أمارة للتذكية ـ كهذه الجلود الّتي هي محلّ ابتلائنا المجلوبة من بلاد الكفر مع القطع بأنّ الجالب لها لا يخطر في ذهنه ملاحظة أنّ ذابحها مسلم أو غيره ـ فاستصحاب عدم التذكية حينئذ محكّم قطعا ولا قاطع له ، لكن بهذا الاستصحاب يحرم أكل لحمه قطعا ، لأنّ المستثنى من حرمة أكل اللحم خصوص المذكّى بصريح الآية (١) فغير المذكّى حرام الأكل قطعا. وكذا يحرم لبسه في الصلاة بمعنى بطلان الصلاة في مثل هذه الجلود ، لأنّ غير المذكّى قد اخذ في لسان الأخبار مانعا عن صحّة الصلاة ، إلّا أنّ الكلام في نجاسة مثل هذه الجلود فإنّ النجاسة قد حملت في لسان الأدلّة على الميتة ، لكنّ الكلام في أنّ الميتة أمر وجودي أو أمر عدمي.
وبعبارة اخرى ، هل الميتة عبارة عمّا استند موته إلى غير السبب الشرعي ، أو عبارة عمّا لم يستند موته إلى السبب الشرعي؟ الظاهر الأوّل ، فهو حينئذ أمر وجودي فلا يثبت باستصحاب عدم التذكية إلّا على القول بالأصل المثبت.
وبعبارة اخرى ، أنّ استصحاب عدم التذكية لا يجري لمعارضته باستصحاب عدم الموت فيتعارضان ، ولو جرى لكان بالنسبة إلى الحكم بالنجاسة مثبتا.
وبالجملة ، فما ذكره النراقي (٢) : من معارضة استصحاب عدم التذكية باستصحاب عدم الموت فيتساقطان فيرجع إلى أصالة الطهارة لسلامته عن المعارض قويّ جدّا ، إلّا أن يقال بأنّ النجاسة من أحكام ما لم يذكّ كما ذهب إليه شيخنا الحاج آغا رضا الهمداني قدسسره (٣) مستندا إلى مفهوم ذيل مكاتبة الصيقل : «فإنّ كان ما تعمله وحشيّا ذكيّا فلا بأس» (٤) زاعما أنّ مفهومه : فإن كان ما تعمله ليس ذكيّا ففيه البأس ، وحيث إنّ الكلام في الجلود فالبأس عبارة عن النجاسة.
__________________
(١) المائدة : ٣.
(٢) مستند الشيعة ١ : ٣٥١ ، المناهج : ٣٣٣ ، ذيل ٢٣٤.
(٣) كتاب الطهارة من مصباح الفقيه : ٦٥٣ ، السطر ٥ ، ط. الحجرية.
(٤) الوسائل ٢ : ١٠٥١ ، الباب ٣٤ من أبواب النجاسات ، الحديث ٤.