ثمّ إنّ هذه المقدّمة الرابعة قد يقرّر عدم الامتثال بنحو الاحتياط فيها ، بأنّ الاحتياط فيها غير لازم شرعا (*) بمعنى أنّ الاحتياط غير واجب فيها فيكتشف العقل حينئذ أنّ الشارع قد جعل الظنّ حجّة ، إذ لا معنى لبقاء تكاليفه بغير طريق يعيّنه لامتثالها فلا بدّ من جعله الظنّ حجّة ليكون طريقا لامتثالها ، وهذا هو تقرير المقدّمات بنحو الكشف.
وقد يقرّر عدم الامتثال بنحو الاحتياط بأنّ الشارع لا يرضى بامتثال جميع تكاليفه بنحو الاحتياط ، إذ لم يجعل الاحتياط طريقا شرعيّا لامتثال جميع التكاليف ، فالعمل بالاحتياط كلّية غير جائز في جميع الأحكام ، فإذا علمنا بعدم رضا الشارع بالاحتياط الّذي هو مقتضى العلم الإجمالي فالاحتياط بجميع الفروع يبغضه الشارع ، فلا بدّ من التبعيض في الاحتياط بالعمل بالمظنونات من باب أنّ العلم الإجمالي منجّز له لا من باب أنّ الظنّ حجّة بحكم العقل ، وإلّا لكان اللازم تحصيل الظنّ بالامتثال وهو لا يحصل بالإتيان بالمظنونات فقط ، إذ المفروض
__________________
(*) غير ممكن وغير واجب لأدائه إلى العسر والحرج ، أو غير جائز لأدائه إلى اختلال النظام ، وحينئذ فلا دليل على بطلان الاحتياط كلّية ، إذ الاحتياط حيث يمكن ولا يلزم منه عسر وحرج ولا اختلال النظام ليس بباطل ، بل يحتّمه العقل ويدرك حسنه ، فنتنزّل إلى التبعيض في الاحتياط ، فنحتاط احتياطا يوجب الظنّ بالإصابة بعد فرض عدم جواز الاحتياط بنحو يوجب الجزم بالإصابة. وهذا هو تقرير المقدّمات بنحو الحكومة بمعنى إدراك العقل حسن الاحتياط في خصوص المظنونات ، ولا يستكشف منه جعل حجّية الظنّ.
وقد يقرّر بعدم جواز الاحتياط في كلّي الشريعة ومجموع أحكامها ؛ لأنّ أساس الشريعة لا يمكن أن يبتنى على الاحتياط للإجماع على لزوم الجزم في النيّة في الجملة ، وحينئذ فيستكشف العقل أنّ الشارع قد جعل طريقا إلى إدراك أحكامه وامتثالها ، وحيث لا أقرب من الظنّ فيستكشف أنّه هو المجعول للشارع المقدّس ، وإلّا لزم ترجيح المرجوح على الراجح وهو قبيح. (من إضافات بعض الدورات اللاحقة).