مقدورا قبل الزجر بل ومتحقّقا إلّا أنّه ترك لا يكون امتثالا لأمر المولى ؛ ولذا التزمنا في موارد عديدة كونه مسقطا للتكليف بالترك لا امتثالا له ، وحينئذ فيكون فائدة الزجر كون الترك ممّا يمكن أن يستند إلى زجر المولى ليحصل به كمال النفس وبلوغها درجات الكمال ، ولا ينافيه وجود الداعي الآخر في العبادات.
مثلا الوضوء إن كان بقصد التبريد لا إشكال في بطلانه لعدم وقوعه بنيّة صالحة ، وكذا لو كان بنحو يكون كلّ من أمر المولى والتبريد بنحو المجموع علّة للوضوء ، فإنّ الأمر في المقام ليس مستقلّا بالداعويّة فليس الوضوء بنيّة صالحة ، أمّا لو كان كلّ من أمر المولى والتبريد وحده مستقلّا بالداعويّة بحيث لو لا قصد التبريد لكان يتوضّأ أيضا بقصد الأمر ، ولو لا الأمر لكان يتوضّأ أيضا بقصد التبريد فكلّ منهما مستقلّ بالداعويّة ولكن اقترنا اتّفاقا ، فهنا النيّة الصالحة متحقّقة ولا تنافيها الضميمة كما ذهب إلى الصحّة جملة من المحقّقين (١) فوجود الداعي لو لا الأمر لا يرفع داعوية الأمر فيجوز الأمر من المولى وإن وجد الداعي لما أمر به ، لأنّ الأمر يوجب أن يقع بنيّة صالحة وهو المقصود منه لتحصل الكمالات النفسية الّتي بعث النبيّ لإتمامها ، وإمكان قصد الأمر بالتوصّليّات كاف في داعويّة الأمر أيضا لما ذكرنا.
فظهر أنّ ما ذكر من أنّ الخروج عن محلّ الابتلاء عادة ممّا يوجب عدم تنجيز العلم الإجمالي ليس صحيحا بإطلاقه ، بل إن رجع إلى عدم القدرة العقليّة فهو مسلّم ، وإلّا فلا لما ذكرناه فراجع.
ثمّ إنّه إذا قلنا بمقالة القوم من أنّه يعتبر في تنجيز العلم الإجمالي كون جميع الأطراف داخلة في محلّ الابتلاء فلا كلام ، كما أنّه إذا قلنا بعدم اعتبار أزيد من القدرة العقليّة فلا كلام أيضا.
__________________
(١) انظر المنتهى ٢ : ١٧ ، والتذكرة ١ : ١٤٣ ، والطهارة للشيخ الأنصاري ٢ : ٩٣ ، وغيرها.