استصحاب سببيّة الغليان للنجاسة ، فلا بدّ من استصحاب الحكم الّذي صار منشأ لانتزاع السببيّة ، وقد فرضنا أن لا حكم لعدم تحقّق موضوعه خارجا حتّى يستصحب. (وممّا ذكرنا سابقا يعلم أنّا لو بنينا على أنّ السببيّة مجعولة بجعل مستقلّ لا يجري فيها الاستصحاب ، إذ السببيّة لم تبلغ المرتبة الفعليّة والمرتبة الإنشائيّة لا يحتمل ارتفاعها لعدم احتمال نسخها) (٣).
ثمّ إنّ هنا موردا يجري فيه الاستصحاب يكاد أن يكون شبيها بما نحن فيه من الاستصحاب التعليقي ، وهو موارد العقود التعليقيّة مثل الوصيّة والتدبير والمسابقة وغيرها ، ممّا كانت الملكيّة فيها مجعولة على تقدير موت الموصي والمدبّر وسبق زيد عمروا أو بالعكس ممّا لا ريب في أنّه قد تحقّق الجعل الإمضائي من الله تعالى لما جعله العبد على نفسه وكما في الأيمان والنذور وغيرها أيضا.
__________________
(١) انظر فرائد الأصول ٣ : ٢٢٣.
(٢) انظر أجود التقريرات ٤ : ١٢٤.
(٣) ما بين القوسين من إضافات بعض الدورات اللاحقة.