الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكانٍ سَحِيقٍ) هذا مثل لمن تجرأ على معصية الله في الشرك أو غيره من الكبائر التي هي بحكم الشرك كالأذى والإساءة إلى الناس ، وأنه في ضلاله وهلاكه تماما كمن يسقط من السماء ، فتقطعه الطيور الكاسرة إربا إربا أو تدفع به الريح العاتية إلى مكان عميق وسحيق.
٣٢ ـ (ذلِكَ) أي الأمر ذلك (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللهِ) وشعائره تعالى وحدوده وحرماته وأحكامه وفرائضه كلها مترادفات أو متقاربات (فَإِنَّها) على حذف مضاف أي فإن تعظيم الشعائر (مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) في نهج البلاغة : لو أن السموات والأرضين كانتا على عبد رتقا ـ ضد الفتق ـ ثم اتقى الله لجعل له منهما مخرجا.
٣٣ ـ (لَكُمْ فِيها) في الأنعام المهيأة للذبح في الحج (مَنافِعُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) للحاج أن ينتفع بلبن أضحيته وظهرها إلى حين الذبح (ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ) أي أن مكان ذبح الأنعام هو الحرم ومنه منى ومكة.
٣٤ ـ (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ) من الأمم الماضية (جَعَلْنا مَنْسَكاً) بذبح الأنعام لوجه الله لا للأصنام ، وإلى هذا أشار سبحانه بقوله : (لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ) وذكر الجلالة على الذبيحة للدلالة على أنها خالصة لله وحده ، وسئل النبي (ص) : ما هذه الأضاحي؟ قال : هي سنة أبيكم إبراهيم. قالوا : ما لنا منها؟ قال : بكل شعرة حسنة (فَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) وأصول العقيدة واحدة ، وإن تعددت الأنبياء ، وتنوعت الشرائع السابقة في أحكامها الفرعية. (فَلَهُ أَسْلِمُوا) انقادوا لأمره تعالى قولا وعملا (وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ) المتواضعين الواثقين بربهم ودينهم.
٣٥ ـ (الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ ...) لا مكان للشيطان في القلب التقيّ النقي ، لأنّه في شغل شاغل بالخوف من عذاب الله والرجاء لثوابه والشكر لنعمائه والصبر على بلائه والإيمان الصادق الواثق بجوده وعطائه ، أمّا إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة فهما أثر من آثار هذا الإيمان وثماره قال الإمام عليّ (ع) : لا يصدق إيمان عبد حتى يكون بما في يد الله أوثق منه بما في يده ٣٦ ـ (وَالْبُدْنَ) جمع بدنة وهي الناقة السمينة ويلحق بها البقرة في الحكم (جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللهِ) أي جعل نحرها أو ذبحها من أحكام الشريعة التي شرّعها الله (لَكُمْ فِيها خَيْرٌ) دنيا بمنافعها وآخرة بثواب الله على ذبحها لوجهه الكريم (فَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْها صَوافَ) قائمات قد صففن أيديهنّ وأرجلهن (فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها) فإذا سقطت أرضا على جنبها عند الموت (فَكُلُوا مِنْها) على الرخصة والإباحة لا على الوجوب (وَأَطْعِمُوا) على الوجوب (الْقانِعَ) الراضي بما تعطيه المتعفّف عن المسألة والتسوّل (وَالْمُعْتَرَّ) الذي يتعرض لك بطريق أو آخر لتعطيه (كَذلِكَ) كما أمرناكم بهذا (سَخَّرْناها لَكُمْ) في كل ما تريدونه منها حتى الذبح (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) فوجب الشكر على هذه النعمة الجلى ٣٧ ـ (لَنْ يَنالَ اللهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها) لأنه الغني عن كل شيء ، وإليه يفتقر كل شيء (وَلكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ) أي يناله تعالى الرضا عنكم ، لأنه يريد من عبده أن يكون مرضيا لديه تماما كما يريد الوالد من ولده أن يكون ناجحا في دروسه وسلوكه. وفي الحديث : «تقع الصدقة في يد الرّحمن قبل أن تقع في يد السائل». والله سبحانه هو المالك