جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِ) أبدا لا جدوى من هذا الاعتراف ، فذوقوا ما كنتم به تكذبون (فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ فَيَشْفَعُوا لَنا) عند الله في غفران خطايانا (أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ) ولو استجاب سبحانه لدعوتهم هذه لبطلت المقاييس ، واستوى مصير الطيب والخبيث والمحسن والمسيء (قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) بهلاك دينهم وضميرهم.
٥٤ ـ (إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) هذه الأيام كناية عن الدفعات أو الأطوار حيث لا زمان ولا أيام قبل الكون ، هذا إلى أن إنشاء شيء على الترتيب أدل على أن الفاعل عليم حكيم ، وعلى أية حال فإن القرآن الكريم ينطق بصراحة في أكثر من آية ـ أن وجود الكون لم يتم دفعة ـ وهذا ما يتفق تماما مع ما يذهب إليه العلم الحديث. ويستحيل أن يعلم ذلك محمد (ص) لو لم يكن نبيا يتلقى الوحي من خالق الكون.
(ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) ليس الله تعالى جسما كي يجلس على العرش المحسوس والا افتقر إلى حيز وهو الغني عن جميع ما خلق ، وعليه يجب تأويل الظاهر بما يجيزه العقل وقوانين اللغة إن أمكن وإلا وجب التفويض إلى علم الله ، والتأويل هنا ممكن لغة وعقلا ، وهو عند أكثر العلماء أن معنى استوى : استولى ومعنى العرش : الملك والتدبير (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) ـ ١١ الشورى» (يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ) كل منهما يأتي عقب الآخر (يَطْلُبُهُ حَثِيثاً) سريعا بحيث يأتي في أثره بلا فاصل ، بل يلج كل في صاحبه كما قال سبحانه : «يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل» (وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ) بل والأرض وكل شيء من أشياء الكون من صغيره إلى كبيره والنواميس الثابتة الراسخة في الكون التي أودعها سبحانه فيه بعلمه ، وقدرها تقديرا بحكمته. (أَلا لَهُ الْخَلْقُ) لأنه منه لا من غيره ، والشاهد فيه عليه ، وله (وَالْأَمْرُ) كله ، يحكم ما يشاء ، ويفعل ما يريد ، ولا معقب لحكمه.
٥٥ ـ (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً) ومعنى الدعاء : العبادة بإخلاص ، والتضرع : التواضع وعدم العجب والخفية : البعد عن التباهي والرياء (إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) الذين يتجاوزون حدود أمره ونهيه.
٥٦ ـ (وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ) كفوا الأذى عن عيال الله ، ولا يظلم بعضكم بعضا ، ولا تعكروا صفو الحياة بالطمع والجشع ، وتعاونوا على الخير والصالح العام (بَعْدَ إِصْلاحِها) حيث سير سبحانه كل شيء في الأرض على ما يرام كي يتمتع الإنسان بخيراتها وبركاتها طيلة حياته (وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً) لا خوف مطلق ولا رجاء مطلق بل بين بين ، قال الإمام الصادق (ع) : في قلب المؤمن نوران نور خوف ، ونور رجاء ، لو وزن هذا لم يزد على هذا (إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) الذين يتهمون أنفسهم ، ويتوقعون منها الخطأ ، ولا يصرون على أن ما ينطقون به هو الوحي المنزل.
٥٧ ـ (وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ ...) الرياح تهب والشمس تبخر ماء البحار ، وترتفع الرياح بهذا البخار