إلى العلو ، ثم تجذبه الأرض إليها ، فيتساقط عليها قطرات متراكمة ، فتحيا بعد موتها ، وتنبت من كل زوج بهيج ، كل ذلك يسير وفقا لنفس السنن التي أودعها سبحانه في الطبيعة ، وبتعبير العارفين أن الطبيعة هي قرآن الله المكتوب بالنظام الكوني والقانون الطبيعي.
٥٨ ـ (وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ) المخصب (يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ) زاكيا ناميا (وَالَّذِي خَبُثَ) المجدب (لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً) عسرا ونزرا ، والإنسان ابن الأرض ، وبها يشبه ، وفي أبنائها النبيل الكريم ، تهزه الأريحية ، فيندفع آليا إلى كل خير ومكرمة ، وفيهم الخسيس الشحيح ، لا تحركه الف آية ورواية ، ومعها ألف خطاب وقصيدة.
٥٩ ـ (لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ) في قاموس الكتاب المقدس : «نوح اسم سامي معناه راحة ، وهو ابن لامح منو شالح بن أخنوخ بن يارد بن مهللئيل بن قينان ابن أنوش بن شيت ابن آدم سماه أبوه نوحا قائلا : هذا يعزينا عن عملنا وتعب أيدينا من قبل الأرض».
(فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ) هذا النداء هو الحد الدائم والمستقيم لرسالة جميع الأنبياء : لا إله إلا الله وحده لا شريك له.
٦٠ ـ (قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ) وهم القادة والرؤساء وأصل البلاء والداء العياء : (إِنَّا لَنَراكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ).
ولقولهم هذا سبب لأن لكل شيء سببا ، وليس من شرطه أن يكون حقا في الواقع ، بل قد يكون باطلا في الواقع وحقا عند الجاهل أو المكابر ، والسبب الموجب لقولهم هذا عن نوح أنه جاءهم بشيء جديد ما سمعوا به هم ولا آباؤهم من قبل ، فحرم ما أحلوا ، وأحل ما حرموا ، وفوق ذلك جعل الآلهة إلها واحدا.
٦١ ـ (قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ) أرأيت إلى هذا الأسلوب الحكيم العظيم؟ قالوا له : أنت في ضلال مبين. فلم يقل لهم : بل أنتم الضالون. بل بلع خطأهم وصفح وتساهل لأنه أراد أن يأخذهم باللين ، وأن يعلمهم التواضع بالفعل لا بالقول ، وأن لا يدع لهم أية وسيلة يتذرعون بها ويقولون له احتقرتنا وخاطبتنا بشدة وقسوة. ولم تدعنا بالحكمة والموعظة الحسنة.
٦٢ ـ (أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي) التي تهدف إلى هدي البشر وإسعاده ، وبث التعاون وروح الأخوة بين أفراده (وَأَنْصَحُ لَكُمْ) ومن هنا نفروا ، لأنهم لا يحبون الناصحين بنص الآية ٧٩ من هذه السورة (وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) من حرامه وحلاله وثوابه وعقابه.
٦٣ ـ (أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ) رفضوا الإذعان للحق لا لشيء إلا لأن الناطق به رجل مثلهم ، وهذا هو الحسد بالذات ، وقد أعلنوه بصراحة في قولهم : (وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ) ـ ٢٧ هود». وجاء في الأشعار : «وقديما كان في الناس الحسد» وقد مضى على عهد نوح آلاف السنين.
٦٤ ـ (فَكَذَّبُوهُ فَأَنْجَيْناهُ ...) فاض الماء ، وما بقي على الأرض إلا نوح والذين آمنوا به ، ويأتي المزيد