والرازق ولكن يريد من عبده أن يكون كريما (كَذلِكَ سَخَّرَها لَكُمْ) ولا هدف من هذا التكرار والتوكيد إلا التذكير بأنعمه وإلّا (لِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ) لتعرفوا عظمة الله في قدرته ، وفضله في هدايته لكم من الضلال والظلام إلى النور والفلاح (وَبَشِّرِ) يا محمد (الْمُحْسِنِينَ) لا بالأضاحي وكفى ، بل بشتّى مظاهر الإحسان ، وبالأخصّ من ترك شيئا جديدا ومفيدا لأخيه الإنسان.
٣٨ ـ (إِنَّ اللهَ يُدافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا) هذه الآية خاصة بالمؤمنين في صدر الإسلام حيث كان الإسلام غريبا وضعيفا ، وكانت كلمة الإيمان تؤدي بقائلها إلى القتل والهلاك أو التعذيب والتنكيل ، ومن هنا كان التصديق بمحمد (ص) من حيث هو موجبا لدخول الجنّة ، فقد جاء في المجلّد الثاني من أصول الكافي عن المعصوم (ع) : أن ما من أحد مات في السنين العشر من البعثة ، هو يشهد أن لا إله إلا الله ومحمد رسول الله إلا أدخله الله الجنّة بإقراره ، وهو إيمان التصديق ، ولم يعذب الله أحدا ممن هو متبع لمحمد (ص) (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ) خوان : يخون دينه وضميره. ووطنه وأمّته ، وصديقه وإنسانيّته ، كفور : يجحد المعروف والإحسان ، ويسيء لمن نصح له بلا مقابل.
٣٩ ـ (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا) هذه أوّل آية نزلت في الإذن بالقتال دفاعا عن النفس ، ومعناها إذن بالقتال الذين يستطيعون حمل السلاح والجهاد ، بسبب ما حلّ بهم من الظلم والعدوان ، فقد تحمّل النبي والصحابة ألوانا من الأذى والتنكيل دون أن يقاوموا. لأن المقاومة كانت آنذاك أشبه بعملية انتحارية لضعف المسلمين وقوّة المشركين وبعد الهجرة إلى المدينة من عصبة الشرك والطغيان ، أصبح المسلمون أهل قوّة رادعة ، ولذا أذن سبحانه لنبيّه وللمسلمين أن يقاتلوا ، ووعدهم بالنصر بعد التنكيل بهم والتشريد الذي أشار إليه سبحانه بقوله ٤٠ ـ (الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍ) شرد المشركون بالمسلمين إلى الحبشة والمدينة لا لشيء (إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ) وهذه الكلمة أشدّ وقعا من الصاعقة على قلوب الجبابرة الطغاة لأنها تضع الجميع على مستوى واحد في الحقوق والواجبات ، ولا تبقي فضلا لأحد إلّا بما يقدّمه من عمل صالح ينتفع به الفرد والمجتمع ولو وقف الأمر على مجرد النطق بكلمة التوحيد لهان عليهم سماعها ، بل واستسلموا ونطقوا بها ، ولكن وراءها العدالة والمساواة وهم أعدى أعدائها. (وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ وَمَساجِدُ) في مجمع البيان للشيخ الطبرسي : الصوامع أيام شريعة عيسى ، والبيع أيام شريعة موسى ، والمساجد أيام شريعة محمد. والمعنى لو لا القوّة الرادعة لفسدت الأرض. وأهلك القوي الضعيف ، قال الإمام عليّ (ع) : السلطان وزعة الله في أرضه ، أي يأوي إليه كل مظلوم. وأيضا قال : لا بد للناس من أمير بر أو فاجر ، تأمن به السبل ويؤخذ به للضعيف من القوي (وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ) هذا ترغيب في الجهاد لنصرة الحق وأهله ، وأيضا يسوغ تفسيره أن المبطل إذا غلب المحقّ في الدنيا فإن الله سبحانه ينصر هذا غدا. ويخذل ذاك ، هذا فيما يعود إلى الفرد العادي ، أما الدولة ورجالها فقد أشار إليهم سبحانه بقوله :
٤١ ـ (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ) بالحكم والسلطان (أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ) أقسم سبحانه أن ينصر الحاكمين شريطة أن يؤدوا حق العبادة لله صوما وصلاة وحجّا وزكاة ، وأن يحقوا الحق ، ويبطلوا