والإباحة لا يعتنى باحتمال الحرمة مع أنّه احتمال مفسدة لا يعارضه احتمال
مصلحة ، فكيف إذا انضمّ إلى احتمال المفسدة احتمال المصلحة؟ فعدم الاعتناء باحتمال
المفسدة حينئذ أولى ، فتأمّل.
وأمّا القول
بالتخيير الشرعي ، فإن اريد من التخيير الشرعي التخيير في المسألة الاصوليّة كما
احتمل أن يكون هو المراد في الأخبار العلاجيّة أيضا ، بمعنى أنّ المجتهد يختار أحد
الأمرين من الوجوب والحرمة فيفتي به ، فهو ـ مع أنّه لا دليل عليه أصلا لورود
الأخبار العلاجيّة بالتخيير في تعارض الخبرين تعبّدا ـ تشريع محرّم وقول بغير علم
، إذ لو سئل ما مدركك في الحكم بالتخيير؟ لا يرى له حجّة يعتدّ بها.
وإن اريد من
التخيير التخيير في مقام العمل فهو غير معقول ، لأنّ الشارع إنّما يبعث نحو شيء
يمكن أن يفعل وأن يترك ليجعل الباعث نحو أحدهما ، أمّا ما لا بدّ من وقوعه فلا
يعقل للشارع طلبه ، إذ هو تحصيل للحاصل ، والتخيير بين الفعل والترك في المقام لا
بدّ منه ، إذ هو إمّا أن يفعل أو يترك.
وأمّا التخيير
العقلي والحكم بالاباحة شرعا كما اختاره الآخوند قدسسره مستندا في الحكم بالإباحة شرعا إلى قوله : «كلّ شيء
حلال حتّى تعرف أنّه حرام بعينه فتدعه» إذ لم يعرف في المقام المحرّم بعينه فهو حلال.
فلا يخفى عليك
ما فيه ، فإنّ محلّ الكلام في دوران الأمر بين المحذورين ، سواء كان في الشبهة
الموضوعيّة أو الحكميّة وإن لم نطّلع على مثال له في الفقه في الشبهة الحكميّة ،
وما ذكره من الدليل على الحكم بالإباحة ظاهرا خاصّ بالموضوعيّة بقرينة «بعينه».
وثانيا : أنّ
جعل الحكم الظاهري مطلقا مشروط باحتمال موافقة الواقع ، إذ هو طريق إليه فلا بدّ
من احتمال الإيصال فلا يمكن في المقام جعل الحكم ، إذ الحكم الظاهري مقطوع بعدمه
في الواقع فلا يمكن الجعل الشرعي الظاهري أصلا.
__________________