وبالجملة ، الظاهر من سياق هذه الأخبار هو جعل الاستحباب بالعنوان الثانوي ، إلّا أنّ الكلام في أنّها توجب استحباب ذات العمل أو توجب استحباب العمل المأتيّ به رجاء الأمر الاستحبابي واقعا؟
قال الاستاذ أيّده الله تعالى : وهذا النزاع إنّما يتأتّى إذا قلنا إنّ أدلّة الاحتياط لا تقتضي استحباب الإتيان بالاحتياط رجاء ، وإنّما تقتضي استحباب ذاته.
وأمّا إذا قلنا باقتضاء الإتيان به رجاء لإدراك الواقع فلا حاجة إلى البحث هنا في هذا الكلام ؛ إذ يأتي به رجاء بأدلّة الاحتياط من غير حاجة إلى أخبار من بلغ الظاهر أنّها دالّة على استحباب ذات العمل ، لأنّ الصحيحة في تلك الأخبار وهي صحيحة هشام : «من بلغه شيء من الثواب فعمله كان أجر ذلك له وإن كان رسول الله صلىاللهعليهوآله لم يقله» (١) فقد رتّب الثواب على نفس العمل لا العمل رجاء إدراك الواقع ، فافهم (*).
(وممّا يدلّ على أنّ أخبار من بلغ في مقام جعل الاستحباب لذات العمل لا في مقام الإرشاد لحكم العقل بحسن الانقياد ، هو اعتبار البلوغ في موضوعها مع عدم اعتبار البلوغ في موضوع الانقياد ، إذ من احتمل وجوب شيء لا من خبر بلغه إذا أتى به منقادا يثاب بثواب الانقياد قطعا ، فاعتبار البلوغ دليل على جعلها لاستحباب ذات العمل) (٢).
__________________
(١) الوسائل ١ : ٥٩ ، الباب ١٨ من أبواب مقدّمات العبادات ، الحديث الأوّل.
(*) ولا يخفى أنّ أخبار الاحتياط مثل : «أخوك دينك» وغيرها إنّما هي في الواجبات المحتملة ، وأخبار من بلغ في محتمل الاستحباب ، فموضوع أحدهما غير موضوع الآخر ، إلّا أن يقال بأنّ الإتيان بمحتمل الوجوب رجاء مشارك مناطا للإتيان بمحتمل الاستحباب ، فتأمّل.
(الجواهري). راجع الوسائل ١٨ : ١٢٣ ، الباب ١٢ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٤١.
(٢) ما بين القوسين من إضافات بعض الدورات اللاحقة وأضاف المقرّر في آخره : فتأمّل (الجواهري).