المجاز العقلى
المجاز فى اللغة مأخوذ من جاز المكان يجوزه ، إذا انتقل من مكان إلى مكان ، ويقال جاز الطريق يعنى سار فيه (١). وتعريفه فى اصطلاح البلاغيين امتداد لمعناه اللغوى إلا إنه أخص ، لأن المعنى اللغوى يشمل كل انتقال ، على أن الأصل فى اللغة يدور حول انتقال الأجسام ، أما فى البلاغة فهو مقصور على نقل الألفاظ من معنى إلى معنى آخر.
وفى هذا المعنى يقول الإمام عبد القاهر الجرجانى «المجاز مفعل من جاز الشيء يجوزه إذا تعداه وإذا عدل باللفظ عما يوجبه أصل اللغة وضعا على أنه مجاز ، على معنى أنهم جازوا به موضعه الأصلى أو جاز هو مكانه الذى وضع فيه أولا» (٢).
وقد تطور هذا التعريف بعد الإمام عبد القاهر فى مباحث الحقيقة والمجاز فى البحث البلاغى ، وقد قسموا المجاز قسمين :
* المجاز اللغوى وعرفوه بأنه : استعمال اللفظ فى غير ما وضع له لعلاقة بين المعنى الوضعى للفظ ، والمعنى المجازى.
* المجاز العقلى ، وفرقوا بين المجاز اللغوى والمجاز العقلى بأنه فى المجاز اللغوى يتم التصرف فى معانى اللغة كما فى مبحث الاستعارة فاستعارة كلمة أسد للرجل المقدام تم التصرف بإحلال معنى الأسد بالرجل الشجاع ، أما المجاز العقلى فتكون معانى الألفاظ فيه مرادا منها المعانى الوضعية دون إدخال أى تغيير عليها ، أما تسميته مجازا فله اعتبار آخر ، هذا الاعتبار يظهر من تعريف المجاز العقلى كما ذكره الخطيب وتابعه عليه جمهور البلاغيين ، وهو : «إسناد الفعل أو معناه إلى ملابس له غير ما هو له بتأول» (٣) ويسمى المجاز الحكمى أو المجاز الإسنادى ، لأنه مجاز مركب لا يقع إلا فى الجمل.
يعنى أن المجاز العقلى يكون بإسناد الفعل ، أو ما فيه معنى الفعل كاسمى الفاعل والمفعول إلى غير فاعله فى حكم العقل والواقع.
والفاعل المجازى في المجاز العقلى يشترط فى صحة إسناد الفعل أو ما فى معنى الفعل ، إليه أن تكون له صلة بالفعل ، فإن لم تكن له بالفعل صلة فلا يجوز إسناد الفعل إليه ، ولا إسناد ما فيه معنى الفعل. وهذه الصلة هى التى أشار إليها الإمام الزمخشرى بالملابسة وأخذها عنه الخطيب ، وجميع البلاغيين من بعده (٤) والذى يلابس الفاعل ويكون له بالفعل علاقة هو الآتى ، مع التمثيل له من القرآن الكريم.