٣) مكانة هذا المعجم باعتباره مصدرا أساسيا لما أتى بعده من المعاجم المتخصصة والعامة من أمهات معاجمنا الكبرى ، لأننا نجد أثره واردا في مقاييس ابن فارس (ت ٣٥٥ ه) الذي يقول «وبِنَاءُ الأمر في سائر ما ذكرناه على كتب مشتهرة عالية تحوي أكثر اللغة ... ومنها كتابا أبي عبيد في (غريب الحديث) و (مصنف الغريب) حدثنا بهما علي بن عبد العزيز عن أبي عبيد» ، وفي صحاح الجوهري (ت ٤٠٠ ه) وفي «مخصّص» ابن سِيدَهْ ، وفي «محكمه» حيث يقول : «وأمّا ما ضمّناه كتابنا هذا من كتب اللغة فمصنّف أبي عبيد ، والإصلاح ، والألفاظ والجمهرة وتفاسير القرآن وشروح الحديث». وهو معتمد بالضرورة في لسان العرب الذي ارتكز على مدوّنات خمس منها محكم ابن سِيدَهْ السالف الذكر.
٤) الاهتمام بهذا المعجم لما تميّز به من مواصفات معجمية وتقنية متصلة بمراحل تطوّر المعجم العربي. فهو ينتسب إلى ما يسمى بكتب الصّفات أو ما يدعى اليوم بمعاجم الصفات أو المعاني التي تنتسب إلى معاجم الأشياء وإلى معاجم اللغة في نفس الوقت. وهو بالتّالي موسوعة لغوية تدور حول مفاهيم ركيزتها الإنسان ، ولا يخضع إلى ترتيب ألفبائي أو صوتي ، شأنه تنظيم مادة اللغة تنظيما آليا ، لأنهُ لا يَدّعي استيعاب اللّغة كلّها بل الإلمام بمواضيع تستوجبها ثقافة العصر الداعية إلى المحافظة على الثقافة العربية البدوية ، أمام هجمة الثقافة التي جاءت بها الشعوب التي دخلت الإسلام حاملة معها مفاهيمها ومعانيها.
٥) توفير مدونة ستفسح لنا المجال لدراسة مواضيع شتى متعلقة بقضايا الجمع والوضع والتعريف والاستشهاد بالشعر والقرآن والحديث إلخ ... مما سيزودنا بمعلومات مفيدة نستكمل بها مواصفات المعجم العربي من حيث محتواها وفنياته ، لا سيما وأن «الغريب المصنف» يمثل منزلة بين المنزلتين في تاريخ المعجم العربي ، لمكانته بين الرسائل المفردة والمعاجم المهيكلة.