أي من قومه (سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقاتِنا) صحبهم معه إلى الطور ليسمعوا كلام الله ، ويزدادوا إيمانا ، ولما سمعوا كلامه جل وعز قالوا : أرنا الله جهرة.
(فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ) الصاعقة عقابا لهم على هذه الجرأة (قالَ) موسى : (رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ) اختار موسى من بني إسرائيل ٧٠ رجلا ، وصحبهم معه إلى الله ، ولما طلبوا الرؤية سفها وجهلا أهلكهم سبحانه من دون موسى. فما يصنع؟ هل يعود إلى بني إسرائيل وحيدا فريدا وهل يقبلون منه لو أعلمهم بالحقيقة؟ إنه لموقف يضعف فيه الفؤاد وتقل فيه الحيلة ، فتضرع إلى الله سبحانه أن يكشف عنه ما هو فيه (أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا) كلا ، إنك أجل وأعظم (إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ) أي محنتك وابتلاؤك (تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ) والله سبحانه عادل وحكيم ، ويستحيل في حقه أن يضل أحدا من عباده إلا أن يختارها هو بملء حريته (فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ) ـ ٥ الصف» (وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ) بعد ان يختار العبد الهداية لنفسه (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً) ١٧ محمد».
١٥٦ ـ (قالَ عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ) من المجرمين وأهل المعاصي (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) فما من مؤمن ولا كافر ولا مطيع ولا عاص إلا وهو متقلب في نعمة الله ورحمته ، وبكلمة العذاب مشروط بالمعصية ، أما الرحمة فهي بلا قيد وشرط (فَسَأَكْتُبُها) على الحتم والجزم يوم القيامة (لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ) أي يأتمرون بأمر الله ، وينتهون بنهيه.
١٥٧ ـ (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَ) محمدا ، والأمية وصف خاص به من دون الأنبياء ، إشعارا بأنه على أميته أخرج الناس من الظلمات إلى النور (الَّذِي يَجِدُونَهُ) أي يجدون أوصافه (مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ) تقدم في الآية ١٤٦ من البقرة (يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ) أثقالهم أي أنه تعالى يريد بعباده اليسر ولا يريد بهم العسر (وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ) فالإنسان حر في آرائه وفي اختيار الأسلوب الذي يتلاءم معه في الحياة على أن تنتهي حريته عند حرية الآخرين ومصلحتهم ، لأن الحرية الخاصة تحمل في طبيعتها مكروب القضاء على كل حرية. ولا بد من الإشارة إلى أن هذه الآية الكريمة تحدد الإسلام بكلمات قليلة وواضحة يمكن تلخيصها بأنه حينما يوجد الخير والمصلحة فثم دين الله وشريعته.
____________________________________
الإعراب : (قَوْمَهُ) منصوب بنزع الخافض ، أي واختار من قومه. و (سَبْعِينَ) مفعول اختار : و (رَجُلاً) تمييز. و (لَوْ شِئْتَ) مفعول شئت محذوف أي لو شئت إهلاكنا. و (أَهْلَكْتَهُمْ) جواب لو ، وإياي معطوف على الضمير المنصوب في أهلكتهم. و (إِنْ هِيَ) ان نافية بمعنى ما ، وهي ضمير عائد الى الرجفة. و (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ) بدل من للذين يتقون.