والجزم بمطلوبه النفس الأمر من المحالات الا في قليل من الأحكام ، لانّ ادلّة الأحكام عندنا منحصرة بالكتاب والسنّة والعقل والاجماع.
والاوّل : اعني القرآن لا يفيد الّا الظنّ لعدم قطعيّة دلالته وان كان سنده قطعيّاً.
والثاني : يعني الاخبار ايضاً لا يفيد الّا الظن لعدم قطعيّة سندها لوجوه متعدّدة وان كان متنها قطعيّاً ، والمتواتر منها قليل جدّاً.
والثالث : اعني الادلّة العقليّة منحصرة بالإستصحاب وهو ايضاً لا يفيد الّا الظنّ لانّ العمدة في حجيته هي الاخبار وهي لم تبلغ حدّ التواتر حتى يفيد العلم.
وامّا الرابع : اعني الاجماع فالمنقول منه باخبار الاحاد فحكمه كذلك ، والّذي بلغ ناقلوه بحدّ التواتر قليل جدّاً ، والاستنباطي الّذي كان مفيداً للعلم ايضاً في غاية القلّة.
فظهر من هذا ان معظم الاحكام الشرعيّة وجلّ المسائل الفقهيّة انّما يستنبط من الظنّ ولا طريق للعلم إليه ، ولذا تحقق الاجماع من علمائنا على الاكتفاء بالظنون الاجتهاديّة في الاحكام الشرعيّة لئلا يلزم تعطيل الاحكام وانسداد أبواب الحلال والحرام. فحينئذٍ كيف يمكن حصول القطع في جميع الاحكام أو جلّها فلايمكن حمل الحلال البيّن والحرام البيّن على ما ذكرت.
فظهر انّ الحلال البيّن والحرام البيّن ان كان المراد منهما الحلال البيّن